الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلُ وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ]
(فَصْلُ وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الْحَدَّ فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَالزِّنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّ " أَبَا بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ " فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُنَّ إسْلَامٌ وَأَمَّا نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلِيَّةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشُّيُوخَ وَلَا الْمَكَافِيفُ (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) لِأَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونَ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ وَالْمُمَيِّزَ وَإِنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالِاسْتِتَابَةِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» (مُخْتَارٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106](دُعِيَ إلَيْهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالِاسْتِتَابَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ) فِيهَا.
(وَحُبِسَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي قَالَ: " قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةٍ خَبَرٌ قَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَقَالَ مَا فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ عُمَرُ هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَأَسْقَيْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَرْضَ وَلَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي " رَوَاهُ مَالِكُ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ قُبِلَ اسْتِصْلَاحُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا الرَّأْيُ وَيَتَقَلَّبُ النَّظَرُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرِ مِنْهَا وَيَكُونُ الْقَتْلُ (بِالسَّيْفِ) لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» (إلَّا رَسُولُ الْكُفَّارِ إذَا كَانَ مُرْتَدًّا) فَلَا يُقْتَلُ (بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْكَذَّابِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّتِهِمَا فِي
الْجِهَادِ.
(وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ حُرًّا كَانَ الْمُرْتَدُّ أَوْ عَبْدًا) لِأَنَّهُ قُتِلَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَقَتْلِ الْحُرِّ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» لِأَنَّ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ لِكُفْرِهِ لَا حَدًّا (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ فِدَاءٍ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُرْتَدِّ بَلْ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَدَّ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ (بِلَا إذْنِهِ أَسَاءَ وَعُزِّرَ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ) الْقَاتِلُ الْمُرْتَدَّ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ غَيْرُ مَعْصُومٍ (سَوَاءٌ قَتَلَهُ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الْجُمْلَةِ وَرِدَّتُهُ مُبِيحَةٌ لِدَمِهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهَا (إلَّا أَنْ يَلْحَقَ) الْمُرْتَدُّ (بِدَارِ حَرْبٍ فَلِكُلِّ) أَحَدٍ (قَتْلُهُ) بِلَا اسْتِتَابَةٍ (وَأَخْذُ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ) لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا وَمَا تَرَكَهُ بِدَارِنَا مَعْصُومٌ نَصَّ عَلَيْهِ.
(تَتِمَّةٌ) فِي الْفُنُونِ فِي مَوْلُودٍ وُلِدَ بِرَأْسَيْنِ فَبَلَغَ وَنَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْكُفْرِ وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ إنْ كَانَا نَطَقَا مَعًا فَفِي أَيِّهِمَا يُغَلَّبُ؟ احْتِمَالَانِ وَالصَّحِيحُ إنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ.
(وَالطِّفْلُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَلَا إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا عَمْدًا عُدْوَانًا (وَإِنْ ارْتَدَّ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ جُنُونِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ (فَإِذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ تَابَ) تُرِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ عَقَلَ صَبِيٌّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إسْلَامُهُ) إنْ كَانَ مُمَيِّزًا لِإِسْلَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ صَبِيٌّ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَسَبْقِهِ وَقَالَ: " سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا صَبِيًّا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلُمِي " وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَمِنْ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ وَقَالَ عُرْوَةُ " أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ " وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَالصَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَادَةٌ مُحَصِّنَةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلِأَنَّ اللَّهَ دَعَاهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَعَلَ طَرِيقَهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ مِنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ وَسُلُوكِ طَرِيقِهَا لَا يُقَالُ الْإِسْلَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ وَنَفَقَةِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَحِرْمَانِ مِيرَاثَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَفَسْخِ نِكَاحِهِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ لِلْمَالِ وَالْمِيرَاثِ
وَالنَّفَقَةُ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ وَذَلِكَ مَجْبُورٌ بِحُصُولِ الْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِينَ وَسُقُوطِ نَفَقَةِ أَقَارِبِهِمْ الْكُفَّارِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ مَا يَحْصُل لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (رِدَّتُهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا) لِأَنَّ مَنْ صَحَّ إسْلَامُهُ صَحَّتْ رِدَّتُهُ.
(وَمَعْنَى عَقْلُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ رَبَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ) الْمُمَيِّزُ (حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ وَيَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ) كَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَعَ الْكُفَّارِ قَدْ يُفْضِي إلَى عَوْدِهِ لِلْكُفْرِ (وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (إذَا مَاتَ) بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَيَرِثهُ أَقَارِبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ (فَإِنْ قَالَ) الْمُمَيِّزُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْإِسْلَامِ (لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ أَوْ قَالَهُ كَبِيرًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) كَالْبَالِغِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ.
(وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَاصِ وَالزِّنَا.
(وَلَا) يُقْتَلُ (الصَّغِيرُ) إذَا ارْتَدَّ (حَتَّى يَبْلُغَ وَيُسْتَتَابَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ (فَإِنْ تَابَ) خُلِّيَ سَبِيلُهُ (وَإِلَّا قُتِلَ) بِالسَّيْفِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَسْلِمْ وَخُذْ أَلْفًا فَأَسْلَمَ فَلَمْ يُعْطِهِ) الْأَلِفَ (فَأَبَى الْإِسْلَامَ يُقْتَلُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَيَنْبَغِي) لِلْقَائِلِ (أَنْ يَفِيَ) بِمَا وَعَدَ بِهِ.
(وَقَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ) الْإِسْلَامُ (وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ) لِوُجُوبِهَا عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ (وَمِثْلُهُ إذَا أَسْلَمَ عَلَى الرُّكُوعِ دُون السُّجُودِ وَنَحْوِهِ) فَيُقْبَل مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَيُؤْمَرُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ.
(وَمَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانٌ صَحَّتْ رِدَّتُهُ) كَإِسْلَامِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ: " إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ " فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ حَدَّ الْفِرْيَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا فِي سُكْرِهِ وَاعْتَبَرُوا مَظِنَّتَهَا وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَصَحَّتْ رِدَّتُهُ كَالصَّاحِي (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَصْحُوَ) لِيَكْمُلَ عَقْلُهُ وَيَفْهَمَ مَا يُقَالُ وَتَزُولُ شُبْهَتُهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ جُعِلَ لِلزَّجْرِ.
(وَ) حَتَّى (تَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ صَحْوِهِ) لِيُسْتَتَابَ فِيهَا لِأَنَّ صَحْوَهُ أَوَّلُ زَمَنٍ صَارَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ (فَإِنْ تَابَ) خُلِّيَ سَبِيلُهُ (وَإِلَّا قُتِلَ) لِرِدَّتِهِ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَدَّ (قَاتِلٌ فِي حَالِ سُكْرِهِ أَوْ بَعْدِهِ قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ لَكِنْ يُعَزَّرُ (وَإِنْ مَاتَ) الْمُرْتَدُّ (فِي سُكْرِهِ أَوْ قُتِلَ مَاتَ كَافِرًا) لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ وَقَبْلَ تَوْبَتِهِ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُهُ أَقَارِبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي سُكْرِهِ وَلَوْ أَصْلِيًّا صَحَّ إسْلَامُهُ ثُمَّ يُسْأَلُ بَعْدَ صَحْوِهِ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى إسْلَامِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ مِنْ حِين إسْلَامِهِ) حَالَ سُكْرِهِ فَيَقْضِي الصَّلَاةَ مِنْ ذَلِكَ
الْوَقْتِ (وَإِنْ كَفَرَ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ الْآنَ) أَيْ مِنْ حِينِ كَفَرَ بَعْدَ صَحْوِهِ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَلَا تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا أَيْ فِي الظَّاهِرِ) بِحَيْثُ يُتْرَك قَتْلُهُمْ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِمْ (تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ) وَهُوَ الْمُنَافِقُ (وَهُوَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] وَالزِّنْدِيقُ لَا يُظْهَرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَتَبَيَّنَ بِهِ رُجُوعُهُ وَتَوْبَتُهُ لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَنْفِي الْكُفْرَ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لِمَا قَالَهُ حُكْمٌ لِأَنَّ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْدَفِعُ الْقَتْلُ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ وَيَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: مُلْحِدٌ أَيْ طَاعِنٌ فِي الْأَدْيَانِ (وَكَالْحُلُولِيَّةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ وَكَمَنْ يُفَضِّلُ مَتْبُوعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ) يَعْتَقِدُ (أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَالتَّحْقِيقُ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ أَوْ) يَعْتَقِدُ (أَنَّ الْعَارِفَ الْمُحَقِّقَ يَجُوزُ لَهُ التَّدَيُّنُ بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ) الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ كَالْمُنَافِقِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ تَوْبَةُ (مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: 90] وَالِازْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا مُتَجَدِّدًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ إيمَانٍ عَلَيْهِ.
وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَيْبَانَ بْنِ عِمَارَةَ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِك مَرَّةً فَزَعَمْتَ أَنَّكَ تُبْتَ وَأَرَاك قَدْ عُدْتَ فَقَتَلَهُ " وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الرِّدَّةِ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالدِّينِ (أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ صَرِيحًا أَوْ تَنَقَّصَهُ) لِأَنَّ ذَنْبَهُ عَظِيمٌ جِدًّا يَدُلّ مِنْهُ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم (وَلَا السَّاحِرُ الَّذِي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ) لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى إخْلَاصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ