الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَذَا هُنَا.
(وَلَا) يَمْلِكُ (إمَامُ وَنَائِبُهُ) إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ عَلَى حُرٍّ وَلَا قِنٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ثُمَّ قَالَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ السَّيِّدِ.
(وَتَحْرُم إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي مَسْجِدِ) بَلَدًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَا فَقَالَ: " أَخْرِجُوهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْرِبُوهُ " وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَطَعَ يَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ فَيُنَجِّسُهُ وَيُؤْذِيهِ (فَإِنْ أُقِيمَ) الْحَدُّ (فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (سَقَطَ الْغَرَضُ) لِحُصُولِ الزَّجْرِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي الْمَسْجِدِ.
[فَصْلٌ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا]
(فَصْلٌ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ) فِي الْحَدِّ (قَائِمًا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ قِيَامَهُ وَسِيلَةٌ إلَى إعْطَاءِ كُلٍّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ (بِسَوْطٍ) مِنْ غَيْرِ جِلْدٍ (لَا حَدِيدَ فَيُجَرِّحُ وَلَا خَلَقٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ الْبَالِي لِأَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (حَجْمَهُ) أَيْ السَّوْط (بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا) أَيْ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا كَمَا مَرَّ (وَلَا يُضْرَبُ) فِي الْحَدِّ (بِعَصًا وَلَا غَيْرِهَا) مِنْ جِلْدٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ وَسَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ يَعْنِي وَسَطًا (وَإِنْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ) الْجَلْدَ بِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ لِلْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْجَلْدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي فَلَهُ) أَيْ الْإِمَامُ (ذَلِكَ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أُتِيَ بِشَارِبٍ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَا يُمَدُّ الْمَحْدُودُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ وَلَا يُجَرَّدُ) مِنْ ثِيَابِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرَ ثِيَابِ الشِّتَاءِ كَالْقَمِيصِ وَالْقَمِيصَيْنِ) صِيَانَةً لَهُ عَنْ التَّجْرِيدِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ أَلَمَ الضَّرْبِ وَلَا يَضُرُّ
بَقَاؤُهُمَا عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْوَةٌ أَوْ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ نُزِعَتْ) لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ (وَلَا يُبَالِغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ) لِأَنَّ الْغَرَض تَأْدِيبُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا قَتْلَهُ وَالْمُبَالَغَةُ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ (وَلَا يُبْدِي) الضَّارِبُ (إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ) أَيْ لَا يَرْفَعُ يَدَهُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ إبْطُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الضَّرْبِ.
(وَيُسَنُّ تَفْرِيقُ الضَّرْبِ عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ (وَجَسَدِهِ فَلَا يُوَالِي) الضَّرْبَ (فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حَظَّهُ وَ (لِئَلَّا يَشُقُّ الْجِلْدَ) أَوْ يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ وَالَى الضَّرْبَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (أَجْزَأَ) ذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَيُكْثِرُ مِنْهُ) أَيْ الضَّرْبُ (فِي مَوْضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ) لِأَنَّهَا أَشَدُّ تَحَمُّلًا (وَيَتَّقِي) الضَّارِبُ (الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ وَأَوْجِعْ وَاتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ.
(وَ) يَتَّقِي (الْفَرْجَ وَالْبَطْنَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْضِعَ الْقَتْلِ فَيَجِب اجْتِنَابُهَا) لِأَنَّ ضَرْبَهَا يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ (وَتُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا (وَيُضْرَبُ مِنْهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (الظَّهْرَ وَمَا قَارَبَهُ) أَيْ الظَّهْرَ وَكَذَا لَوْ ضُرِبَ الرَّجُلُ جَالِسًا.
(وَيُعْتَبَرُ لَهُ) أَيْ الْحَدُّ أَيْ إقَامَتِهِ (نِيَّةٌ لِيَصِيرَ قُرْبَةً فَيَضْرِبُهُ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ) لِأَجْلِهِ كَالزَّجْرِ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَإِنْ جَلَدَ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ) لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ (وَلَا يُعِيدُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَحْدُودِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَى الْمُقِيمِ لَهَا أَيْ الْحُدُودِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ لِلْعِبَادِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ (وَلَا تُعْتَبَر الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ) أَيْ فِي الْجَلْدِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَفِيهِ نَظَرٌ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا أَشَدُّ الْجَلْدِ ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ ثُمَّ الشُّرْبِ) نَصَّ عَلَيْهِ (ثُمَّ التَّعْزِيرِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ عَدَدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي إيلَامِهِ وَوَجَعِهِ لِأَنَّ مَا كَانَ أَخَفَّ فِي عَدَدِهِ كَانَ أَخَفَّ فِي صِفَتِهِ وَحَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَحَدُّ الشُّرْبِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّعْزِيرُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ.
(وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الضَّرْبُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ فَشَرْطُهُ التَّأْلِيمُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ اضْرِبْ وَأَوْجِعْ.
(وَيَحْرُمُ حَبْسُهُ) أَيْ الْمَحْدُودُ (بَعْدَ الْحَدِّ
وَأَذَاهُ بِالْكَلَامِ) كَالتَّعْيِيرِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْجَوْزِيّ لِنَسْخِهِ بِشَرْعِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ.
(وَلَا يُؤَخَّرُ حَدُّ الزِّنَا لِمَرَضٍ رَجْمًا كَانَ) الْحَدُّ (أَوْ جَلْدًا لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ (يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ) وَلَا يُؤَخَّرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَيُقَامُ) الْحَدُّ (فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ) وَلَوْ مُفْرِطَيْنِ كَالْمَرَضِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْدُودُ (مَرِيضًا أَوْ) كَانَ (نِضْوُ الْخِلْقَةِ أَوْ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَكَانَ الْحَدُّ جَلْدًا أُقِيمَ عَلَيْهِ) الْحَدُّ (بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ) لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَإِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ الضَّرْبَ وَخُشِيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ (مِنْ السَّوْط أُقِيمَ) عَلَيْهِ الْحَدُّ (بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَ) بِ (الْقَضِيبِ الصَّغِيرِ وَشِمْرَاخِ النَّخْلِ) لِئَلَّا يُفْضِي مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى إتْلَافِهِ (فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ) مِنْ الْقَضِيبِ وَنَحْوِهِ (ضُرِبَ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ مَجْمُوعَةً أَوْ عُثْكُولٍ ضَرْبَةً وَوَاحِدَةً أَوْ بِخَمْسِينَ شِمْرَاخًا ضَرْبَتَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَجُلًا اشْتَكَى حَتَّى ضَنِيَ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ بِهَا فَسُئِلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِر فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ الضِّغْث بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
(وَلَا يُقَامُ) الْحَدُّ (رَجْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى حُبْلَى وَلَوْ مِنْ زِنًا حَتَّى تَضَعَ) لِئَلَّا يَتَعَدَّى إلَى الْحَمْلِ (فَإِنْ كَانَ) الْحَدُّ (رَجْمًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَاصِ (ثُمَّ) إذَا سَقَتْ اللِّبَأَ (إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ تَكَفَّلَ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ رُجِمَتْ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهِ إذَنْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ وَلَمْ يَتَكَفَّلْ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ (تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) لِيَزُولَ عَنْهُ الضَّرَرُ (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا) أَيْ الزَّانِيَة (لَمْ يُؤَخَّرْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا) لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبَةٌ فَوْرًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَمْلِ (وَإِنْ ادَّعَتْ) الزَّانِيَةُ (الْحَمْلَ قُبِلَ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَدُّ (جَلْدًا إذَا وَضَعَتْهُ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةٌ يُؤْمَنُ تَلَفُهَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «إنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحْسَنْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد
(وَإِنْ كَانَتْ) الْمَحْدُودَةُ (فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا) الْحَدُّ (حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى) لِيُسْتَوْفَى الْحَدُّ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوَاتِهِ وَبِهِ فَارَقَتْ الْمَرِيضَ (وَهَذَا) هُوَ (الَّذِي تَقْضِيهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ) مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ الْمَرْأَةَ انْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا: انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنْ الدَّمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ فِي الْحَالِ بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْ السَّوْطِ أُقِيمَ) الْحَدُّ (بِالْعُثْكُولِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ) كَالْمَرِيضِ.
(وَتَقَدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَيُؤَخَّرُ) إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى (سَكْرَانٍ حَتَّى يَصْحُوَ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَةٍ الْحَدِّ وَهُوَ الزَّجْرُ (فَلَوْ خَالَفَ وَحَدَّهُ) أَيْ السَّكْرَانَ قَبْلَ صَحْوِهِ (سَقَطَ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ إنْ حَسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَزْجُرهُ (وَيُؤَخَّرْ قَطْعُ خَوْفِ تَلَفٍ) أَيْ مَوْتِ الْمَحْدُودِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ حَيْفٌ (وَإِنْ مَاتَ) الْمَحْدُودُ (فِي حَدٍّ أَوْ قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ تَأْدِيبٍ مُعْتَاد) مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ زَوْجٍ (وَتَقَدَّمَ فِي الدِّيَاتِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ اللَّه وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا كَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ (إنْ لَمْ يَلْزَمْ التَّأْخِيرُ فَإِنْ لَزِمَ) التَّأْخِيرُ بِأَنْ خِيفَ التَّلَفَ مِنْ الْقَطْعِ (وَلَمْ يُؤَخِّرْ) الْقَطْعَ (ضَمِنَ) الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَ إنْ سَرَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ إذَنْ.
(وَإِنْ زَادَ) الْجَلَّادُ (فِي الْحَدِّ سَوْطًا أَوْ أَكْثَر عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ) زَادَ (فِي السَّوْطِ) بِأَنْ ضَرَبَ بِأَكْبَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَضْرِبُ بِهِ (أَوْ اعْتَمَدَ) الْجَلَّادُ (فِي ضَرْبِهِ أَوْ) ضَرَبَ (بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ الْجَلْدِ (بِكُلِّ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَعُدْوَانِ الضَّارِب فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الضَّارِبِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطًا فَقَتَلَهُ (كَمَا إذَا أَلْقَى عَلَى سَفِينَةٍ مُوَقَّرَةٍ حَجَرًا فَغَرَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجَلَّادِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ) أَحَدٍ (فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) إنْ كَانَ خَطَأً كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَطَإِ.
(وَمَنْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَاهِلًا تَحْرِيمَهَا) أَيْ الزِّيَادَة فَتَلِفَ الْمَضْرُوبُ (ضَمِنَهُ الْآمِرُ) كَمَا لَوْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الضَّارِبُ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ ضَمِنَهُ (الضَّارِبُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَكَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ) أَيْ الزَّائِدُ (الْعَادَّةُ فَقَطْ) ضَمِنَهُ وَحْدَهُ دُونَ الضَّارِبِ وَغَيْرِهِ (أَوْ أَخْطَأَ) الْعَادَّةَ فِي الْعَدَدِ (وَادَّعَى الضَّارِبُ الْجَهْلَ ضَمِنَهُ الْعَادُّ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَالَهُ فِي
الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِهَا مَشْطُوبٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ (وَتَعَمَّدَ الْإِمَامُ الزِّيَادَةَ) فِي الضَّرْبِ (شِبْهَ عَمْدٍ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ نِهَايَةً فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ فِي حُكْمِهِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ يُحْفَرْ لَهُ) أَيْ الْمَرْجُومُ (رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِ مَاعِزٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ وَسَوَاءٌ (ثَبَتَ) الزِّنَا (بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَتُشَدُّ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَالدَّائِرَةِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْهَرَبِ وَ (لَا) يُسَنُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ (بِإِقْرَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ فَيُتْرَكُ) وَلَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
(وَيُسَنُّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا وَبُدَاءَتُهُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (بِالرَّجْمِ وَإِنْ كَانَ) الزِّنَا (ثَبَتَ بِإِقْرَارِ) الزَّانِي (بَدَأَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرْجُمُ النَّاسُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ: " الرَّجْمُ رَجَمَانِ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ " وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُمْ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ (وَيَجِب حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي كُلِّ حَدٍّ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (وَمَنْ أَذِنَ لَهُ) الْإِمَامُ (فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَهُوَ نَائِبُهُ) يَكْفِي حُضُورُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَامْضِ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ أَقَرَّتْ فَارْجُمْهَا» .
(وَيَجِبُ حُضُورُ طَائِفَةٍ فِي حَدِّ الزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2](وَلَوْ وَاحِدًا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ فِي الْمُبْدِع وَهُوَ مُنْقَطِعٌ (مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ) لِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ حَاضِرٌ ضَرُورَةً فَتَعَيَّنَ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ (وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِحَدِّ الزِّنَا أَوْ) حَدِّ (سَرِقَةٍ أَوْ) حَدِّ (شُرْبٍ قَبْلَ الْحَدِّ عَنْ إقْرَارِهِ بِأَنْ يَقُولَ كَذَبْتُ فِي إقْرَارِي أَوْ) يَقُولُ (لَمْ أَفْعَل مَا أَقْرَرْتُ بِهِ أَوْ) يَقُولُ (رَجَعْتُ عَنْ إقْرَارِي وَنَحْوَهُ) فَلَمْ يَصْدُرْ مِنِّي مَا أَقْرَرْتُ بِهِ (قُبِلَ مِنْهُ) رُجُوعُهُ (وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ) لِأَنَّ مَاعِزًا لَمَّا هَرَبَ وَقَالَ لَهُمْ رَدُّونِي إلَى النَّبِيِّ