الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَكَلَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَدَاءٍ بَلْ عَشَاءٌ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ سُحُورٌ لَا عَشَاءٌ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ عَشَاءٌ لَا سُحُورٌ (وَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءِ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شِبَعِهِ) فَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى أَوْ يَتَعَشَّى بِالنِّصْفِ فَأَقَلَّ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَنَامُ حَنِثَ بِأَدْنَى نَوْمٍ) وَكَذَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ بِالسَّفَرِ الْقَصِيرِ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ أُدْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ مِنْ مُصْطَبَغٍ بِهِ) أَيْ مَا يُغْمَسُ فِيهِ الْخُبْزُ (كَالطَّبِيخِ وَالْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَاللَّبَنِ وَالدِّبْسِ وَالْعَسَلِ أَوْ جَامِدٍ كَالشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَالزَّيْتُونِ وَالْبَيْضِ وَالْمِلْحِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ التَّأَدُّمُ قَالَ تَعَالَى {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «سَيِّدُ أُدْمِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
«وَمَضَغَ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ: هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ (وَالْقُوتُ الْخُبْزُ وَحَبَّةٌ) مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذَرَّةٍ وَدَخَنٍ وَنَحْوه (وَدَقِيقُهُ وَسَوِيقُهُ وَالْفَاكِهَةُ الْيَابِسَةُ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَمِشْمِشٍ وَتِينٍ وَتُوتٍ (وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ لَا عِنَبَ وَحِصْرِمَ وَخَلَّ وَنَحْوَهُ) كَمِلْحٍ وَرُطَبٍ (وَالطَّعَامُ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ مِنْ قُوتٍ وَأُدْمٍ وَحُلْوٍ وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ لَا مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَنُشَارَةِ خَشَبٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهَا) كَفَحْمٍ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ وَ (الْعَيْشُ فِي الْعُرْفِ الْخُبْزُ مِنْ حِنْطَةٍ) وَفِي الْفِقْهِ مِنْ الْعَيْشِ الْحَيَاة.
[فَصْل وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا]
فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا أَوْ جَوْشَنًا أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ قَلَنْسُوَةً) بِفَتْحِ الْقَافِ
وَضَمِّ السِّينِ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا فَحَنِثَ بِهِ كَالثِّيَابِ (فَإِنْ تَرَكَ الْقَلَنْسُوَةَ فِي رَحْلِهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ) أَوْ الْقَلَنْسُوَةِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسًا لِذَلِكَ عَادَةً.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ) لَبِسَ (خَاتَمًا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ) لَبِسَ (لُؤْلُؤًا وَجَوَاهِرَ فِي مِخْنَقَةٍ أَوْ) لَبِسَ ذَلِكَ (مُنْفَرِدًا أَوْ) لَبِسَ (مِنْطَقَةً) وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّة حِيَاصَةً (مُحَلَّاةً حَنِثَ) قَالَ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] .
وَقَالَ {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ إنِّي جَاعِلٌ فِيكَ الْحِلْيَةَ وَالصَّيْدَ وَالطَّيِّبَ " وَ (لَا) يَحْنَثُ إنْ لَبِسَ (سَبْحًا وَعَقِيقًا وَحَرِيرًا وَلَوْ لِامْرَأَةٍ وَلَا وَدَعًا أَوْ خَرَزَ زُجَاجٍ وَنَحْوَهُ وَلَا سَيْفًا مُحَلَّى دُونَ مِنْطَقَتِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحِلْيَةٍ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ فَدَخَلَ أَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ) مَا هُوَ مُؤَجَّرُهُ أَوْ مُسْتَأْجِرُهُ أَوْ جَعَلَهُ لِعَبْدِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَسَاكِنُ الدَّارِ مُخْتَصٌّ بِهَا فَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُرْفِ وَقَالَ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] .
وَقَالَ تَعَالَى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وَمَا جَعَلَهُ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ وَ (لَا) يَحْنَثْ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ (فَاسْتَعَارَهُ فُلَانٌ أَوْ) اسْتَعَارَهُ (عَبْدُهُ) أَوْ غَصَبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ حَنِثَ) الْحَالِفُ (بِ) دُخُولِهِ (مُسْتَأْجَرٍ) يَسْكُنهُ.
(وَ) دُخُول (مُسْتَعَار) يَسْكُنهُ (وَ) دُخُولِ (مَغْصُوبٍ يَسْكُنهُ) لِأَنَّهُ يَسْكُنهُ وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِ) دُخُولِ (مِلْكِهِ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا لِعَيْنِهِ أَوْ مَنَافِعِهِ وَلَمْ يَسْكُنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْكَنَهُ (وَإِنْ قَالَ فِي) حَلِفٍ لَا يَدْخُلُ (مِلْكَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُسْتَأْجَرٍ) لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ أَشْبَهَ الْمُسْتَعَارَ لَهُ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا حِينَئِذٍ (كَحَلِفِهِ
لَا يَرْكَبُ رَحْلِ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا يَبِيعهُ) أَوْ لَا يَهَبَهُ وَنَحْوَهُ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَمَنْعِ الْحِنْثِ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ الدَّارَ نَفْسَهَا وَ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا (إنْ وَقَفَ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ فِي طَاقِ الْبَابِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا الدَّارَ نَفْسَهَا وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (أَوْ كَانَ فِي الْيَمِينِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْإِرَادَةِ بِدَاخِلِهَا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ سَطْحُ الدَّارِ طَرِيقًا وَسَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي تَرْكَ وَصْلَةِ أَهْلِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمُرُورِ عَلَى سَطْحِهَا) لِأَنَّ سَبَبَ الْيَمِينِ مُقَدَّمٌ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ نَوَى بَاطِنَ الدَّارِ تَقَيَّدَتْ بِهِ يَمِينُهُ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تُخَصِّصُ اللَّفْظَ الْعَامَّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ فِي الدَّارِ مِنْ خَارِجهَا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا (فَإِنْ صَعِدَ) عَلَى الشَّجَرَةِ (حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا) حَنِثَ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ كَمَا لَوْ أَقَامَ عَلَى سَطْحِهَا (أَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا حَنِثَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْهَا فَصَعَدَ سَطْحَهَا لَمْ يَبَرَّ) لِأَنَّ سَطْحَهَا مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعَدَهُ) أَيْ السَّطْحَ (لَمْ يَحْنَثْ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ عَمِلَ بِهَا.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ أَوْ لَا يَطَؤُهَا أَوْ لَا يَدْخُلُهَا فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا حَنِثَ) وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ) أَيْ لِأَنَّ دُخُولَ الدَّارِ وَوَضْعَ قَدَمِهِ فِيهَا هُوَ دُخُولُهَا كَيْفَ كَانَ عُرْفًا وَالْمَقْبَرَةُ لَا تُسَمَّى دَارًا عُرْفًا وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الدَّارُ فِي اللُّغَةِ تَقَعُ عَلَى الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ وَعَلَى الْخَرَابِ غَيْرِ الْمَأْهُولِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْي فَتَعُمُّ فَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (وَلَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَإِنْ زَجَرَهُ فَقَالَ) لَهُ (تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ فَيَدْخُلُ فِيمَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْحَالِفُ (نَوَى كَلَامًا غَيْرَ هَذَا) فَلَا يَحْنَثُ بِهِ (وَإِنْ صَلَّى) الْحَالِفُ (بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إمَامًا ثُمَّ سَلَّمَ) الْحَالِفُ (مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ السَّلَامَ وَكُلَّ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ بِهِ كَالتَّكْبِيرَاتِ (وَإِنْ اُرْتُجَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فِي الصَّلَاةِ
فَفَتْحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ (وَلَوْ كَاتَبَهُ) الْحَالِفُ (أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] وَقَوْلُ عَائِشَةَ «مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ أَشْبَهَ الْخِطَابَ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ لَكِنْ إنْ نَوَى تَرْكَ مُرَاسَلَتِهِ أَوْ سَبَب يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْحَالِفُ (أَرَادَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا بِالْمُرَاسَلَةِ وَإِنْ أَرْسَلَ مَنْ يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِسُؤَالِ الرَّسُولِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاسِلْهُ (وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ حَنِثَ قَالَهُ الْقَاضِي) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فِي الْإِفْهَامِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِمَرْيَمَ عليها السلام {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]- إلَى قَوْلِهِ - {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا (وَإِنْ نَادَاهُ) الْحَالِفُ (بِحَيْثُ) إنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَةٍ) حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ (أَوْ سَلَّمَ) الْحَالِفُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمهُ (حَنِثَ) لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ فَحَنِثَ بِهِ كَغَيْرِهِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ (فَكَنَاسٍ) فَيَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ) الْحَالِفُ بِالسَّلَامِ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ) الْحَالِفُ (بِقَلْبِهِ وَلَا بِلِسَانٍ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا فُلَانًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ لِدُخُولِهِ فِي التَّسْلِيمِ عَلَيْهِمْ وَالسَّلَامُ كَلَامٌ لِمَا سَبَقَ وَفُلَانٌ مَرْسُومٌ فِي النُّسَخِ بِلَا أَلِفٍ فَيَخْرُجُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ صَوَابٌ لَا غَيْر.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهُ (بِخِلَافِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ يَبْدَأنِي بِكَلَامٍ فَيَحْنَثُ بِكَلَامِهِمَا مَعًا) لِأَنَّ يَمِينَهُ هَذِهِ تَقْتَضِي تَرْتِيبَ كَلَامِهِ بِكَلَامِ فُلَانٍ فَإِذَا تَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يُوجَدْ التَّرْتِيبُ فَيَحْنَثُ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا فَالْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ (شَيْئًا) لِأَنَّ الْحِينَ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]- الْآيَة وَقَوْلُهُ {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] فَصَرَفَهُ عَنْ ذَلِكَ صَارِفٌ (وَكَذَا الزَّمَانُ مُعَرَّفًا) أَيْ فَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ.
(وَإِنْ قَالَ زَمَنًا أَوْ دَهْرًا وَبَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا أَوْ طَوِيلًا أَوْ وَقْتًا أَوْ عُمْرًا أَوْ حِقَبًا فَأَقَلُّ زَمَانٍ) لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِي إرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (وَإِنْ قَالَ الْأَبَدَ وَالدَّهْرَ وَالْعُمْرَ مُعَرِّفًا فَذَلِكَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ) لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ (وَالْحِقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ وَقَالَهُ فِي الصِّحَاحِ (وَالشُّهُورُ ثَلَاثَةٌ كَالْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ) لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ.
(وَإِنْ قَالَ) لَا أُكَلِّمهُ وَنَحْوَهُ (إلَى الْحَوْلِ) فَحَوْلٌ كَامِل) مِنْ حِينِ الْيَمِينِ (لَا تَتِمَّتُهُ) إنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ أَوَمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَ لَيَالٍ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَيَّامُ الَّتِي بَيْنَ اللَّيَالِي وَاللَّيَالِي الَّتِي بَيْنَ الْأَيَّامِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَإِنْ عَيَّنَ أَيَّامًا تَبِعَتْهَا اللَّيَالِي.
(وَ) مَنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ قَالَ لَا دَخَلْتُ مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ) الْبَابَ (وَدَخَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ.
(وَ) كَذَا (لَوْ) جُعِلَ لَهَا بَابٌ آخَرُ (مَعَ بَقَاءِ) الْبَابِ (الْأَوَّلِ) وَدَخَلَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ بَابُهَا (وَإِنْ قُلِعَ الْبَابُ وَنُصِبَ فِي دَارٍ أُخْرَى وَبَقِيَ الْمَمَرُّ حَنِثَ بِدُخُولِهِ الْمَمَرَّ فَقَطْ) أَيْ لَا إنْ دَخَلَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي نُصِبَ فِيهِ الْبَابُ لِلدَّارِ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَابِ مَوْضِعُهُ لِأَنَّهُ مَكَانُ الدُّخُولِ لَا ذَاتُ الْخَشَبِ (وَلَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَنِثَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَاب الدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَابِ سَبَبٌ هَيَّجَ الْيَمِينَ (وَلَا يُكَلِّمهُ إلَى حِينِ الْحَصَادِ أَوْ الْجَذَاذِ انْتَهَى يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ)