الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْقَذْفِ]
(بَابُ الْقَذْفِ وَهُوَ الرَّمْيُ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ (عَلَيْهِ وَلَمْ تَكْمُل الْبَيِّنَةُ) بِذَلِكَ (وَهُوَ) مُحَرَّمٌ بَلْ (كَبِيرَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (مَنْ قَذَفَ وَلَوْ) كَانَ الْقَاذِفُ (أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ) .
أَيْ الْقَاذِفُ (مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ مُحْصَنٌ وَلَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَرِيضًا مُدْنِفًا) أَيْ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ (أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ حُدَّ حَرٌّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] .
(وَ) حَدُّ (قِنٍّ وَلَوْ عَتَقَ) بَعْدَ الْقَذْفِ (قَبْلَ حَدِّهِ أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ " أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْخُلَفَاءَ وَهَلُمَّ جَرًّا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ " رَوَاهُ مَالِكٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْآيَةِ.
(وَ) حَدُّ (مُعْتَقِ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا (سِوَى أَبَوَيْهِ) أَيْ الْمَقْذُوفُ (وَإِنْ عَلَوْا فَلَا يُحَدَّانِ بِقَذْفِ وَلَدٍ وَإِنْ نَزَلَ) نُصَّ عَلَيْهِ (كَقَوَدٍ وَلَا يُحَدَّانِ) أَيْ الْأَبَوَانِ (لَهُ) لِوَلَدِهِمَا وَإِنْ نَزَلَ فِي قَذْفِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَا يَرِثُ الْوَلَدُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَبَوَيْهِ كَمَا لَا يَرِثُ الْقَوَدَ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ قَذَفَ أُمَّ ابْنِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ) أَيْ الْقَاذِفُ أَيْ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ (فَمَاتَتْ) الْمَقْذُوفَةُ (قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لَمْ يَكُنْ لِابْنِهِ الْمُطَالَبَةُ) بِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ بِقَذْفِهِ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى وَكَالْقَوَدِ (فَإِنْ كَانَ لَهَا) أَيْ الْمَقْذُوفَةَ (ابْنٌ آخَرَ
مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ (كَانَ لَهُ) أَيْ ابْنِهَا الْآخَرِ، (اسْتِيفَاؤُهُ فَلَهُ إذَا مَاتَتْ بَعْدُ الْمُطَالَبَةُ) لِتَبَعُّضِهِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ.
(وَيُحَدُّ الِابْنُ بِقَذْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِنْ عَلَوْا) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَمَا يُقَادُ بِهِمْ (وَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ (بِقَذْفٍ عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ) بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَيْ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَأَجْنَبِيٍّ.
(وَيُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ) بِالْقَذْفِ (مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ) لِلْقَاذِفِ (وَاسْتِدَامَةُ الطَّلَبِ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بِأَنْ لَا يَعْفُو) فَلَا يُحَدُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا.
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لَا يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ (مَا قَذَفَهُ بِهِ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] .
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْمَقْذُوفُ) فَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ أَبْلَغَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
(وَ) يُشْتَرَط أَيْضًا (أَنْ لَا يُلَاعِنَ الْقَاذِفُ) الْمَقْذُوفَ (إنْ كَانَ) الْقَاذِفُ (زَوْجًا) فَإِنْ لَاعَنَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ (وَهُوَ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ (حَقٌّ لِآدَمِيٍّ) يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ) الْمُنْكِرُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ (وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ) أَيْ الْمُقِرِّ بِالْقَذْفِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَذْفِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ إذَا أَقَرَّ بِهَا بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
(وَيَسْقُطُ) حَدُّ الْقَذْفِ بِالْعَفْوِ (عَنْ بَعْضِهِ) فَلَوْ قُذِفَ جَمَاعَةٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَفَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ وَيُسْتَوْفَى لَهُ كَامِلًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ (وَإِنْ قَالَ، اقْذِفْنِي عُزِّرَ الْقَاذِفُ فَقَطْ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً وَلَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ (وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ اسْتِيفَاءُ بِنَفْسِهِ) فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدَّ (وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَمُشْرِكٍ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ وَلَوْ كَانَ الْقَاذِفُ سَيِّدَهُ وَمُسْلِمٍ لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ وَمُسْلِمَةٍ لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ وَمَنْ لَيْسَ بِعَفِيفٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَقَطْ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ وَكَفَالَةً عَنْ أَذَاهُمْ (وَحَقُّ طَلَبِ تَعْزِيرِ الْقِنِّ إذَا قُذِفَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ (لَا لِسَيِّدِهِ) فَلَا يُطَالَبُ بِهِ سَيِّدُهُ.
(وَالْمُحْصَنُ هُنَا) أَيْ فِي الْقَذْفِ غَيْرُ الْمُحْصَنِ فِي بَابِ الزِّنَا (وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ (الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا) أَمَّا اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ حُرِّيَّتُهُمَا لَا تَنْهَضُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَرَدَتْ فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُعَيَّرُ بِالزِّنَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَغَيْرُ الْعَاقِلِ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَا فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يُشِينُهُ الْقَذْفُ وَالْحَدُّ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجَلِ ذَلِكَ وَقَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَ وَأَمَّا كَوْنه يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَلِأَنَّ مَنْ دُونَهُ لَا يُعَيَّرُ بِالْقَذْفِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْصَنِ الْعَدَالَةَ فَلَوْ كَانَ فَاسِقًا لِشُرْبِهِ الْخَمْر أَوْ الْبِدْعَةَ وَلَمْ يُعْرَفْ بِالزِّنَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ (وَلَوْ تَائِبًا مِنْ زِنًا) فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا (أَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (مُلَاعِنَةً) فَيُحَدُّ قَاذِفُهَا كَغَيْرِهَا (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمُلَاعِنَةُ (وَوَلَدُ زِنًا كَغَيْرِهِمَا فَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَهُمَا) إذَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ كَغَيْرِهِمَا.
(وَمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ وَلَدِ الْمُلَاعِنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا (أَوْ) ثَبَتَ زِنَاهُ (مِنْ غَيْرِهِمَا بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ لِلْآيَةِ (أَوْ شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِزِنَاهُ (شَاهِدَانِ) فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4](أَوْ أَقَرَّ) الْمَقْذُوفَ (بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا (وَلَوْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ) فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ (أَوْ حُدَّ لِلزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفَةِ) لِعَدَمِ إحْصَانِهِ (وَيُعَزَّرُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَالَ لِمَنْ زَنَى فِي شِرْكِهِ أَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ (بَعْد أَنْ أَسْلَمَ يَا زَانِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالزِّنَا فِي شِرْكِهِ أَوْ بِتَزَوُّجِهِ بِذَاتِ مَحْرَمِهِ لِأَنَّهُ صَادِقُ (وَيُعَزَّرُ) لِإِيذَائِهِ لَهُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْذُوفِ الْبُلُوغَ بَلْ) أَنْ (يَكُونَ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأَ كَابْنِ عَشْرٍ) فَأَكْثَرَ (وَابْنَةِ تِسْعٍ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِمَا وَيُعَيَّرَانِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا جُعِلَ عَيْبًا فِي الرَّقِيقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَر سَلَامَتُهُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَاذِفِ ابْن عَشْرٍ وَنَحْوِهِ (الْحَدُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبَ بِهِ) أَيْ الْحَدُّ (بَعْدَ بُلُوغِهِ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ (الْمُطَالَبَةَ عَنْهُ) بِالْحَدِّ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ التَّشَفِّي (وَكَذَا لَوْ جُنَّ الْمَقْذُوفُ) قَبْلَ الطَّلَبِ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ) بِالْحَدِّ لَمْ يُقَمْ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى يُفِيقَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبُهُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ لِمَا سَلَفَ.
(وَإِنْ كَانَ) جُنُونُهُ أَوْ إغْمَاؤُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الطَّلَبِ، (أُقِيمَ) الْحَدُّ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ (كَمَا لَوْ وُكِّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ جُنَّ) مُسْتَحَقُّهُ جُنُونًا غَيْرَ مُطْبَقٍ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وَكِيلَهُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبَقًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ.
(وَإِنْ قَذَفَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ أَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّلَبُ.
(وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ
مَجْنُونًا أَوْ مُبَرْسَمًا أَوْ نَائِمًا أَوْ صَغِيرًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ (بِخِلَافِ السَّكْرَانَ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ) مُحْصَنَةٍ (زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعٍ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ إنَّمَا وَجَبَ لِمَا يَلْحَقُ بِالْمَقْذُوفِ مِنْ الْعَارِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِلصِّغَرِ (وَيُعَزَّرُ) زَادَ فِي الْمُغْنِي إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحَدٍّ طُلِبَ لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ.
(وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ صَغِيرًا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ) أَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا فَقَالَ لَهُ زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ وَفَسَّرَهُ بِمَا دُونَ الْعُشْرِ لِمَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَ (فَسَّرَهُ بِتِسْعٍ فَأَكْثَرَ مِنْ عُمْرِهَا) حُدَّ (أَوْ) قَالَ لِمُحْصَنٍ: زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ وَفَسَّرَهُ (بِعَشْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ عُمْرِهِ حُدَّ) لِعَدَمِ اشْتِرَاط الْبُلُوغِ.
(وَإِنْ قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ كُنْتَ أَنْتَ صَغِيرًا حِين قَذَفْتُك فَقَالَ) الْمَقْذُوفُ (بَلْ) كُنْتَ (كَبِيرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرَ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْحَدِّ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ مُؤَرِّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُمَا قَذْفَانِ يُوجِبَانِ التَّعْزِيرَ وَالْحَدَّ) أَيْ الْقَذْفُ فِي الصِّغَرِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَالْقَذْفُ فِي الْكِبْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ إعْمَالًا لِلْبَيِّنَتَيْنِ (وَإِنْ بَيَّنَتَا تَارِيخًا وَاحِدًا) فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: قَذَفَهُ فِي أَوَّلِ مُحَرَّمٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ مَثَلًا (فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا وَهُوَ صَغِيرٌ وَقَالَتْ الْأُخْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا) لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
(وَكَذَا لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ) الشَّاهِدَةِ بِكِبَرِهِ (قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ) الشَّاهِدِ بِالصِّغَرِ فَتَعَارَضَتَا، وَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَاذِفِ: أَنَّ الْقَذْفَ كَانَ فِي صِغَرِ الْمَقْذُوفِ وَالْمُرَادُ بِالصِّغَرِ مَا دُونَ عَشْرٍ فِي الذَّكَرِ وَتِسْعٍ فِي الْأُنْثَى كَمَا يُعْلَم مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ) أَوْ نَحْوُهَا (أَوْ أَمَةٌ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حُدَّ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ فِي وَصْفِهَا بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) ذَلِكَ (وَأَمْكَنَ) أَنْ تَكُون كَذَلِكَ (حُدَّ أَيْضًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَكَذَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهَا وَأَنْكَرَتْهُ) فَيُحَدُّ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهُ وَأَنْكَرَهُ وَتَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ (وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ) أَيْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً (لَمْ يُحَدَّ) لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْقَذْفِ (وَإِنْ قَالَتْ أَرَدْتَ قَذْفِي الْحَالَ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحَدُّ) وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةً فَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي بِالزِّنَا وَالشِّرْكِ فَقَالَ) الْقَاذِفُ.
(بَلْ أَرَدْتُ قَذْفَكِ بِالزِّنَا إذْ كُنْتِ مُشْرِكَةً فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي نِيَّتِهِ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ (وَهَكَذَا إنْ قَالَ) لِحُرٍّ (زَنَيْتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ) فَقَالَ: أَرَدْتَ قَذْفِي بِالزِّنَا وَالرِّقِّ فَقَالَ: بَلْ أَرَدْتُ قَذْفَكَ بِالزِّنَا إذْ كُنْتَ