الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابٌ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى]
أَيْ ذِكْرُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ وَبَيَانُ لَفْظِهَا وَصِفَتِهَا (الْيَمِينُ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ) فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَوْ رَجَعَ الْحَالِفُ إلَى الْحَقِّ وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ قُبِلَ مِنْهُ وَحَلَّ لِرَبِّهِ أَخْذه.
(وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدٍّ وَعِبَادَةٍ وَصَدَقَةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ) لِأَنَّ الْحُدُودَ الْمَطْلُوبَ فِيهَا السَّتْرُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُقِرِّ لِيَرْجِعَ فَلِأَنَّ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا أَوْلَى وَمَا عَدَا الْحُدُودَ مِمَّا ذُكِرَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ الْحَدَّ.
(فَإِنْ تَضَمَّنَتْ دَعْوَاهُ) أَيْ الْحَدُّ (حَقًّا لَهُ) أَيْ الْآدَمِيِّ (مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ سَرِقَةَ مَالِهِ لِيَضْمَنَ السَّارِقَ أَوْ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَا سَرَقَهُ أَوْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الزِّنَا بِجَارِيَتِهِ لِيَأْخُذَ مَهْرَهَا مِنْهُ سَمِعْت دَعْوَاهُ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا.
(وَيُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَغَيْرِ نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَ) غَيْرِ أَصْلِ رِقٍّ لِدَعْوَى رِقِّ لَقِيطٍ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ إذَا أَنْكَرَ (وَ) غَيْرِ (وَلَاءٍ وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الْمُدَّعِيَةُ (وَ) غَيْرِ نَسَبٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ فِي غَيْرِ قَسَامَةٍ فَلَا يَمِينَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَأَشْبَهَ الْحُدُودَ (وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ) عَلَى صَدَقَةٍ (وَ) لَا (حَاكِمٌ وَ) لَا (وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ عَلَى نَفْيِ لُزُومِهِ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى الْمُدَّعَى (وَلَا) يَحْلِفُ (مُنْكِرُ وَكَالَةِ وَكِيلٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ.
وَتَحْلِفُ الْمَرْأَةُ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ رَجْعَةِ زَوْجِهَا وَيَحْلِفُ الْمَوْلَى إذَا أَنْكَرَ مُضِيَّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعِهِ.
(وَمَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ هُوَ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ) مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَمَنْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولٍ) إذَا نَكَلَ (خَلَّى سَبِيلَهُ) وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ.
(وَيَثْبُتُ عِتْقٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ) لِأَنَّ عِتْقَهُ نَقْلُ مِلْكٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْمَشْهُودِ بِهِ.
(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَنَحْوَهُ ثَوْبًا وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَأَرَادَ
أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ (فِي إثْبَاتٍ) بِأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ) حَلَفَ عَلَى فِعْلِ (نَفْسِهِ) مِثْلُ أَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنْسَانٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَنَحْوَهُ شَيْئًا فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ) عَلَى (دَعْوَى عَلَيْهِ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَنْكَرَهُ وَطَلَبَ يَمِينَهُ (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) أَيْ الْقَطْعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ: قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَالَهُ عِنْدِي شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنْسَانٌ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا مِلْكِي.
(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ) نَحْوَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاهُ اغْتَصَبَ كَذَا وَهُوَ بِيَدِهِ فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَهَا أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلَّفَ، الْيَمِينَ مِنْهُ عَلَى الْبَتِّ (أَوْ) حَلَفَ عَلَى (نَفْيِ دَعْوَى عَلَيْهِ) أَيْ غَيْرِهِ كَأَنَّ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا فَأَنْكَرَ الْوَارِث وَطَلَبَ يَمِينَهُ (فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَبْدِهِ) وَأَمَتِهِ (كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفٍ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ فَأَنْكَرَ وَطَلَبَ يَمِينَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
وَ (أَمَّا بَهِيمَتُهُ) أَيْ جِنَايَةُ بَهِيمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَمَا نُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ فَعَلَى الْبَتِّ) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ بَهَائِمَهُ أَكَلَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا بِتَفْرِيطِهِ لِتَرْكِهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَلَا حَبْسٍ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ عَدَمُ التَّفْرِيطِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْسِبْ الْمُدَّعِي جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ إلَى تَقْصِيرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَفْرِيطِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ رَاكِبٍ أَنَّ الدَّابَّةَ أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِوَطْئِهَا عَلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) لِأَنَّهُ يَنْفِي فِعْلَهَا.
(وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ بِحَقِّ جَمَاعَةٍ فَبَذَلَ لَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً وَرَضُوا بِهَا جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ (وَإِنْ أَبَوْا) أَيْ الِاكْتِفَاءَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ (حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (يَمِينًا) لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ حَقِّ الْآخَرِ فَإِذَا طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَمِينًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذَا انْفَرَدَ بِهَا.
(وَلَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ) إذَا تَعَدَّدَتْ الدَّعْوَى وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَإِنْ اتَّحَدَتْ الدَّعَاوَى فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.