الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجر المعلم:
هناك خلط وسوء فهم في الكتابات العربية عن أجر المعلم وهل يجوز للمعلم أن يأخذ أجرا عن التعليم أم لا. ويرجع هذا الخلط إلى عدم التمييز أو التفرقة بين أخذ المعلم أجرا عن التعليم من المتعلم وبين أخذه أجرا عن التعليم كمهنة يتعيش منها من أولي الأمر. ومن قصد المعنى الأول من علماء المسلمين قال بعدم أخذ المعلم أجرا عن التعليم وإنما يبتغي به مرضاة الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "قل لا أسألكم عليه من أجر. إن أجري إلا على الله". ومن ذهب إلى هذا القول قلة من علماء المسلمين منهم الغزالي والجيطالي. ومن قصد المعنى الثاني من علماء المسلمين قالوا بأن المعلم يستحق أجرا على تعليم القرآن وغيره وذلك استنادا إلى ما ورد في الأثر: "أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى". وذهب كل من ابن سحنون والقابسي وغيرهما إلى القول بهذا الرأي، ومنهم الغزالي أيضا عند قصد هذا المعنى إذ يقول: "للمدرس أن يأخذ ما يكفيه ليفرغ قلبه عن المعيشة وليتجرد لنشر العلم فيكون مقصوده نشر العلم وثواب الآخرة. ويأخذ الرزق بلغة ميسرة للمقصود أي مساعدة له على العيش والحياة. ويبرز القابسي إعطاء المعلم أجرا عن التعليم بقوله: لو اعتمد الناس على التطوع لضاع كثير من الصبيان ولما تعلم القرآن كثير من الناس فتكون هي الضروروة القائدة إلى السقوط في فقد القرآن من الصدور، والداعية إلى تثبيت أبناء المسلمين بالجهالة فلا وجه لتضييق ما لم يأت فيه ضيق.
ويروى عن ابن مسعود قوله: ثلاثة لا بد للناس منهم: أمير يحكم بينهم ولولاه لأكل بعضهم بعضا، وشراء المصاحف وبيعها ولولاه لقل كتاب الله، ومعلم يعلم أولادهم ويأخذ على ذلك أجرا ولولا ذلك لكان الناس أميين. ويروى أيضا أن سعد بن مالك قدم برجل من العراق يعلم أبناءهم الكتاب بالمدينة ويعطونه الأجر. ويروى عن مالك قوله: لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن وإن اشترط شيئا كان حلالا جائزا ولا بأس بالاشتراط في ذلك، وحق الختمة سواء اشترطها أم لم يشترطها. وهذه كلها أمثلة تؤكد استحقاق المعلم للأجر على اشتغاله بالتعليم.
وكان الإمام مالك وجميع علماء المدينة يجيزون أخذ الأجر على تعليم الصبيان القرآن والكتابة. فقد ورد عن ابن وهب صاحب الموطأ قوله: "سئل مالك عن الرجل يجعل للرجل عشرين دينارا يعلم ابنه الكتاب والقرآن حتى يحذقه. فقال: لا بأس بذلك وإن لم يضرب أجلا. ثم قال: "والقرآن أحق
ما يعلم" وقد ورد في فتح الباري بشرح البخاري 5/ 360 "كتاب الإجازة" قول الحكم: "لم أسمع أحدا كره أجر المعلم".
وأورد ابن وهب في موطئه عن عبد الجبار بن عمر قوله: كل من سألت بالمدينة لا يرى لتعليم المعلمين بالأجر بأسا. وهناك أمثلة واقعية لمعلمين كانوا يأخذون أجرا على تعليمهم من أشهرهم المبرد الذي كان لا يعطي الدروس مجانا وكان الزجاج يدفع إليه درهما في اليوم لقاء تعليمه.
وقد رد الطهطاوي في العصور الحديثة على من قال بعدم جواز أخذ أجر عن التعليم، وذهب مذهب جمهور المسلمين في القول بأن يأخذ المعلم أجرا على التعليم، وقد كان المعلم في العصور الإسلامية ولا سيما معلم الكتاب يأخذ أجرا يتفق عليه من أولياء الأمور وكان هذا الأجر يدفع عادة إما مشاهرة "بالشهر" أو مساناة "أي بالسنة". وقد يكون نقديا بالمال أو عينيا بالغلال والحبوب وغيرها من الخيرات أو بهما معا. وقد يترك أمر الأجر لتقدير الآباء وحسب كرمهم وأريحيتهم.
أما المعلمون أو العلماء الذين كان يعينهم الولاة والحكام في مدارسهم التي كانوا ينشئونها كالفاطميين في مصر ونظام الملك في بغداد ونور الدين زنكي في الشام وصلاح الدين الأيوبي في مصر فكانت لهم أجور منتظمة تدفع لهم من خزانة الدولة ومن بيت المال.
وهناك اختلاف بين المؤرخين حول مسألة بدء ترتيب أجور منتظمة للعلماء والمعلمين. فهناك رأي يقول: إن نظام الملك هو أول من رتب الأجور للعلماء والمدرسين في مدارسه النظامية، ورأي آخر يقول: إن ترتيب الأجور للمعلمين بدأ قبل نظام الملك. وهناك رأي يقول: إن الفاطميين أول من رتب أجور منتظمة للعلماء والمعلمين ولكن من المعروف أن العباسيين شيدوا بيت الحكمة في بغداد، وعينوا له العلماء والمترجمين والنساخ ورتبوا لهم المرتبات والأجور. ومن بعدهم بني الفاطميين الأزهر لخدمة المذهب الشيعي ووكلوا إلى رجالهم وعلمائهم الإشراف عليه وتوجيهه.
ثم أنشأ نظام الملك عدة مدارس عرفت باسمه أشهرها نظامية بغداد وكان
الهدف من إنشائها مقاومة المذهب الشيعي الذي كان منتشرا في عهد البويهيين، وعملت هذه المدارس على ترويج المذهب السني. وقد عين لهذه المدراس العلماء والمعلمون ورتبت لهم المرتبات والأجور. ويصدق ذلك أيضا على المدارس التي أنشأها كل من نور الدين زنكي في الشام وصلاح الدين الأيوبي في مصر، فكانت هذه المدارس تروج لمذهب فقهي معين تسير الدراسة وفقا له ويقوم بالتدريس فيها علماء المذهب وشيوخه.
ولم يكن التعليم هو الوسيلة أو المهنة التي يعتمد عليها المعلم في كسب رزقه إذ كان لكل معلم مهنته الخاصة. وقد قام أحد الباحثين الأجانب1 بإحصاء للعلماء المسلمين في القرنين الثالث والرابع للهجرة فوجد أن 75% منهم كانوا من التجار وأصحاب الحرف. فالزجاج كان يعمل في خرط الزجاج. وكان أبو حنيفة خزازا يبيع الخز وكان الواقدي يضارب بالحنطة. ولذلك نجد أن معظم العلماء كانوا في حالة الاكتفاء من الناحية المادية بل إن بعضهم كان من الموسرين لدرجة أنه كان يساعد طلابه المجتاجين. وكان هناك بالطبع عدد قليل من العلماء الفقراء الذين كانوا يتلقون العون والمساعدة من الخلفاء والأعيان.
1 انظر: تاريخ التعليم عند المسلمين: ترجمة د. سامي الصفار.