الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَكَذَا يَسِيرُ تُرَابٍ وَطِينٍ) بِحَيْثُ لَا يَضُرَّ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ.
(وَيُكْرَهُ أَكْلُ غُدَّةٍ وَأُذُنُ قَلْبٍ) نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ» وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ «كَرِهَ النَّبِيُّ أَكْلَ الْعَذِرَةِ» .
(وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (بَصَلٍ وَثُومٍ وَنَحْوِهِمَا) كَالْكُرَّاثِ (مَا لَمْ يَنْضَجْ بِطَبْخٍ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ (و) يُكْرَهُ (أَكْلُ كُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ أَكَلَهُ) أَيْ الْبَصَلَ أَوْ الثُّومَ أَوْ نَحْوَهُ قَبْلَ إنْضَاجِهِ بِالطَّبْخِ (كُرِهَ دُخُولُهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ) لِحَدِيثِ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا حُضُورُ جَمَاعَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدِ وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (أَكْلُ حَبٍّ) مِنْ نَحْوِ بُرٍّ (دُبِّسَ بِحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ وَبِغَالٍ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَبِّسُوهُ بِهَا وَقَالَ حَرْبٌ أَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً (وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ) نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلَ.
(وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ قُلْتُ وَمُدَاوَمَةُ تَرْكِ أَكْلِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوَرِّثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ (وَ) يُكْرَهُ (أَكْلُ لَحْمٍ مُنْتِنٍ وَنَيْءٍ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَهَى بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: فَلَا يُكْرَهُ أَكْلُهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ نَيْءٍ نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَلَحْمُ مُنْتِنٌ نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا يُكْرَهُ وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا.
(وَيُكْرَهُ الْخُبْزُ الْكِبَارُ) قَالَ الْإِمَامُ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ (وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُهُ) أَيْ الْخُبْزِ (تَحْتَ الْقَصْعَةِ) لَا فَوْقهَا وَحَرَّمَهُ الْآمِدِيُّ.
[فَصْلُ اُضْطُرَّ إلَى محرم]
(فَصْل وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حَضَرًا أَوْ سَفَرًا سِوَى سُمٍّ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَضُرُّ وَاضْطِرَارُهُ (بِأَنْ يَخَافَ التَّلَفَ إمَّا مِنْ جُوعٍ أَوْ يَخَافَ إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ وَانْقَطَعَ عَنْ الرُّفْقَةِ فَيَهْلِكَ أَوْ يَعْجِزَ عَنْ الرُّكُوبِ فَيَهْلِكَ وَلَا يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ) لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي ذَلِكَ (وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ الْمُحَرَّمِ (مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقَافِ أَيْ بَقِيَّةَ رُوحِهِ (وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَقَوْلِهِ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (الشِّبَعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (كَمَا) يَحْرُمُ مَا (فَوْقَ الشِّبَعِ) إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ الْمُبْدِعِ (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ إنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً جَازَ الشِّبَعُ وَإِنْ كَانَتْ) الْحَاجَةُ (مَرْجُوَّةَ الزَّوَالِ فَلَا) يَشْبَعُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ) أَيْ الْمُحَرَّمِ (إنْ خَافَ الْحَاجَةَ) إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي اسْتِصْحَابِهَا وَلَا فِي إعْدَادِهَا لِدَفْعِ ضَرُورَتِهِ وَقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ ضَرُورَتِهِ (فَإِنْ تَزَوَّدَ فَلَقِيَهُ مُضْطَرٌّ آخَرُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ) مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ كَبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَيَلْزَمُهُ إعْطَاؤُهُ) مِنْهُ (بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ الْمُتَزَوِّدُ (مُضْطَرًّا فِي الْحَالِ إلَى مَا مَعَهُ) فَلَا يُعْطِي غَيْرَهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُضْطَرِّ (تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لِسَائِلٍ قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَهُ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي: أَثِمَ إذَا لَمْ يَسْأَلْ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ قِيلَ: فَإِنْ تَوَقَّفَ قَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ (وَقَالَ الشَّيْخُ: لَا يَجِبُ) تَقْدِيمُ السُّؤَالِ (وَلَا يَأْثَمُ) بِعَدَمِهِ (وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) لِظَاهِرِ نَقْلِ الْأَثْرَمِ (وَإِنْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ) لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى الْهَلَاكِ (وَ) لَا (الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهَا (إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّعَامِ (أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ مِمَّا يَضُرُّهُ وَيَخَافُ أَنْ يُهْلِكَهُ أَوْ يُمْرِضَهُ) فَيَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيَعْدِلَ إلَى الْمَيْتَةِ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهَا.
(وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ وَمَيْتَةً وَامْتَنَعَ) رَبُّ الطَّعَامِ (مِنْ بَذْلِهِ) لِلْمُضْطَرِّ (أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ وَوَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (ثَمَنَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ) أَيْ لِلْمُضْطَرِّ (مُكَابَرَتُهُ) أَيْ رَبِّ الطَّعَامِ (عَلَيْهِ وَأَخَذَهُ مِنْهُ) لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِالْمَيْتَةِ. (وَيَعْدِلُ) الْمُضْطَرُّ (إلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ) الْمُضْطَرُّ (ثَوْبًا يَخَافُ مِنْ مُكَابَرَتِهِ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ) التَّلَفَ. (وَإِنْ بَذَلَهُ) أَيْ الطَّعَامَ رَبُّهُ (لَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَقَدَرَ) الْمُضْطَرُّ (عَلَى الثَّمَنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِالْمُبَاحِ. (وَإِنْ بَذَلَهُ) أَيْ الطَّعَامَ رَبُّهُ (بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ أَيْ لَا تَكْثُرُ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ) كَالرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لِنَذْرِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ
مَاءِ الْوُضُوءِ. (وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ) لِمَا يَشْتَرِيهِ فَتَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ. (وَإِنْ امْتَنَعَ) رَبُّ الطَّعَامِ (مِنْ بَذْلِهِ) لِلْمُضْطَرِّ (إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فَاشْتَرَاهُ الْمُضْطَرُّ بِذَلِكَ) كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ أَوْ عَجَزَا عَنْ قِتَالِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ (أَكْثَرُ مِنْ مِثْلِهِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى رَبِّهِ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ رَدَّهُ وَإِلَّا سَقَطَ. (وَلَيْسَ لِلْمُضْطَرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَ) الْقِنِّ (الْآبِقِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173](إلَّا أَنْ يَتُوبَ) مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَيَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ، لِأَنَّهُ صَارَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ.
(وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا جَهِلَ مَالِكَهُ وَمَيْتَةً) أَكَلَ الْمَيْتَةَ إنْ أَمْكَنَ رَدُّ الطَّعَامِ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ وَحَقُّهُ يَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ.
وَفِي الْفُنُونِ قَالَ حَنْبَلٌ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا خِلَافَ هَذَا فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْإِنَاءَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهَا قَدَّمَ أَكْلَهَا عَلَى الْمَيْتَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
(أَوْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (صَيْدًا حَيًّا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَمَيْتَةً أَكَلَ مِنْ الْمَيْتَةِ) لِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ لَا تَجُوزُ لَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ (وَإِنْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (صَيْدًا وَطَعَامًا جَهِلَ مَالِكَهُ بِلَا مَيْتَةٍ وَهُوَ) أَيْ الْمُضْطَرُّ (مُحْرِمٌ أَكْلَ الطَّعَامَ) لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَفِيهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ (وَإِنْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (لَحْمَ صَيْدِ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ وَمَيْتَةً أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ قَالَهُ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيْتَةِ انْتَهَى.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ تَمْيِيزُ الصَّيْدِ الَّذِي ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ بِالِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ مُذَكًّى مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَوْ وُجِدَ بَيْضَ صَيْدٍ) سَلِيمًا (وَمَيْتَةً فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَكْسِرُهُ) لِأَنَّ كَسْرَهُ جِنَايَةٌ لَا تَجُوزُ لَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ (إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ وَكَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا وَلَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مَيْتَةٍ فِي حَقِّهِ) لِإِبَاحَتِهِ لَهُ إذَنْ (وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ) وَهُوَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ (وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ) كَسَائِرِ مَا يُذَكَّى (وَلَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ لَا مَيْتَةَ (وَلَا يَجُوزُ) لَهُ (قَتْلُهُ) إذَنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَكَاتِهِ كَالْأَهْلِيِّ الْمَأْكُولِ، وَهُوَ مَيْتَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ وَتَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَكَذَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى صَيْدٍ بِالْحَرَمِ.
(وَلَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَلَمْ
يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَحَرَّى الْمُضْطَرُّ فِيهِمَا) أَيْ اجْتَهَدَ وَأَكَلَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْمُذَكَّاةُ لِلْحَاجَةِ (وَحَرُمَتَا عَلَى غَيْرِهِ) مِمَّنْ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ.
(وَلَوْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (مَيْتَتَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي أَحَدِهِمَا) فَقَطْ (أَكَلَهَا دُونَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَجَدَهَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ، الْقَوْلِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُضْطَرُّ (شَيْئًا) مُبَاحًا وَلَا مُحَرَّمًا (لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضَ أَعْضَائِهِ) لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامًا) لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا (مَا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) بِأَنْ كَانَ خَائِفًا أَنْ يُضْطَرَّ (فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُهُ (أَحَقُّ بِهِ) لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ (إلَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَيَلْزَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ) صلى الله عليه وسلم (بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَهُ) صلى الله عليه وسلم (طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .
(وَلَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ الَّذِي مَعَهُ فِي حَالَ اضْطِرَارِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُضْطَرِّ طَعَامَهُ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَهُ فَمَاتَ) صَاحِبُهُ جُوعًا (لَزِمَهُ) أَيْ الْآخِذَ (ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ) لِلْمُضْطَرِّ (بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْيَاءُ نَفْسٍ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي تَخْلِيصِهِ مِنْ الْغَرَقِ.
(فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَهُ (أَخَذَهُ) الْمُضْطَرُّ (بِالْأَسْهَلِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ اسْتِرْضَاءٍ وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُ) حَيْثُ أَمْكَنَ أَخَذَهُ بِدُونِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَهُ بِالْأَسْهَلِ (أَخَذَهُ) الْمُضْطَرُّ (قَهْرًا) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ مَالِكِهِ (وَيُعْطِيهِ) الْمُضْطَرُّ (عِوَضَهُ) أَيْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى مَالِكِهِ فَوَاتُ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ (فَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ رَبُّ الطَّعَامِ الْمُضْطَرَّ مِنْ أَخْذِهِ (فَلَهُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَانِعِي الزَّكَاةِ.
(فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ أَشْبَهَ الصَّائِلَ (وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَعَلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِ الطَّعَامِ (ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ (عِوَضُهُ) أَيْ الطَّعَامِ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخَذَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْعِوَضُ (مَعَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (فِي الْحَالِ) بِأَنْ كَانَ مُعْسَرًا (لَزِمَهُ) الْعِوَضُ (فِي ذِمَّتِهِ) إذَا أَيْسَرَ
لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ بَادَرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ فَبَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ) وَنَحْوَهُ (قَبْلَ الطَّلَبِ صَحَّ) تَصَرُّفُهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ كَالشَّفِيعِ قَبْلَ الطَّلَبِ (وَيَسْتَحِقُّ) الْمُضْطَرُّ (أَخْذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُشْتَرِي) كَالْمَالِكِ الْأَوَّلِ.
(وَ) إنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ (بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ) قَالَ: كَمَا لَوْ طَالَبَ الشَّفِيعُ قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّفِيعَ حَقُّهُ مُنْحَصِرٌ فِي عَيْنِ الشِّقْصِ وَهَذَا حَقُّهُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَلِهَذَا كَانَ إطْعَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَوَجَبَ الْبَذْلُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَلِهَذَا أَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ يَصِحُّ.
(وَلَوْ بَذَلَهُ) أَيْ الطَّعَامَ رَبُّهُ لِلْمُضْطَرِّ (بِثَمَنٍ مِثْلِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَلَوْ كَانَ مُعْسَرًا) وَيُعْطِيهِ ثَمَنَهُ إذَا أَيْسَرَ.
(وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ) لِطَعَامٍ (مِنْ الْبَيْعِ) لِلْمُضْطَرِّ (إلَّا بِعَقْدِ رِبَا جَازَ) لِلْمُضْطَرِّ (أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ) لِإِطْلَاقِهِمْ تَحْرِيمُ الرِّبَا (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُضْطَرُّ (عَلَى قَهْرِهِ دَخَلَ) مَعَهُ (فِي الْعَقْدِ) صُورَةً كَرَاهِيَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنهمَا دَمٌ (وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يُتِمَّ عَقْدُ الرِّبَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275](فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ) الَّذِي فِيهِ الرِّبَا (نَسَاءً عَزَمَ) الْمُضْطَرُّ (عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضٌ) تَخَلُّصًا مِنْ إتْمَامِ الرِّبَا.
(وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقِيلَ إنَّ لَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (أَنْ يُظْهِرَ صُورَةَ الرِّبَا وَلَا يُقَاتِلُهُ) لِئَلَّا يَجْرِيَ بَيْنهمَا دَمٌ (وَيَكُونَ) الْمُضْطَرُّ (كَالْمُكْرَهِ) عَلَى مُحَرَّمٍ لِدُعَاءِ ضَرُورَتِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَأْثَمُ (فَيُعْطِيهِ مِنْ عَقْدِ الرِّبَا صُورَتَهُ لَا حَقِيقَتَهُ لَكَانَ أَقْوَى) تَخَلُّصًا مِنْ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى قَتْلِ أَحَدِهِمَا.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُضْطَرُّ (إلَّا آدَمِيًّا مَحْقُونَ الدَّمِ لَمْ يُبَحْ قَتْلُهُ وَلَا إتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ مُسْلِمًا كَانَ) الْمَحْقُونُ (أَوْ كَافِرًا) ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا لِأَنَّ الْمَعْصُومُ الْحَيَّ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ مِثْلِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْآدَمِيُّ (مُبَاحَ الدَّمِ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ) وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ (حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ (وَكَذَا) لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُهُ (بَعْد مَوْتِهِ) لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا (مَعْصُومًا مَيِّتًا لَمْ يُبَحْ أَكْلُهُ) لِأَنَّهُ كَالْحَيِّ فِي الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» .
(وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) أَيْ الْمَالِ (لِدَفْعِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ) ل (اسْتِقَاءِ مَاءٍ وَنَحْوِهِ) كَالْمِقْدَحَةِ (وَجَبَ) عَلَى رَبِّهِ (بَذْلُهُ) لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهِ (مَجَّانًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ