الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ.
(وَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ (فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ (وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ أُقِيمَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ) مِنْ دَار الْحَرْبِ لِمَا سَبَقَ (تَتِمَّةٌ) الْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ.
[بَابُ حَدّ الزِّنَا]
(بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32] وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ حَدُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ فِي الْبَيْتِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «خُذُوا عَنِّي الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ طَرِيقُهُ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ هَذَا نَسْخًا إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَبْيِينٌ لَهُ وَلَكِنْ أَنْ يُقَالَ نَسْخُهُ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْجَلْدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّجْمُ كَانَ فِيهِ فَنُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ (إذَا زَنَا مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يَمُوتَ) حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ الْخَبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَهُ لَوْ كَانَتْ
فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيُظْهِر بِهِ مِقْدَارَ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ صلى الله عليه وسلم إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ وَهُوَ أَدْنَى طَرِيقٍ إلَى الْوَحْي وَأَقَلَّهَا (وَيَتَّقِي) الرَّاجِمُ (الْوَجْهَ) لِشَرَفِهِ.
(وَلَا يَجْلِدُ) الْمَرْجُومَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَأْمُرْ بِجِلْدِهَا وَكَانَ هَذَا آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ وَلِأَنَّهُ حُدَّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يَنْفِي) الْمَرْجُومُ قَبْلَ رَجْمِهِ (وَتَكُونُ الْحِجَارَةُ) فِي الرَّجْمِ (مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخِنَ الْمَرْجُومَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ وَلَا أَنْ يُطَوِّلَ عَلَيْهِ بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ.
(وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلهَا وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ مَقْطُوعهَا (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بَالِغَانِ عَاقِلَانِ حُرَّانِ مُلْتَزِمَانِ فَهُمَا مُحْصَنَانِ) يُرْجَمُ مَنْ زَنَى مِنْهُمَا بِشُرُوطِهِ وَدَخَلَ فِي الْمُلْتَزِمِينَ الذِّمِّيَّانِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي لُزُوم الْحَدِّ لَا فِي حُصُولِ الْإِحْصَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ وَيَثْبُتُ لِمُسْتَأْمَنِينَ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْإِحْصَانِ (وَلَوْ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُحْصِنْ أَحَدَ الْمَوْطُوءَيْنِ فَلَمْ يُحْصِنْ الْآخَرَ كَالتَّسَرِّي (فَإِنْ عَتَقَا وَعَقِلَا وَبَلَغَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بَعْدَ النِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ) بِالْوَطْءِ بَعْد الْعِتْقِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمهُ وَطْءٌ آخَرُ.
(وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِين) وَهُوَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُهُ (وَلَا) بِوَطْءٍ (فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِمَا سَبَقَ (وَلَا فِي نِكَاحٍ خَالٍ عَنْ الْوَطْء) فِي الْقُبُلِ (سَوَاء حَصَلَتْ فِيهِ) الشَّهْوَةُ (أَوْ وَطِئَ فِيمَا دُون الْفَرْجِ أَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَاعْتَبَرَ الثُّيُوبَةَ وَلَا تَحْصُلُ بِالْعَقْدِ.
(وَيَثْبُتُ) الْإِحْصَانُ (لِمُسْتَأْمَنَيْنِ كَذِمِّيَّيْنِ وَلَوْ مَجُوسِيَّيْنِ لَكِنْ لَا يَصِيرُ الْمَجُوسِيُّ مُحْصَنًا بِنِكَاحِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتَهُ (فَلَوْ زَنَى أَحَدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَجَبَ الْجَلْدُ)
«لِأَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُ الْإِمَامُ إقَامَةَ حَدِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) لِالْتِزَامِهِمْ حُكْمِنَا (وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38](وَلَا يَسْقُطُ) حَدٌّ عَنْ ذِمِّيٍّ (بِإِسْلَامِهِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى مُسْتَأْمَنٍ نَصًّا) قُلْتُ وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِحُكْمِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ.
(قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ الزِّنَا (يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ سِوَاهُ انْتَهَى وَهَذَا إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ وَأَمَّا إنْ زَنَى) الْمُسْتَأْمَنُ (بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَالْحَرْبِيِّ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَكَحَدِّ الْخَمْرِ) فَلَا يُقَامُ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ (وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَ مَا وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهُ) وَلَا يُرْجَمُ إذَا زَنَى لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَاحْتِمَالِهِ وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ (وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ فَأَنْكَرَتْ) الْمَرْأَةُ (أَنْ يَكُونَ) زَوْجُهَا (وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا) لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا أَوْ بَاضَعْتُهَا وَيَثْبُتُ إحْصَانُهَا بِقَوْلِهَا إنَّهُ جَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا أَوْ وَطِئَهَا وَإِنْ قَالَتْ) الزَّوْجَةُ أَنَّهُ (بَاشَرَهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ قَالَهُ هُوَ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَّهُ بَاشَرَهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا (فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْإِحْصَانُ) لِأَنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ فِيهِمَا دُون الْفَرْجِ كَثِيرًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ الَّذِي يُدْرَأُ بِالِاحْتِمَالِ وَقَالَ فِي الْمُبْدِع وَالْأَشْهَرُ أَوْ دَخَلْتُ بِهَا أَيْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِذَا جُلِدَ الزَّانِي عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ فَبَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ) إلَى أَنْ يَمُوتَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لِأَنَّهُ حَدُّهُ وَالْجَلْدُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.
(وَإِذَا رُجِمَ الزَّانِيَانِ الْمُسْلِمَانِ غُسِّلَا وَكُفِّنَا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمَا وَدُفِنَا) مَعًا، كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَفِيهِ:«فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَإِذَا زَنَى الْحُرُّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ جُلِدَ مِائَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2](وَغُرِّبَ عَامًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا
ذَلِكَ بِالْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (إلَى مَسَافَةٍ الْقَصْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَضَرِ (فِي بَلَدٍ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّ التَّغْرِيبَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ التَّغْرِيبَ إلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَعَلَ) لِتَنَاوُلِ الْحَبَرِ لَهُ.
(وَالْبَدْوِيُّ يُغَرَّبُ عَنْ حِلَّتِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَقَوْمِهِ) إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ (وَلَا يُمَكَّنُ) الْبَدْوِيُّ (مِنْ الْإِقَامَةِ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ لِيَحْصُلَ التَّغْرِيبُ (وَلَوْ عَيَّنَ السُّلْطَانُ جِهَةً لِتَغْرِيبِهِ وَطَلَبَ الزَّانِي جِهَةً غَيْرَهَا تَعَيَّنَ مَا عَيَّنَهُ السُّلْطَانُ) لِأَنَّ إقَامَتَهُ لِلسُّلْطَانِ لَا لِلزَّانِي (وَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ (وَلَا يُحْبَسُ) الْمُغَرَّبُ (فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (فَإِنْ عَادَ) الْمُغَرَّبُ (مِنْ تَغْرِيبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ أُعِيدَ تَغْرِيبُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الْحَوْلَ مُسَافِرًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَتَغْرِيبُ عَامٍ» (وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى) قَبْلَ عَوْدِهِ، فَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِزِيَادَتِهِ إذَنْ عَنْ الْعَامِ.
(وَتُغَرَّبُ امْرَأَةٌ مَعَ مَحْرَمٍ وُجُوبًا إنْ تَيَسَّرَ) لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ أَشْبَهَ سَفَرَ الْحَجِّ (فَيَخْرُجُ) الْمَحْرَمُ (مَعَهَا حَتَّى يُسْكِنَهَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَجَعَ) الْمَحْرَمُ (إذَا أَمِنَ عَلَيْهَا) لِانْقِضَاءِ السَّفَرِ (وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) الْمَحْرَم (مَعَهَا) حَتَّى يَنْقَضِيَ الْعَامُ (وَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ (الْخُرُوجَ مَعَهَا) إلَّا بِأُجْرَةٍ (بَذَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَعُونَةِ سَفَرِهَا أَشْبَهَ الْمَرْكُوبُ وَالنَّفَقَةَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخْذَ الْأُجْرَةِ مِنْهَا (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَشْبَهَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ (الْخُرُوجَ مَعَهَا نُفِيَتْ وَحْدَهَا) قَالَ فِي التَّرْغِيب وَغَيْرِهِ مَعَ الْأَمْنِ (كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ) الْمَحْرَمُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِهِ (كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَسَفَرِ الْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ) وَتَقَدَّمَ (وَقِيلَ تَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً ثِقَةً اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَكُونُ مَعَهَا لِأَجْلِ حِفْظِهَا وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ.
(وَإِذَا زَنَى الْغَرِيبُ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ غَيْرُ وَطَنِهِ) لِيَكُونَ تَغْرِيبًا (وَإِنْ زَنَى) الْمُغَرَّبُ (فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ، وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ مُدَّةِ) التَّغْرِيبِ (الْأَوَّلِ فِي) التَّغْرِيبِ (الثَّانِي لِأَنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَا) كَمَا سَبَقَ انْتَهَى.