الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالطَّرِيقُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بِتَعْزِيرِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحًا فَاسِدًا، كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَفِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ) .
(وَلَا يَجُوز وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ) الْقَاضِي (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا، وَيَتَحَاكَمَ هُوَ وَخَصْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ بَعْضِ خُلَفَائِهِ، لِأَنَّ عُمَرَ حَاكَمَ أُبَيًّا إلَى زَيْدٍ وَحَاكَمَ عُثْمَانُ طَلْحَةَ إلَى جُبَيْرٍ.
(وَ) لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ (لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا، كَشَهَادَتِهِ لَهُ (وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، (وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ) لِزَوَالِ التُّهْمَةِ.
(وَيَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَسْتَحْلِفَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا) قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ تُهْمَةٌ وَلَمْ يُوجِبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةً وَلَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى عَدُوِّهِ) كَشَهَادَتِهِ عَلَيْهِ (وَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدُوِّهِ وَتَقَدَّمَ.
[فَصْلٌ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَحْبُوسِينَ]
فَصْلٌ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَقَاءَ فِيهِ فَاسْتُحِبَّتْ الْبَدَاءَةُ فِيهِمْ (فَيُنْفِذُ) أَيْ يَبْعَثُ (ثِقَةً يَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوسٍ وَمَنْ حَبَسَهُ وَفِيمَ حُبِسَ فِي) رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ (لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِكِتَابَتِهِ فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ النَّظَرُ فِي حَالِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فَالْأَوَّلُ بَلْ يُخْرِجُ وَاحِدًا مِنْهَا بِحَسَبِ الِاتِّفَاق) كَالْقُرْعَةِ (وَيَأْمُر مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ لَهُ خَصْمٌ مِنْهُمْ فَلْيَحْضُرْ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِعْلَامِ بِيَوْمِ جُلُوسِ الْقَاضِي لَهُمْ.
وَفِي الشَّرْحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَد بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (فَإِذَا حَضَرُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَنَاوَلَ) الْقَاضِي (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الرِّقَاعِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا أَسْمَاءَهُمْ (رُقْعَةً) بِحَسَبِ الِاتِّفَاق كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَالَ مَنْ خَصْمُ فُلَانٍ الْمَحْبُوسِ؟) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ إلَّا بِذَلِكَ (فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ بَعَثَ ثِقَةً الْحَبْسَ فَأَخْرَجَ خَصْمَهُ وَحَضَرَ مَعَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ) فَيَنْظُرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَلِيَ (وَيَفْعَلُ) الْقَاضِي (ذَلِكَ فِي قَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّسِعُ زَمَانُهُ لِلنَّظَرِ فِيهِ) مِنْ الْمَحْبُوسِينَ (فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا يُخْرِجُ غَيْرُهُمْ) فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (فَإِذَا حَضَرَ الْمَحْبُوسُ وَخَصْمُهُ لَمْ يَسْأَلْ خَصْمَهُ فِيمَ
حَبَسَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا حَبَسَهُ لِحَقٍّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (بَلْ يَسْأَلُ الْمَحْبُوسَ بِمَ حُبِسْتَ؟) .
فَإِنْ قَالَ حُبِسْتُ بِحَقٍّ أَمَرَهُ بِقَضَائِهِ إنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ فَإِنْ أَبَى وَلَهُ مَوْجُودٌ قَضَاهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ.
وَفِي الشَّرْحِ قَالَ لَهُ الْقَاضِي اقْضِهِ وَإِلَّا رَدَدْتُكَ إلَى الْحَبْسِ فَإِنْ ادَّعَى عَجْزًا فَقَدْ قُدِّمَ فِي أَوَّلِ الْحَجْرِ مُفَصَّلًا.
وَإِنْ أَقَامَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً بِأَنَّ لَهُ مِلْكًا مُعَيَّنًا فَقَالَ هُوَ لِزَيْدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ (ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ حُبِسَ لِتَعَدُّلِ الْبَيِّنَةِ فَإِعَادَتْهُ) إلَى الْحَبْسِ (مَبْنِيَّةً عَلَى حَبْسِهِ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ) تَفْصِيلُ ذَلِكَ (وَيَقْبَلُ قَوْلَ خَصْمِهِ فِي أَنَّهُ حَبَسَهُ بَعْدَ تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَتَعْدِيلِهَا) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
(وَإِنْ) كَانَ (حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ) وَلَوْ مُعَلَّمًا لِصَيْدٍ (أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ) عَلَى ذَلِكَ (خَلَّى) سَبِيلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فَلَا غُرْمَ فِيهِ (وَإِنْ أَكْذَبَهُ) خَصْمُهُ (وَقَالَ بَلْ حُبِسْتَ بِحَقٍّ وَاجِبٍ غَيْرِ هَذَا فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ خَصْمِ الْمَحْبُوسِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ) وَاجِبٍ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ) كَانَ (حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ أَوْ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبِلَهُ أَوْ) فِي (تَعْزِيرٍ خَلَّى) الْقَاضِي (سَبِيلَهُ) إنْ رَآهُ (أَوْ أَبْقَاهُ) فِي الْحَبْسِ (بِقَدْرِ مَا يَرَى) إبْقَاءَهُ فِيهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ فَقَالَ حُبِسْتُ ظُلْمًا وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لِي نَادَى) أَيْ أَمَرَ مَنْ يُنَادِي بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ وَيُكْرَهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا غَرِيمَ لَهُ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ عُرْفًا.
وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَمَنْ تَبِعَهُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَوْ كَانَ غَرِيمٌ لَظَهَرَ فِي الثَّلَاثَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ (فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ) نَظَرَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ (أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَظَهَرَ (وَمَعَ غَيْبَةِ خَصْمِهِ يَبْعَثُ إلَيْهِ) لِيَحْضُرَ فَيَنْظُرَ بَيْنَهُمَا (وَمَعَ جَهْلِهِ) أَيْ الْخَصْمِ (أَوْ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ يُخَلِّي) سَبِيلَهُ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِكَفِيلٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَبْسُهُ بِحَقٍّ.
(وَيَنْظُرُ) الْقَاضِي (فِي مَالِ الْغَائِبِ) وَتَقَدَّمَ فِيمَا تُفِيدُهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ (وَإِطْلَاقُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمَحْبُوسَ مِنْ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ) بِأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَبْسِ حُكْمُهُ (وَإِذْنُهُ) فِي شَيْءٍ.
(وَلَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ فَيَرْجِعُ) الْقَاضِي لِلْمَدِينِ أَوْ الْمُنْفِقِ حُكْمُهُ (وَ) إذْنُهُ فِي (وَضْعِ مِيزَابٍ وَ) فِي (بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ) كَإِخْرَاجِ جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ فِي دَرْبٍ نَافِذٍ حُكْمُ (الضَّمَانِ) لِمَا يَتْلَفُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَأَمْرُهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ) حُكْمٌ (وَقُرْعَتُهُ) فِي أَيْ مَوْضِعٍ شُرِعَتْ فِيهِ (حُكِمَ بِرَفْعِ الْخِلَافِ إنْ كَانَ) فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لِصُدُورِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ لِتَعَذُّرِ
النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا: الْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ وَإِنَّمَا يَأْذَنُ أَوْ يَحْكُمُ بِهِ فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ لَمْ يَحْتَجْ بَعْد ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ فِعْلُهُ وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ.
(وَفُتْيَاهُ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ (نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَلَا هِيَ) أَيْ فُتْيَا الْقَاضِي (كَالْحُكْمِ) إذْ لَا إلْزَامَ فِي الْفُتْيَا (وَلِهَذَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يُفْتِيَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ) بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ.
(وَ) لِكَوْنِ فُتْيَاهُ لَيْسَتْ حُكْمًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ (مَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ) حُكْمُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَزَوْجَتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِقْرَارُهُ) أَيْ الْقَاضِي غَيْرُهُ (عَلَى فِعْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَتَزْوِيجٍ بِلَا وَلِيٍّ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَلَغَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِهِ (وَفِعْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَيَسْتَفِيدُهُ بِطَرِيقِ وِلَايَةِ الْحُكْمِ (حُكْمٌ كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ) بِلَا وَلِيٍّ لَهَا بِإِذْنِهَا إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (وَشِرَاءُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ) بِالصِّفَةِ لِيَفِيَ بِهَا دَيْنَ مُفْلِسٍ وَنَحْوِهِ (وَعَقْدُ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا صَحَّ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَفِيهِ أَيْضًا إنْ تَرَكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقَفَ لَهَا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ انْتَهَى بِخِلَافِ فِعْلٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ بِوِلَايَةِ حُكْمٍ كَبَيْعِ عَقَارِ نَفْسِهِ لِغَائِبٍ أَوْ لِيَتِيمٍ هُوَ وَصِيُّهُ أَوْ وَكَالَةٍ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ عَنْ ابْنِ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ (وَتَقَدَّمَ آخِرُ الصَّدَاقِ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَتَقْرِيرِ أُجْرَةِ مِثْلٍ وَ) تَقْرِيرِ (نَفَقَةٍ وَنَحْوِهِ) كَتَقْرِيرِ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمَسْكَنِ مِثْلٍ وَكِسْوَةِ مِثْلٍ (حُكْمٌ) فَلَا يُغَيِّرُهُ حَاكِمٌ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ.
(وَتَأْتِي تَتِمَّتُهُ قَرِيبًا) وَهِيَ قَوْلُهُ فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجَرْحٍ إلَخْ (قَالَ الشَّيْخُ الْقَضَاءُ نَوْعَانِ إخْبَارٌ وَهُوَ إظْهَارٌ وَ) الثَّانِي (إبْدَاءٌ وَأَمْرٌ وَهُوَ إنْشَاءٌ فَالْخَبَرُ يَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُهُ عَنْ حُكْمِهِ وَعَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَالْآخَرُ) الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاءُ (هُوَ حَقِيقَةُ الْحُكْمِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ وَيَحْصُلُ) الْحُكْمُ (بِقَوْلِهِ أَعْطِهِ وَلَا تُكَلِّمْهُ وَالْزَمْهُ وَ) يَحْصُلُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ حَكَمْتُ وَأَلْزَمْتُ) قُلْتُ وَكُلُّ مَا أَدَّى هَذَا الْمَعْنَى.
(وَحُكْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِشَيْءٍ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ) فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ كَانَ حُكْمًا بِإِبْطَالِ الْعِتْقِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بُطْلَانُ الْعِتْقِ
(ذَكَره الْأَصْحَابُ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِ) .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى وَالْمُخَالَفَةُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ.
(وَثُبُوتُ شَيْءٍ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (لَيْسَ حُكْمًا بِهِ) سِوَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ كَتَقْرِيرِ أُجْرَةِ مِثْلٍ.
(وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ.
وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِ الْمُحَرَّرِ وَالشَّارِحُ الْكَبِيرُ (وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِجَازَةٌ لَهُ وَإِمْضَاءٌ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْمَحْكُومِ بِهِ إذْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ انْتَهَى وَمَعْنَى التَّنْفِيذِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْخَصْمِ مُنَازَعَةٌ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَيَرْفَعُ إلَيْهِ حُكْمَ الْأَوَّل فَيُمْضِيهِ وَيُنَفِّذُهُ وَلَزِمَهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، وَأَمَّا التَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ الْمُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فَمَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرَضٍ عِنْدَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا، وَيَجُوزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ الْحَنَفِيِّ.
(وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ قَطْعًا) لِأَنَّ الصِّحَّةَ فَرْعُ ذَلِكَ.
(وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (حُكْمٌ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) أَيْ بِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ بِذَلِكَ لِأَنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ أَثَرُهُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ (فَالدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ) لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ إذْنٌ (وَ) الدَّعْوَى (غَيْرُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ (الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَيْسَ حُكْمًا بِهَا) أَيْ بِالصِّحَّةِ.
(قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ) قَالَ الْغَزِّيِّ فِي شَرْحِ نَظْمِهِ الْعُمْدَةِ: الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ إذَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى وَأَعَمَّ لِوُجُودِ الْإِلْزَامِيَّةِ فِيهِ وَتَضَمُّنُهُ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا إذَا شَهِدَ عِنْدَ الشُّهُودِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ وَذَكَرُوا الْمَصْرِفَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ عِنْدَهُ فَحُكِمَ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ قَالَ السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (وَقَالَ السُّبْكِيّ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَتَبِعَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (ابْنُ قُنْدُسٍ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَوْنَ تَصَرُّفِهِ فِي مَحِلِّهِ.
وَقَالَ السُّبْكِيّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ الْأَثَرُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّفْظُ وَ) الْحُكْمُ (بِالصِّحَّةِ كَوْنُ اللَّفْظِ
بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِهِ.
(وَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ) كَالنُّكُولِ (فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُوجَبُهُ.
(وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَشْمَلُ الْفَسَادَ انْتَهَى) وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَيْضًا قَوْلَ مَنْ قَالَ مُوجَبُهُ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ الصَّحِيحَ يُوجِبُ حُكْمًا، وَاللَّفْظَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ بَعْدَ مَا سَبَقَ (وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ.
(الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ) فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مُوجَبٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُوجَبَ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ يَقْتَضِي عَقْدَهُ لَا حُكْمَ بِالْعَقْدِ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَذَكَرَ الْغَزِّيِّ فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْهَا مَا سَبَقَ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي مُوجَبِهِ.
فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الَّذِي حَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَلَوْ حَكَمَ الْأَوَّلُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ عَلَى الثَّانِي مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي مَنْعِهِ الْبَيْعَ خِلَافٌ فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهِ لِمَنْ يَرَاهُ وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ لَا يَرَى بَيْعَهُ مَنَعَ الْبَيْعَ وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْإِلْزَامِ هُوَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَلَا يَكُونُ بِالصِّحَّةِ لَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إقْرَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَمِنْهَا بِالْحُكْمِ عَلَى الزَّانِي وَالسَّارِقِ بِمُوجَبِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ لَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إثْبَاتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا فَسْخُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ وَالْإِلْزَامُ بِمُقْتَضَاهُ امْتَنَعَ التَّمْكِينُ مِنْ الْفَسْخِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ الشَّافِعِيُّ وُرَيْقَاتٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَأَوْرَدَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْفَتُوحِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُنْتَهَى وَهِيَ نَافِعَةٌ جَيِّدَةٌ مُوضِحَةٌ لِمَا سَبَقَ.