الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ فِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ لِلشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمِ (صَادَفَ مَا حَكَمَ بِهِ) الْحَاكِمُ (وَجَهِلَهُ) الْحَاكِمُ فَيَنْقُضُهُ إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ مَعَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (خِلَافًا لِمَالِكٍ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) مُوَضَّحًا.
[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]
(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29]{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] الْآيَةَ وَكَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَمُلُوكِ الْأَطْرَافِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ وَسُعَاتِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَة إلَى قَبُولِهِ فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَلَا مُطَالَبَتُهُ إلَّا بِكِتَابِ الْقَاضِي وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ قَبُولِهِ.
(لَا يُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي حَدِّ اللَّهِ - تَعَالَى - كَزِنًا وَنَحْوِهِ) كَحَدِّ الشُّرْبِ وَكَالْعِبَادَاتِ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ - تَعَالَى - مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالسِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ وَالسُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهَا وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ فَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ مِنْ الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالصُّلْحِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ مَثَلًا.
(وَ) الْوَصِيَّةِ (إلَيْهِ وَ) الْوَصِيَّةِ (فِي الْجِنَايَةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّوْكِيلِ) فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ (وَحَدِ الْقَذْفِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) وَهِيَ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ إلَّا فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ.
(ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي) إلَى الْغَائِبِ (حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا) أَيْ كِتَابَتَهُ (شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ وَذَكَرُوا) أَيْ الْأَصْحَابُ (فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالٌ لَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (أَصْلٌ وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) بِكِتَابِهِ (فَرْعٌ فَلَا يَسُوغُ) لِقَاضٍ (نَقْضُ الْحُكْمِ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَلَا يَقْدَحُ) إنْكَارُهُ (فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعَ شُهُودِ الْأَصْلِ)
قَبْلَ الْحُكْمِ (الْحُكْمُ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ) بِالْحَقِّ الَّذِي كَتَبَ بِهِ (و) أَنَّهُ (أَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) بِكِتَابِهِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ آخَرَ
لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَالْمَحْكُومُ بِهِ إنْ كَانَ عَيْنًا فِي بَلَدِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي وَلَا حَاجَةَ إلَى كِتَابٍ) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى) غَيْرِ بَلْدَةِ الْحَاكِمِ (فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْكِتَابِ) لِيُسَلِّمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْعَيْنَ لِرَبِّهَا أَوْ يَأْمُرُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ (وَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُتَدَاخِلَاتٌ مَسْأَلَةُ إحْضَارِ الْخَصْمِ إذَا كَانَ غَائِبًا) بِعَمَلِ الْمَاضِي وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ (وَمَسْأَلَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ) إذَا كَانَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَوْ مُسْتَتِرًا وَلَوْ بِالْبَلَدِ (وَمَسْأَلَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا يَحْكُم عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَاضِرًا لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ تَسْلِيمُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ غَائِبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَاتِبَ الْحَاكِمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ فِي بَلَدِ التَّسْلِيمِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا.
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الْكَاتِبُ مِنْ حَقِّ إنْسَانٍ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ أَوْ عَلَى غَائِبٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِب وَيَكْتُبُ إلَيْهِ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ فَهَرَبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُ رَبُّ الْحَقِّ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ (لِيُنَفِّذَهُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ.
(وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْقَاضِيَانِ الْكَاتِبَ وَالْمَكْتُوبَ إلَيْهِ (بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ) كَانَ (كُلٌّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا بِبَلَدٍ وَلَوْ) كَانَ أَحَدُ الْبَلَدَيْنِ (بَعِيدًا) عَنْ الْآخَرِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ (إلَّا فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ (لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ (إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ) لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكِتَابُهُ بِالْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ نَقْلًا وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَإِنْ حَكَمَ الْخِلَافَ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بَلْ قَالَ ثَبَتَ هَذَا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا
نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَلُزُومُ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذَهُ يَنْبَنِي عَلَى تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلِهَذَا لَا تُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيَّةُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَاف.
(وَلَوْ سَمِعَ) الْكَاتِبُ (الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْآخَرِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (جَازَ) ذَلِكَ (مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ) لَا مَعَ قُرْبِهَا.
(وَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ وَ) إلَى قَاضِي (مِصْرٍ أَوْ) قَاضِي (قَرْيَةٍ) مُعَيَّنَيْنِ (و) أَنْ يَكْتُبَ (إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) وَيَلْزَمُ مِنْ وَصَلَهُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ فَلَزِمَ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكِتَابُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ.
(وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ) أَيْ كِتَابِ الْقَاضِي (أَنْ يُقْرَأَ عَلَى عَدْلَيْنِ وَهُمَا نَاقِلَاهُ) أَيْ الْكِتَابِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِيَتَحَمَّلَا الشَّهَادَةَ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقْرَآ مَعَهُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ (وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ النَّاقِلَيْنِ لِكِتَابِ الْقَاضِي (لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ) يَعْنِي دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى دُونَ الْأَلْفَاظِ.
(ثُمَّ يَقُولُ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (هَذَا كِتَابِي) إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ (أَوْ) يَقُولُ (اشْهَدَا عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الشَّهَادَةَ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَإِنْ قَالَ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ كَانَ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) قَوْلُهُ اشْهَدَا عَلَيَّ (وَيَدْفَعُهُ) أَيْ الْكِتَابَ (إلَيْهِمَا وَالْأَوْلَى خَتْمُهُ احْتِيَاطًا) بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْخَتْمُ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَتْمِ، وَكَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى قَيْصَرَ كِتَابًا وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَقْرَأ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ فَاِتَّخَذَ الْخَاتَمَ فَكِتَابَتُهُ أَوَّلًا بِغَيْرِ خَتْمٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا اتَّخَذَهُ لِيَقْرَأ كِتَابَهُ (وَيَقْبِضَانِ) أَيْ الشَّاهِدَانِ (الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَا لِئَلَّا يَدْفَعَ إلَيْهِمَا غَيْرَهُ) .
ثُمَّ إنْ قَلَّ مَا فِي الْكِتَابِ اعْتَمَدَ عَلَى حِفْظِهِ وَإِلَّا كَتَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا نُسْخَةً بِهِ (فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ دَفَعَا إلَيْهِ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا سَمِعَاهُ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْكَ كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ) أَيْ مَحِلِّ نُفُوذِ حُكْمِهِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمَا قُرِئَ عَلَيْنَا أَوْ أَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ (وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ مَدْرُوجًا) أَيْ مَطْوِيًّا (مَخْتُومًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِمَجْهُولٍ لَا يَعْلَمَانِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَا: لَنَشْهَدَا أَنَّ
لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالًا (وَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ خَطَّ الْكَاتِبِ وَ) مَعْرِفَتُهُ (خَتْمَهُ) لِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ وَالْخَتْمَ يُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ حُكْمٍ أَوْ إثْبَاتٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُدٌّ مِنْ إشْهَادِ عَدْلَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (كَمَا لَا يَحْكُمُ بِخَطِّ شَاهِدٍ مَيِّتٍ وَتَقَدَّمَ لَوْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ) وَعُلِمَ أَنَّهُ خَطُّهُ عَمِلَ بِهِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ (وَتَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ) فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ مُوَضَّحًا.
(وَكِتَابُهُ) أَيْ الْقَاضِي (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ) فَيُقْبَلُ (كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَسْمَعُهَا فِي غَيْرِهِ (فَإِنْ وَصَلَهُ) الْكِتَابُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ (لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُوله حَتَّى يَصِير إلَى مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّهُ مَحِلُّ نُفُوذِ حُكْمِهِ.
(وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْهِ) أَيْ الْقَاضِي (خَصْمَانِ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا إذَنْ (فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ) أَيْ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا (فَكَمَا لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُحَكَّمًا لَا حَاكِمًا (وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمَانِ مِنْ أَهْل عَمَلِهِ أَوْ لَا) إذْ الْعِبْرَة بِكَوْنِهِ بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ، وَمَنْ طَرَأَ إلَيْهِ نَفَّذَ حُكْمَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِقَاضٍ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُمَا كَانَ فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَذِنَ) الْإِمَامُ (فِيهِ) لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ (أَوْ) عَلَى مَا (مَنَعَ مِنْهُ) الْإِمَامُ لِأَنَّهُ ذُو الْوِلَايَةِ فَتُرَاعَى كَيْفَ صَدَرَتْ مِنْهُ (وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ فِي حَيَوَانٍ وَعَبْدٍ وَجَارِيَةٍ) شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِهَا (بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا) أَيْ بِالصِّفَةِ (كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْمَوْصُوفَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ وَ (لَا) يُقْبَلُ كِتَابُهُ فِي مَشْهُودٍ (لَهُ) بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا يُشْهَدُ لَهُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ.
(وَلَا يَحْكُمُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (بِالْيَمِينِ الْغَائِبَةِ) إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهَا (بِالصِّفَةِ) عِنْدَ الْكَاتِبِ، وَكَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ) أَيْ الْحَيَوَانِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ الْعَبْدَ (فِي صِفَةٍ أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ بِخَيْطٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ، وَبَعَثَهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِذَا شَهِدَا عَلَيْهِ دَفَعَ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ) لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ (وَكَتَبَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوَّلًا (لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (كِتَابًا) بِمَا ثَبَتَ لَهُ (لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ) مِنْ كَفَالَتِهِ بِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا يَسْتَحِقُّهُ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي) بِهِ (جَارِيَةً سُلِّمَتْ إلَى أَمِينٍ يُوصِلُهَا) لِلْحَاكِمِ الْكَاتِبِ
احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ فَإِذَا شُهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنهَا سُلِّمَتْ لِلْمُدَّعِي (وَإِنْ لَمْ يَثْبُت لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرَهُ (مَا ادَّعَاهُ) كَمَا تَقَدَّمَ (لَزِمَهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ الرَّدِّ وَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ (مُنْذُ تَسَلَّمَهُ) الْمُدَّعِي (فَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (فِيهِ) أَيْ فِيمَا قَبَضَهُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ إذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ (كَغَاصِبٍ فِي ضَمَانِهِ) إنْ تَلِفَ (وَضَمَانِ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَ (وَ) ضَمَانِ (مَنْفَعَتِهِ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ.
(وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ) بِأَنْ كَانَ يُؤَجَّرْ عَادَةً (إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ أَخْذَهُ بِلَاحِقٍ وَفِي الرِّعَايَةِ دُونَ نَفْعِهِ أَيْ فَلَا يَضْمَنُهُ.
(وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ) إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ) لِمُسْتَحِقِّهِ لِيَبْرَأَ إلَيْهِ مِنْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) الْخَصْمُ (مَا أَنَا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (مَا لَمْ تَقُمْ) عَلَيْهِ (بَيِّنَةٌ) أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَيَقْضِي بِهَا لِرُجْحَانِهَا عَلَى قَوْلِهِ (فَإِنْ) لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَطَلَب يَمِينَهُ فَ (نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (قَضَى عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ) الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (أَوْ ثَبَتَ) الِاسْمُ وَالنَّسَبُ (بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ) الْخَصْمُ (الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَلَدِ آخَرَ كَذَلِكَ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ بِالْبَلَدِ كَذَلِكَ (وَلَوْ مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ) قُبِلَتْ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ (فَإِنْ كَانَ) الْمُشَارِكُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (حَيًّا أَحْضَرَهُ الْحَاكِمُ وَسَأَلَهُ عَنْ الْحَقِّ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ) الْحَاكِمُ (بِهِ) سَوَاءٌ أَخَذَهُ لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَتَخَلَّصَ) الْأَوَّل لِظُهُورِ بَرَاءَتِهِ (وَإِنْ أَنْكَرَهُ) الثَّانِي (وَقَفَ الْحُكْمَ) لِلِالْتِبَاسِ وَالْإِشْكَالِ (وَيَكْتُبُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ الْحَالَ وَمَا وَقَعَ مِنْ الْإِشْكَالِ حَتَّى يُحْضِرَ) الْكَاتِبُ (الشَّاهِدَانِ فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ) أَيْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الْمُشَارِكِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُسَمَّى أَنَّهُ كَانَ بِالْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمَاتَ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ مُعَامَلَةٌ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ.
(وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ) لَمْ يَقْدَحْ فِي كِتَابِهِ (أَوْ عُزِلَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (لَمْ يَقْدَحْ) ذَلِكَ (فِي كِتَابِهِ) لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَهُمَا حَيَّانِ فَوَجَبَ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ أَوْ يَنْعَزِلْ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إنْ كَانَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ فَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَصْلٌ وَاَللَّذَانِ شَهِدَا عَلَيْهِ فَرْعٌ لَا تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِمَوْتِ الْأَصْلِ.
(وَإِنْ فَسَقَ) الْكَاتِبُ (قَبْلَ الْحُكْمِ بِكِتَابِهِ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ)