الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ خَصْمَهُ]
(فَصْلٌ يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ خَصْمَهُ) لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَيَجِبُ الْعِلْمُ بِهَا كَالْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَوْلُهُ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ٍ} [الحجرات: 6] الْآيَةُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ» (فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْخُرُوجُ عَنْهَا)(وَقَالَ) الشَّيْخُ: (مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْعَدَالَةُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] (فَالْفِسْقُ وَالْعَدَالَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْرَأُ) " عَلَى الْآخَرِ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ مُعَارِضٌ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِرَمَضَانَ صَارَ صَحَابِيًّا وَهُمْ عُدُولٌ وَعَنْهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَلَا تُشْتَرَطُ) الْعَدَالَةُ (بَاطِنًا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَلِلْمَشَقَّةِ (وَتَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ.
(وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا) عَمَلًا بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ لَتَسَلْسَلَ لِأَنَّ الْمُزَكَّى يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِهِ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ احْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُزَكَّيْنِ إلَى مَنْ يُزَكِّيهِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُزَكِّيهِمَا إلَى مُزَكَّيْنِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ.
(وَإِنْ عَلِمَ فِسْقَهُمَا لَمْ يَحْكُمْ) بِشَهَادَتِهِمَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحُكْمِ (فَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (الْعَمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمْ وَجَرْحِهِمْ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِأَنَّ مِنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ (وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِذَا عَرَفَ) الْحَاكِمُ (عَدَالَةَ
الشُّهُودِ اُسْتُحِبَّ قَوْلُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ فَبَيِّنَةً عِنْدِي) لِدَفْعِ الرِّيبَةِ.
(فَإِنْ لَمْ يَقْدَحْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِي شَهَادَتِهِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ وَاسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ) وَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ فَوْرًا كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْحُجَّةِ (لَبْسٌ أَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ فَإِنْ أَبَيَا) الصُّلْحَ (أَخَّرَهُمَا إلَى الْبَيَانِ) وَالِاتِّضَاحِ لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ إذَنْ (فَإِنْ عَجَّلَهَا) وَحَكَمَ (قَبْلَ الْبَيَانِ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ) وَلَمْ يُنَفَّذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ.
(وَإِذَا حَدَثَتْ حَادِثَةً نَظَرَ) الْحَاكِمُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ) تَعَالَى (فَإِنْ وَجَدَهَا وَإِلَّا نُظِرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا نُظِرَ فِي الْقِيَاسِ فَأَلْحَقَهَا بِأَشْبَهِ الْأُصُولِ بِهَا) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا وَقَالَ: بِمَ تَحْكُمُ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِالرَّأْيِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
(وَإِنْ ارْتَابَ) الْحَاكِمُ (فِي الشُّهُودِ لَزِمَ سُؤَالُهُمْ وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمْ وَغَيْرِهِ فَيُفَرِّقُهُمْ وَيَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ وَمَتَى) أَيْ فِي أَيْ وَقْتٍ تَحَمَّلْتَ (وَفِي أَيْ مَوْضِعٍ) تَحَمَّلْتَ (وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ أَوْ أَنْتَ وَغَيْرَكَ وَنَحْوَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ سَبْعَةً خَرَجُوا فَفُقِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَأَتَتْ زَوْجَتُهُ عَلِيًّا فَدَعَا السِّتَّةَ فَسَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَنْكَرَهُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَظَنَّ الْبَاقُونَ أَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ فَاسْتَدْعَاهُمْ فَاعْتَرَفُوا فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: قَدْ شَهِدُوا عَلَيْكَ فَاعْتَرَفَ فَقَتَلَهُمْ.
(فَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يَقْبَلْهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مَا يَمْنَعُ قَبُولُهَا وَفِي الشَّرْحِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ (وَإِنْ اتَّفَقُوا وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ تَوَقُّفِهِمْ إنْ كَانُوا شُهُودَ زُورٍ (فَإِنْ ثَبَتُوا) عَلَى شَهَادَتِهِمْ (حَكَمَ بِهِمْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَاتُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إلَى حِينِ الْحُكْمِ وَطَلَبِ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ قَدْ قَبَلْتَهُمَا فَإِنْ جَرَحْتَهُمَا وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك.
ذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لَهُ فَقَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ الشَّهَادَةَ وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا.
وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
(وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْخَصْمُ لَمْ يَقْبَلْ) الْحَاكِمُ (مِنْهُ) التَّجْرِيحَ بِمُجَرَّدِهِ (وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ) لِيَتَحَقَّقَ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ.
(فَإِنْ سَأَلَ) الْمُجَرِّحُ (الْإِنْظَارَ) لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ (أُنْظِرَ ثَلَاثًا) أَيْ تَكْلِيفُهُ إقَامَتَهَا فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا شَهِدَا بِذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الشَّهَادَة الْمَرْدُودَةَ لِفِسْقٍ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ.
(وَكَذَا لَوْ أَرَادَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (جَرْحَهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ فَيُنْظَرُ لِذَلِكَ ثَلَاثًا (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) بِالْجَرْحِ (حَكَمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ وَضَحَ عَلَى وَجْهٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ (وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ فَيَقُولُ) الشَّاهِدُ بِالْجَرْحِ (أَشْهَد أَنِّي رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ يَظْلِمُ النَّاسَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ ضَرَبِهِمْ أَوْ يُعَامِلُ بِالرِّبَا أَوْ) عَنْ سَمَاعٍ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ (سَمِعْتُهُ يَقْذِفُ أَوْ عَنْ اسْتِفَاضَةٍ) لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي شَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقْبَلَ مُجَرَّدَ الْجَرْحِ لِئَلَّا يَجْرَحَهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا (فَلَا يَكْفِي أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ فَاسِقٌ أَوْ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا قَوْلُهُ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
(لَكِنْ يُعَرِّضُ لِجَارِحٍ بِزِنًا) لِئَلَّا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فَإِنْ صَرَّحَ) بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا (حُدَّ) لِلْقَذْفِ بِشَرْطِهِ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةُ -.
(وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ النِّسَاءِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فِي الْقِصَاصِ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ وَجَرَحَهُ وَاحِدٌ قَدَّمَ التَّعْدِيلَ) لِتَمَامِ نِصَابِهِ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ قَدَّمَ الْجَرْحَ وُجُوبًا) لِأَنَّ مَعَ شَاهِدَيْهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ يُمْكِنُ خَفَاؤُهَا عَنْ شَاهِدَيْ التَّعْدِيلِ (وَإِنْ قَالَ الَّذِينَ عَدَّلُوا مَا جَرَّحَاهُ بِهِ قَدْ تَابَ مِنْهُ قَدَّمَ التَّعْدِيلَ) لِمَا مَعَ بَيِّنَتِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِنْ
شَهِدَ عِنْدَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (فَاسِقٌ يَعْرِفُ قَالَ لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مَعَ السِّتْرِ عَلَى الشَّاهِدِ.
(وَإِنْ جَهِلَ) الْحَاكِمُ () أَيْ الشَّاهِدِ (طَلَبَ مِنْهُ الْمُدَّعِي التَّزْكِيَةَ) لِقَوْلِ عُمَرَ لِلشَّاهِدَيْنِ جِيئَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَالشَّكُّ فِي وُجُودِهَا كَعَدَمِهِمَا كَشَرْطِ الصَّلَاةِ (وَالتَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ حُكْمِهِ عَلَيْهَا حَيْثُ جَهِلَ حَالَ الْبَيِّنَةِ.
(وَيَكْفِي فِيهَا) أَيْ التَّزْكِيَةِ (عَدْلَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا أَوْ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ أَوْ عَدْلٌ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَدْلٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَى حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ وَلِي) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَهُ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ) فَلَهُ تَزْكِيَتُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ (بِخِلَافِ الْجَرْحِ) فَلَا يَجْرَحُهُ إلَّا بِمَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ اُسْتُفِيضَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجِبُ فِيهَا) أَيْ التَّزْكِيَةِ (الْمُشَافَهَةُ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ شَهَادَةٌ لَا إخْبَارٌ فَلَا يَكْفِي فِيهَا رُقْعَةُ الْمُزَكِّي لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ الْحُضُورُ لِتَزْكِيَةٍ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمَا) أَيْ الْمُزَكِّيَيْنِ (وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلْمِ الشَّيْءِ انْتِفَاؤُهُ (وَيَشْتَرِطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّيَيْنِ مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ يُحْتَمَل أَنْ يُرِيدَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّعْدِيلِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا لَا يَجُوزُ لِلْمُعَدِّلِ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ خِبْرَةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الْحَاكِمُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الْعَدْلُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ وَإِنْ اسْتَكْشَفَ الْحَالَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فَحَسَنٌ.
(وَلَا يَقْبَلُ التَّزْكِيَةَ إلَّا مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بَاطِنَةٌ يَعْرِف الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِعَصَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِأَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ يُعْتَبَرُ لَهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهَا (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لِحَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ (وَكَذَا تَصْدِيقِهِ) لِلشَّاهِدِ فَهُوَ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ (لَكِنْ لَا يَثْبُتُ تَعْدِيلُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ (فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَمْ تَثْبُتْ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْمَشْهُودُ
عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا سَبَقَ.
(وَلَوْ رَضِيَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا) لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَقَطْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْعَدَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَلَمْ تُوجَدْ (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى تُزَكَّى شُهُودُهُ أَجَابَهُ) الْحَاكِمُ (وَحَبَسَهُ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ (وَمِثْلُهُ لَوْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ إقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ حَتَّى تُزَكَّى (أَوْ) جَعَلَ (عَيْنَ مُدَّعَاهُ فِي يَدِ عَدْلٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ) فَيُجَابُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ لَمْ يُجِبْهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي إثْبَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَالًا (أَجَابَهُ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةً فِيهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ شَاهِدٍ آخَرَ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلتَّعَذُّرِ.
(فَإِنْ ادَّعَى رَقِيقٌ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَعْدِلَا فَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ الْحَاكِمُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَعَلَ) أَيْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ (وَيُؤَجِّرُهُ) الْحَاكِمُ (مِنْ ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ) إلَى مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (فَإِنْ عُدِّلَ الشَّاهِدَانِ) حَكَمَ بِعِتْقِهِ لِتَمَامِ الشَّرَائِطِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلَا (رَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقَ كَعَدَمِهَا (وَإِنْ أَقَامَ) الْمُدَّعِي الْعِتْقَ (شَاهِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ) لِأَنَّ الْعِتْقَ كَالْمَالِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى مَالًا.
(وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِطَلَاقِهَا الْبَائِنِ وَلَمْ يَعْرِفْ) الْحَاكِمُ (عَدَالَةَ الشُّهُودِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) احْتِيَاطًا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ (وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا لَمْ يَحُلْ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِهِ طَلَاقٌ فَأَشْبَهَ عَدَمَهُ.
(وَإِنْ حَاكَمَ إلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِف) الْحَاكِمُ (لِسَانَهُ تَرْجَمَ إلَيْهِ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إلَّا بِذَلِكَ وَالتَّرْجَمَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْجِيمِ تَأْدِيَةُ الْكَلَامِ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ تَرْجُمَانِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمَّ الْجِيمِ وَهِيَ أَجْوَدُ لُغَاتِهِ وَبِضَمِّهِمَا وَفَتْحِهِمَا مَعًا وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلِيَّتَانِ فَوَزْنُ تَرْجَمَ فَعْلَلَ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَلَا يَقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَرِسَالَةٍ) أَيْ بَعَثَ مَنْ يَتَعَرَّفَ أَحْوَالَ الشُّهُودِ أَوْ رِسَالَةَ الْقَاضِي فِي تَحْلِيفِ مَرِيضٍ أَوْ مُخَدَّرَةٍ وَنَحْوِهِ (وَتَعْرِيفٍ عِنْدَ حَاكِمٍ وَيَأْتِي التَّعْرِيفُ عِنْدَ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لَا قَوْلَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ وَزِنًا) كَنِكَاحٍ وَقَذْفٍ وَنَحْوِهِ.
(وَفِي الْمَالِ يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ)