الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْل وَحِرْزُ الْمَالِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ]
(فَصْل وَحِرْزُ الْمَالِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْبُلْدَانِ وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّرْعِ اعْتِبَارُهُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى بَيَانِهِ عُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ كَمَا رَجَعْنَا إلَى مَعْرِفَةِ الْقَبْضِ وَالْفِرْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ إلَيْهِ (فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْقُمَاشِ فِي الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ فِي الْعُمْرَانِ وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ) وَالْغَلَقِ الْقَافِلِ خَشَبًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَكُونُ فِيهِ حَافِظٌ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حِرْزِ ذَلِكَ (وَالصُّنْدُوقُ فِي السُّوقِ حِرْزٌ ثُمَّ حَارِسٌ) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَارِسٌ (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ الصُّنْدُوقُ حِرْزًا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَبْوَابُ مُغْلَقَةً وَلَا فِيهَا حَافِظٌ فَلَيْسَتْ حِرْزًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الدَّارِ الْمَفْتُوحَةِ الْأَبْوَابِ (خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا) مِنْ الْأَمْوَالِ (وَمَا خَرَجَ عَنْهَا) أَيْ الْخَزَائِنُ (فَلَيْسَ بِمُحْرِزٍ) إذَا كَانَتْ أَبْوَابُ الدَّارِ مَفْتُوحَةً.
قُلْتُ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ خَزَائِنُ الْمَسْجِدِ فَالْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِيهَا (فَأَمَّا الْبُيُوتُ الَّتِي فِي الْبَسَاتِينِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلَيْسَتْ حِرْزًا مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُهَا أَوْ حَافِظٌ مُلَاحِظٌ فَهِيَ حِرْزٌ مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً فَإِنْ كَانَ بِهَا نَائِمٌ وَهِيَ مُغْلَقَةٌ فَهِيَ حِرْزٌ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُغْلَقَةً (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ يَقْظَانَ (وَكَذَا خَيْمَةٍ وَحَرَكَاتٍ وَنَحْوِهِمَا) كَبَيْتٍ الشَّعْرِ إنْ كَانَ فِيهَا أَحَدٌ وَلَوْ نَائِمًا فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ مَعَ مَا فِيهَا لِأَنَّهَا هَكَذَا تُحَرَّزُ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا حَافِظٌ فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ أَيْضًا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدهَا حَافِظٌ وَلَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحَرَّزَةٍ فِي الْعَادَةِ (وَإِنْ كَانَ لَابِسًا ثَوْبًا أَوْ مُتَوَسِّدًا لَهُ) تَحْتَ رَأْسِهِ (نَائِمًا) كَانَ (أَوْ مُسْتَيْقِظًا أَوْ) كَانَ (مُفْتَرِشًا) لَهُ (أَوْ مُتَّكِئًا عَلَيْهِ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ) فَحِرْزٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ (أَوْ) كَانَ (نَائِمًا عَلَى مَجَرِّ فَرَسِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ أَوْ) كَانَ (نَعْلُهُ فِي رِجْلِهِ فَحِرْزٌ) لِأَنَّهُ هَكَذَا مُحَرَّزٌ (فَإِنْ تَدَحْرَجَ) النَّائِمُ (عَنْ الثَّوْبِ زَالَ الْحِرْزُ) فَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ إذَنْ.
(وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَتَاعِ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ قُدَّامَهُ (كَبَزِّ الْبَزَّازِينَ وَقُمَاشِ الْبَاعَةِ) وَخُبْزِ
الْخَبَّازِ (بِحَيْثُ يُشَاهَدُ وَيُنْظَرُ إلَيْهِ فَهُوَ حِرْزٌ) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ (وَإِنْ نَامَ) أَوْ كَانَ (غَائِبًا عَنْ مَوْضِعِ مُشَاهَدَتِهِ فَلَيْسَ بِمُحَرَّزٍ وَإِنْ جَعَلَ) الْبَزَّازَ وَنَحْوَهُ (الْمَتَاعَ فِي الْغَرَائِرِ وَعَلَّمَ عَلَيْهَا أَيْ شَدَّهَا بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ) كَحَبْلٍ وَسَيْرٍ (وَمَعَهَا حَافِظٌ يُشَاهِدُهَا فَمُحَرَّزَةٌ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حِينَئِذٍ حَافِظٌ يُشَاهِدُهَا فَلَيْسَتْ بِمُحَرَّزَةٍ (وَحِرْزُ سُفُنٍ فِي شَطٍّ بِرَبْطِهَا) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (وَحِرْزُ بَقْلٍ وَبَاقِلَاءَ وَطَبِيخِ وَقُدُورِهِ وَرَاءَ الشَّرَائِحِ) وَاحِدُهَا شَرِيحَةٌ (وَهُوَ) شَيْءٌ يُعْمَلُ (مِنْ قَصَبٍ أَوْ خَشَبٍ) يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (إذَا كَانَ بِالسُّوقِ حَارِسٌ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِحْرَازِهَا بِهِ (وَحِرْزُ حَطَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ الْحَظَائِرُ) وَاحِدَتُهَا حَظِيرَةٌ وَهِيَ مَا يُعْمَلُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مِنْ الشَّجَرِ تَأْوِي إلَيْهِ.
وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ فَيُصَيَّرُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَيُرْبَطُ بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (كَمَا لَوْ كَانَ) مَا ذَكَرَ (فِي فُنْدُقٍ) وَهُوَ الْخَانُ الصَّغِيرُ (مُغْلَقٌ عَلَيْهِ) فَيَكُونُ مُحَرَّزًا وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ (وَحِرْزُ مَوَاشٍ) جَمْعُ مَاشِيَةٍ.
(الصُّبُرُ) وَاحِدُهَا صُبْرَةٌ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ (وَ) حِرْزُهَا (فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرُهُ إلَيْهَا إذَا كَانَ) الرَّاعِي (يَرَاهَا فِي الْغَالِبِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ (وَمَا نَامَ) الرَّاعِي (عَنْهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَاشِيَةِ (أَوْ غَابَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْحِرْزِ) فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ (وَحِرْزُ حَمُولَةِ إبِلٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ (سَائِرَةٌ بِتَقْطِيرِهَا مَعَ قَائِدٍ يَرَاهَا بِحَيْثُ يَكْثُرُ الِالْتِفَاتُ إلَيْهَا وَيُرَاعِيهَا وَزِمَامُ الْأَوَّلِ مِنْهَا بِيَدِهِ) لِأَنَّهَا هَكَذَا تُحْرَزُ عُرْفًا.
(وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ) مِنْ الْإِبِلِ السَّائِرَةِ وَنَحْوِهَا (كَقَائِدٍ) فَإِذَا كَانَ يَرَاهَا وَيُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهَا فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ (أَوْ بِسَائِقٍ يَرَاهَا) أَيْ الْإِبِلَ الْمُحَمَّلَةَ وَنَحْوَهَا (سَوَاءُ كَانَتْ مُقَطَّرَةً أَوْ لَا وَإِنْ كَانَتْ) الْإِبِلُ (بَارِكَةً فَإِنْ كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ لَهَا وَلَوْ نَائِمًا وَهِيَ مَعْقُولَةٌ فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ صَاحِبَهَا يَعْقِلُهَا إذَا نَامَ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) الْإِبِلُ (مَعْقُولَةً وَكَانَ الْحَافِظُ نَاظِرًا إلَيْهَا بِحَيْثُ يَرَاهَا فَهِيَ مُحَرَّزَة وَإِنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مَشْغُولًا عَنْهَا فَلَا) حِرْزَ فَلَا قَطْع عَلَى السَّارِقِ مِنْهَا (فَإِنْ سَرَقَ مِنْ أَحْمَالِ الْجِمَالِ السَّائِرَةِ الْمُحَرَّزَة مَتَاعًا قِيمَتُهُ نِصَابٌ) قُطِعَ (أَوْ سَرَقَ الْحِمْلَ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ (وَإِنْ سُرِقَ الْجَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ قَطَعَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْإِبِلِ الَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ فَأَمَّا) الْإِبِلُ (الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَالْمَكَانِ الْمُحْصَنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الثِّيَابِ فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ وَحُكْمٌ سَائِرٌ
الْمَوَاشِي كَالْإِبِلِ) فِيمَا سَبَقَ (وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ) بِحَافِظٍ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا تَبْطُلُ الْمُلَاحَظَةُ بِفَتَرَاتِ وَأَعْرَاضٍ يَسِيرَةٍ بَلْ بِتَرْكِهِ وَرَاءَهُ (أَوْ) ثِيَابٍ (فِي أَعْدَالٍ وَ) حِرْزٍ (غَزْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ خَانَ وَمَا كَانَ مُشْتَرِكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِحَافِظٍ كَقُعُودِهِ عَلَى الْمَتَاعِ وَإِنْ فَرَّطَ حَافِظٌ فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ فَلَا قَطْعَ) عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ (وَيَضْمَنُ الْحَافِظُ) مَا ضَاعَ بِتَفْرِيطِهِ (وَلَوْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ) رَبُّ الْمَتَاعِ صَرِيحًا عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَإِنْ اسْتَحْفَظَ رَجُلٌ آخَرُ مَتَاعَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَسُرِقَ فَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ) لِتَفْرِيطِهِ.
(إنْ كَانَ الْتَزَمَ حِفْظَهُ وَأَجَابَهُ إلَى مَا سَأَلَهُ) صَرِيحًا (وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ لَكِنْ سَكَتَ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ) لِأَنَّهُ مَا قَبِلَ الِاسْتِيدَاعِ وَلَا قَبَضَ الْمَتَاعِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ (وَإِنْ حَفِظَ الْمَتَاعَ بِنَظَرِهِ إلَيْهِ وَقَرَّبَهُ مِنْهُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ.
(وَحِرْزُ كَفَنٍ مَشْرُوعٌ فِي قَبْرٍ عَلَى مَيِّتٍ وَلَوْ بَعُدَ) الْقَبْرُ (عَنْ الْعُمْرَانِ إذَا كَانَ الْقَبْرُ مَطْمُومًا الطَّمَّ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَهُوَ) أَيْ الْكَفَنُ (مِلْكٌ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا عَمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ (فَلَوْ عَدِمَ الْمَيِّتُ) وَبَقِيَ الْكَفَنُ (وُفِّيَتْ مِنْهُ دُيُونُهُ) وَيَزِيدُ بِهِ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ كَسَائِرِ مَالِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّت دَيْنٌ وَبَقِيَ كَفَنُهُ.
(فَهُوَ مِيرَاثٌ) كَبَاقِي أَمْوَالِهِ (فَمَنْ نَبَشَ الْقَبْرَ وَأَخَذَ الْكَفَنَ قُطِعَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَنْ عَائِشَةَ " سَارِقُ أَمَوَاتَنَا كَسَارِقِ أَحْيَاءَنَا " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38](وَالْخَصْمُ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ إنْ سُرِقَ وَنَحْوُهُ (الْوَرَثَةُ) لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي الْمُطَالَبَةِ (فَإِنْ عَدِمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فَنَائِبُ الْإِمَامِ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالْخَصْمُ فِيهِ إذَا سُرِقَ الْوَرَثَةُ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ وَأَمَّا لَوْ أُكِلَ الْمَيِّتُ وَنَحْوُهُ وَبَقِيَ الْكَفَنُ كَانَ لِمَنْ تَبَرَّعَ بِهِ دُونَ الْوَرَثَةِ كَمَا قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ.
لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَيِّت غَيْرُ مُمْكِنٍ فَهُوَ إبَاحَةٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِذَا زَالَتْ تَعَيَّنَ لِرَبِّهِ (وَإِنْ أَخْرَجَهُ) أَيْ الْكَفَنُ (مِنْ اللَّحْدِ وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجهُ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ) لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ (وَإِنْ كُفِّنَ رَجُلٌ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثَةِ لَفَائِفَ أَوْ) كُفِّنَتْ (امْرَأَةٌ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ) ثِيَابٍ (فَسُرِقَ الزَّائِدُ عَنْ ذَلِكَ) فَلَا قَطْعَ (أَوْ تُرِكَ) الْمَيِّتُ (فِي تَابُوتٍ فَسُرِقَ التَّابُوتُ) فَلَا قَطْعَ (أَوْ تُرِكَ مَعَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (طِيبٌ مَجْمُوعٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ جَوْهَرٌ
لَمْ يُقْطَعْ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) وَتَرْكُ غَيْرِهِ مَعَهُ تَضْيِيعٌ وَسَفَهٌ فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا بِالْقَبْرِ وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ غَيْرُ مَطْمُومٍ أَوْ أُكِلَ الْمَيِّتُ وَبَقِيَ كَفَنُهُ وَسَرَقَهُ سَارِقٌ فَلَا قَطْعَ.
(وَحِرْزُ جِدَارِ الدَّارِ كَوْنُهُ مَبْنِيًّا فِيهَا) أَيْ الدَّارِ (إذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَفِيهَا حَافِظٌ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَجْزَاءِ الْجِدَارِ أَوْ خَشَبِهِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَجَبَ قَطْعُهُ) لِأَنَّ الْحَائِطَ حِرْزٌ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ حِرْزًا لِنَفْسِهِ وَ (لَا) يُقْطَعُ (إنْ هُدِمَ الْحَائِطُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَتَاعَ فِي الْحِرْزِ بَلْ يُحَرَّمُ أَرْشُ الْهَدْمِ إنْ تَعَدَّى بِهِ (وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْ جِدَارِهَا شَيْئًا) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حِرْزًا لِمَا فِيهَا فَلِنَفْسِهَا أَوْلَى (وَحِرْزُ الْبَابِ تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ مُغْلَقًا كَانَ أَوْ مَفْتُوحًا) لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحْفَظُ (وَعَلَى سَارِقهِ الْقَطْعُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ مُحَرَّزَةً بِمَا ذَكَرْنَاهُ) بِأَنْ تَكُونَ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَفِيهَا حَافِظٌ (وَأَمَّا أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ فِي الدَّارِ فَإِنْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مُغْلَقًا فَهِيَ) أَيْ أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ (مُحَرَّزَةً مُغْلَقَةً كَانَتْ) أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ (أَوْ مَفْتُوحَةً وَإِنْ كَانَ) بَابُ الدَّارِ (مَفْتُوحًا لَمْ تَكُنْ) أَبْوَابُ الْخَزَائِنِ (مُحَرَّزَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُغْلَقَةً أَوْ يَكُونَ فِي الدَّارِ حَافِظٌ) يَحْفَظُهَا (وَحَلْقَةُ الْبَابِ إنْ كَانَتْ مُسَمَّرَةً فَهِيَ مُحَرَّزَةٌ) لِأَنَّهَا بِتَرْكِيبِهَا فِيهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعْضُهُ.
(فَإِنْ سُرِقَ بَابُ مَسْجِدٍ مَنْصُوبًا أَوْ بَابُ الْكَعْبَةِ الْمَنْصُوبِ أَوْ سُرِقَ مِنْ سَقْفِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (وَجِدَارِهِ أَوْ تَأْزِيرِهِ شَيْئًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ عَادَةً نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَمَا كَانَ مُنْفَكًّا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُحَرَّزٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ وَ (لَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ سَتَائِرِ الْكَعْبَةِ) الْخَارِجَةِ (وَلَوْ كَانَتْ مَخِيطَةً عَلَيْهَا) كَغَيْرِ الْمَخِيطَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ (وَلَا بِسَرِقَةِ قَنَادِيلِ مَسْجِدٍ وَحُصْرِهِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا جُعِلَ لِنَفْعِ الْمُصَلِّينَ كَالْقَفَصِ الْمَجْعُولِ لِوَضْعِ نِعَالِهِمْ (أَوْ كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ مِمَّا يَنْتَفِع بِهِ النَّاسُ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَسَرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ.
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرِ شَجَرٍ أَوْ) مِنْ (جِمَارِ نَخْلٍ وَهُوَ الْكُثْرُ) بِضَمِّ الْكَافِ (قَبْلَ إدْخَالِهِ الْحِرْزَ كَأَخْذِهِ مِنْ رُءُوسِ نَخْلٍ وَشَجَرٍ مِنْ بُسْتَانٍ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَحَافِظٌ وَيَضْمَنُ عِوَضُهُ مَرَّتَيْنِ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بُغْيَةً مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ» وَلِأَنَّ الثِّمَارَ فِي الْعَادَةِ تَسْبِقُ الْيَدُ إلَيْهَا فَجَازَ أَنْ تَغْلُظَ قِيمَتُهَا عَلَى سَارِقهَا رَدْعًا لَهُ وَزَجْرًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " غَيْرَ مُتَّخِذٍ خَبْنَةً " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ نُونٌ أَيْ غَيْرُ مُتَّخِذٍ مِنْهُ فِي حُجْرَتِهِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ) أَيْ الثَّمَرِ (نِصَابًا بَعْدَ إيوَائِهِ الْحِرْزَ كَجَرِينٍ وَنَحْوِهِ أَوْ سَرَقَ) نَصَّابًا مِنْ ثَمَرٍ (مِنْ شَجَرَةٍ فِي دَارٍ مُحَرَّزَةٍ قُطِعَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ: «وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ لَهُ (وَكَذَا الْمَاشِيَةُ تُسْرَقُ مِنْ الْمَرْعَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّزَةً تُضْمَنُ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا وَلَا قَطْعَ كَثَمَرٍ وَكُثْرٍ) احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ أَغْرَمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ نَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا.
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ (وَمَا عَدَاهُنَّ) أَيْ الثَّمَرِ وَالْكُثْرِ وَالْمَاشِيَةِ (يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا) لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ فَلَا يُجَاوَزُ بِهِ مَحَلَّ النَّصِّ (وَلَا قَطْعَ فِي عَامِ مَجَاعَةٍ عِلْمًا نَصًّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيه أَوْ مَا يَشْتَرِي بِهِ) قَالَ جَمَاعَةٌ مَا لَمْ يُبْذَلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ.
وَفِي التَّرْغِيبِ مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ (وَإِذَا سَرَقَ الضَّيْفُ مِنْ مَالِ مُضِيفِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِيهِ أَوْ) مِنْ (مَوْضِعٍ لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) لِعَدَمِ هَتْكِهِ الْحِرْزَ (وَإِنْ سَرَقَ) الضَّيْفُ (مِنْ مَوْضِعٍ مُحَرَّزٍ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ قِرَاهُ فَسَرَقَ بِقَدْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ أَخَذَ الْوَاجِبَ لَهُ أَشْبَهَ الزَّوْجَةَ وَالْقَرِيبَ إذَا أَخَذَا مَا وَجَبَ لَهُمَا (وَإِنْ لَمْ يَمْنَعهُ) الْمُضِيفُ قِرَاهُ الْوَاجِبَ لَهُ (قُطِعَ) إنْ سَرَقَ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لِلضَّيْفِ إذَنْ فِي مَالِ الْمُضِيفِ (وَإِذَا أَحْرَزَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَوْ) أَحْرَزَ الْوَدِيعُ (الْوَدِيعَةَ أَوْ) أَحْرَزَ الْمُسْتَعِيرُ (الْعَارِيَّةَ أَوْ) أَحْرَزَ الْوَكِيلُ (الْمَالَ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ فَسَرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ نَائِبِ مَالِكٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ مَالِكِهِ.
(وَإِنْ غَصَبَ) إنْسَانٌ (عَيْنًا أَوْ سَرَقَهَا وَأَحْرَزَهَا فَسَرَقَهَا سَارِقٌ) لَمْ يُقْطَعْ (أَوْ غَصَبَ بَيْتًا فَأَحْرَزَ) الْغَاصِبُ (فِيهِ مَالَهُ فَسَرَقَهُ مِنْهُ أَجْنَبِيُّ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ.