الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سِوَى ذَلِكَ) أَيْ حَدِّ الْمُحَارَبَةِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ (فَتَابَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ سَقَطَ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إصْلَاحِ الْعَمَل) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَلِقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39] .
وَفِي الْحَدِيثِ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَحَدِّ الْمُحَارِبِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدُّ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لِلْآدَمِيِّ كَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ كَانَ لِلَّهِ وَلَمْ يَثْبُت قَبْلَ تَوْبَتِهِ بَلْ بَعْدَهُ (فَلَا) يَسْقُطُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ (سَقَطَ) بِمَوْتِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالْمَوْتِ.
[فَصْلُ وَمَنْ صَالَ عَلَى نَفْسِهِ بَهِيمَةٌ أَوْ آدَمِيٌّ]
(فَصْلُ وَمَنْ صَالَ عَلَى نَفْسِهِ) بَهِيمَةٌ أَوْ آدَمِيٌّ (أَوْ) صَالَ عَلَى (نِسَائِهِ) كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِنَّ (أَوْ) عَلَى (وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَوْ قَلَّ) الْمَالُ (بَهِيمَةٌ أَوْ آدَمِيٌّ وَلَوْ) كَانَ مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ مَالُهُ (غَيْرُ مُكَافِئٍ) لِلْمُرِيدِ (أَوْ) كَانَ الصَّائِلُ (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) كَالْبَهِيمَةِ وَسَوَاءٌ صَالَ عَلَى ذَلِكَ (فِي مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ) كَانَ (مُتَلَصِّصًا) أَيْ طَالِبًا لِلسَّرِقَةِ (وَلَمْ يَخَفْ) الدَّافِعُ (أَنْ يَبْدُرَهُ الصَّائِلُ بِالْقَتْلِ دَفَعَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ دَفْعُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى تَلَفِهِ وَأَذَاهُ فِي نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَدَّى إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ (فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ) بِشَيْءٍ (وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِالْقَوْلِ فَلَهُ) أَيْ الدَّافِعِ (ضَرْبُهُ بِأَسْهَلِ مَا يَظُنُّ أَنْ يَنْدَفِعَ بِهِ فَإِنْ ظَنَّ أَنْ يَنْدَفِعَ بِضَرْبِ عَصَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِحَدِيدٍ) لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ (وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا اتِّبَاعُهُ) كَالْبُغَاةِ (وَإِنْ ضَرَبَهُ فَعَطَّلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كُفِيَ شَرُّهُ.
(وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ فَوَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ) لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الدَّفْعُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ قَالَ أَحْمَدُ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ وَضَرْبَهُ لَكِنْ دَفْعُهُ (فَإِنْ مَاتَ) الصَّائِلُ (مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ فَعَلَيْهِ) أَيْ الدَّافِعِ (نِصْفُ
الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.
(وَإِنْ رَجَعَ) الصَّائِلُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدَّافِعِ (بَعْدَ قَطْعِ) يَدِهِ ثُمَّ (رِجْلِهِ فَقَطَعَ) الدَّافِعُ (يَدَهُ الْأُخْرَى) لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ (فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ) بِخِلَافِ الرِّجْلِ الَّتِي قَطَعَهَا بَعْدَ أَنْ وَلَّى هَارِبًا (وَإِنْ مَاتَ) الصَّائِلُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الدَّافِعِ (ثُلُثُ الدِّيَةِ) كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَالشَّرْحِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ وَمَاتَ مِنْهُمَا.
(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) أَيْ الدَّافِعُ (دَفْعَهُ) أَيْ الصَّائِلُ (إلَّا بِالْقَتْلِ أَوْ خَافَ) الدَّافِعُ (ابْتِدَاءً أَنْ يَبْدَأهُ) أَيْ الصَّائِلَ (بِالْقَتْلِ إنْ لَمْ يُعَاجِلْهُ بِالدَّفْعِ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ وَيَقْطَعُ طَرَفَهُ وَيَكُونُ) ذَلِكَ (هَدْرًا) لِأَنَّهُ أُتْلِفَ لِدَفْعِ شَرِّهِ كَالْبَاغِي.
(وَإِنْ قُتِلَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَهِيدٌ مَضْمُونٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ لَا تُعْطِهِ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ قَالَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ) لِلصَّائِلِ (عَنْ نِسَائِهِ فَهُوَ لَازِمٌ) أَيْ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّهِ وَحَقٍّ اللَّهِ وَهُوَ مَنْعُهُ مِنْ الْفَاحِشَةِ (وَإِنْ كَانَ) الدَّفْعُ (عَنْ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالدَّفْعُ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إبَاحَةُ قَتْلِهَا وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَتَّقِي بِهِ كَالْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ فَإِنْ كَانَ فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ: «اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَإِنْ خِفْتَ أَنْ يَنْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَغَطِّ وَجْهَكَ» .
وَفِي لَفْظٍ «فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» وَلِأَنَّ عُثْمَانَ تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَدْفَع عَنْ نَفْسِهِ (وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ وَالِاحْتِمَاءُ كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهُ وَكَمَا لَوْ كَانَ الصَّائِلُ) عَلَيْهِ (بَهِيمَةً) فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا (وَلَه قَتْلُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) فِيهَا لِسُقُوطِ حُرْمَتِهَا بِالصَّوْلِ.
(وَإِنْ كَانَ) الدَّفْعُ عَنْ (نَفْسِهِ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ وَظَنَّ الدَّافِعُ
سَلَامَةَ نَفْسِهِ) الدَّفْعُ (لَازِمٌ أَيْضًا) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إيثَارُ الشَّهَادَةِ كَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ وَلَا حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ.
وَفِي التَّرْغِيبِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ زَادَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِي عَنْ الثَّلَاثَة وَعِرْضِهِ (كَمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ فِي الْمَذْهَبِ أَمَّا دَفْعُ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَهَى بِاللُّزُومِ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ (لَكِنْ لَهُ) كَذَا فِي الشَّرْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ (مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدَّفْعِ عَنْ مَالِهِ وَنِسَائِهِ فِي قَافِلَةٍ وَغَيْرِهَا) مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ لِحَدِيثِ «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَلِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ.
(وَإِنْ رَاوَدَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَنْ نَفْسِهَا) لِيَفْجُرَ بِهَا (فَقَتَلَتْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهَا) إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ (لَمْ تَضْمَنْهُ) لِقَوْلِ عُمَرَ: وَلِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي قَتْلِهِ شَرْعًا لِدَفْعِهِ عَنْهَا (وَلَوْ ظُلِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (ظَالِمٌ لَمْ يُعِنْهُ) عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ (حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ) نَصًّا قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ يَدَعُهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ) نَقَلَهُ صَالِحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ فِيهِمَا أَيْ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ أَظْهَرُ.
(وَإِذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ فَقَتَلَهُمَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) وَيَأْثَمُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَلَيْهَا بِالْإِكْرَاهِ فَهِيَ مَعْصُومَةٌ (هَذَا إذَا كَانَتْ بَيِّنَةً) أَنَّهُ وَجَدَهُ يَزْنِي بِهَا (أَوْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ) عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَلِيُّ (فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الظَّاهِرِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِصْمَةُ وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ بَعْضُ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ شَاهِدَانِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِهِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَهَذَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةِ الزِّنَا، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الزِّنَا وَعَنْهُ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ.
(وَإِنْ قَتَلَ رَجُلًا) فِي مَنْزِلِهِ (وَادَّعَى أَنَّهُ هَجَمَ مَنْزِلَهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِحَدِيثِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ يُعْرَفُ بِسَرِقَةٍ أَوْ عِيَارَةٍ أَوْ لَا) يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَالْعِيَارَةُ التَّحَزُّبُ لِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَالْعَيَّارُونَ: الْمَحْزُبُونَ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ بِمِصْرَ وَالشَّامِ الْمَنْسَرُ كَانُوا يُسَمَّوْنَ عَيَّارِينَ بِبَغْدَادَ (فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا) أَيْ الْمَقْتُولَ (مُقْبِلًا إلَى هَذَا) أَيْ
الْقَاتِلِ (بِسِلَاحِ مَشْهُورٍ فَضَرَبَهُ هَذَا) أَيْ الْقَاتِلُ (فَدَمُهُ) أَيْ الْمَقْتُولُ (هَدْرٌ) لِثُبُوتِ صِيَالَتِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ) أَيْ الْمَقْتُولَ (دَاخِلًا دَارِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا) أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا (غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطْ الْقَوَدُ بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ لِحَاجَةٍ.
(وَإِنْ عَضَّ يَدَهُ إنْسَانٌ عَضًّا مُحَرَّمًا فَانْتَزَعَ) الْمَعْضُوضُ (يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَلَوْ بِعُنْفٍ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ) أَيْ الْعَاضُّ (فَهَدْرٌ) ظَالِمًا كَانَ الْمَعْضُوضُ أَوْ مَظْلُومًا لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: " أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ صَاحِبهِ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْعَضِّ) نَحْوَ أَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ رَبَطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَخَلَّصَ نَفْسَهُ فَتَلِفَ بِتَخَلُّصِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمَعْضُوضُ عَنْ التَّخَلُّصِ (دَفْعَهُ) أَيْ الْعَاضَّ (كَصَائِلٍ) بِأَسْهَلِ مَا يَظُنُّ انْدِفَاعَهُ بِهِ (وَإِنْ كَانَ الْعَضُّ مُبَاحًا مِثْلَ أَنْ يُمْسِكَهُ فِي مَوْضِعٍ يَتَضَرَّرُ بِإِمْسَاكِهِ) كَخُصْيَيْهِ (أَوْ يَعْصِرَ يَدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِعَضِّهِ فَعَضَّهُ فَمَا سَقَطَ مِنْ أَسْنَانِهِ ضَمِنَهُ) الْمَعْضُوضُ.
(وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خَصَاصِ الْبَابِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْفُرُوجُ الَّتِي فِيهِ (أَوْ) نَظَرَ (مِنْ ثَقْبٍ فِي جِدَارٍ أَوْ) نَظَرَ (مِنْ كَوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ (وَنَحْوِهِ) كَفُرُوجٍ فِي بَيْتِ شَعْرٍ وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ لَكِنْ ظَنَّهُ مُتَعَمِّدًا (لَا) إنْ نَظَرَ (مِنْ بَابٍ مَفْتُوحٍ فَرَمَاهُ) أَيْ النَّاظِرَ (صَاحِبُ الدَّارِ بِحَصَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَمْكَنَ الدَّفْعُ بِدُونِهِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَوْ كَانَ) النَّاظِرُ (مَحْرَمًا أَوْ نَظَرَ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ لَا) لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَرَكَ) النَّاظِرُ (الِاطِّلَاعَ وَمَضَى لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ رَمَاهُ فَقَالَ الْمُطَّلِعُ: مَا تَعَمَّدْتُهُ أَوْ لَمْ أَرَ شَيْئًا حِينَ اطَّلَعْتُ لَمْ يَضْمَنْهُ) الرَّامِي لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا فِي ضَمِيره (وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ ابْتِدَاءً) كَالصَّائِلِ (فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِرَمْيِهِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ جَازَ رَمْيُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ) كَالصَّائِلِ.
(وَلَوْ تَسَمَّعَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ عَلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَجُزْ طَعْنُ أُذُنِهِ) قَبْلَ إنْذَارِهِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.
(وَلَوْ كَانَ عُرْيَانًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَكُنْ