الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل شيء فترة -أي سكون بعد نشاط- فمن كانت فترته إلى العلم فقد نجا".
ويورد الماوردي سببا ثالثا يمنع كبير السن عن طلب العلم هو ما يظنه من صعوبته. يقول في ذلك وربما منعه "كبير السن" من طلب العلم ما يظنه من صعوبته وبعد غايته ويخشى من قلة ذهنه وبعد فطنته. وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخيفة أهل العجز. لأن الإخبار قبل الاختيار جهل، والخشية قبل الابتلاء عجز. وقد قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه: أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال: كفى بترك العلم إضاعة
…
ولا ينبغي لمن قل حظه أن ييأس من نيل القليل وإدراك اليسير الذي يخرج به من حد الجهالة إلى أدنى مراتب التخصيص فإن الماء مع لينه يؤثر في صم الصخور فكيف لا يؤثر العلم الزكي في نفس راغب شهي وطالب خلي "خالي من التردد" لا سيما وأن طالب العلم معان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب".
وهكذا يرى الماوردي أسباب ثلاثة لعزوف الكبير عن طلب العلم والسعي فيه هي الاستحياء والخوف من التقصير والانشغال بالحياة وكسب العيش وصعوبة التعليم وتحصيل العلم. وهي نفس الأسباب التي يتحدث عنها أساتذة تعليم الكبار والباحثين فيه في العصر الحديث.
أسباب التقصير في طلب العلم:
يورد الماوردي عدة أسباب للتقصير في طلب العلم وهو يصفها بأنها أسباب فاسدة ودواع واهية هي:
1-
أن يكون في نفس طالب العلم أغراض تختص بنوع من العلم، فيدعوه الغرض إلى قصد ذلك النوع ويعدل عن مقدماته، كرجل يؤثر القضاء ويتصدى للحكم فيقصد من علم الفقه إلى أدب القاضي وما يتعلق به من الدعوى والبينات، أو يحب الاتسام بالشهادة فيتعلم كتاب الشهادات، لئلا يصير موسوما بجهل ما يعاني، فإذا أدرك ذلك ظن أنه قد حاز من العلم جمهوره وأدرك منه مشهوره. ولم ير ما بقي منه إلا غامضا طلبه عناء، وعويصا استخراجه فناء، لقصور همته على ما أدرك، وانصرافها عما ترك، ولو نصح نفسه لعلم أن ما ترك أهم مما أدرك، لأن بعض العلم مرتبط ببعض ولكل باب منه تعلق بما قبله فلا تقوم الأواخر إلا بأوائلها.
2-
أن يحب طالب العلم الاشتهار به، أي يقصده طلبا للشهرة أو التكسب أو التجمل، فيقصد من العلم ما اشتهر من مسائل الجدل وطريق النظر، ويتعاطى علم ما اختلف فيه دون ما اتفق عليه، ليناظر على الخلاف وهو لا يعرف الوفاق ويجادل الخصوم وهو لا يعرف مذهبا مخصوصا
…
وهذه طريقة من يقول اعرفوني وهو غير عروف "عارف" ولا معروف. وهي أيضا طريقة الديماجوجيين والمغالطين المكابرين في الحق، وطريقة كل من يقول خالف تعرف.
3-
أن يغفل طالب العلم عن التعلم في الصغر ثم يشتغل به في الكبر فيستحيي أن يبتدئ بما يبتدئ به الصغير، ويستنكف أن يساويه الحدث الغرير. فيبدأ بأواخر العلوم وأطرافها، ويهتم بحواشيها وأكنافها، ليتقدم على الصغير المبتدئ ويساوي الكبير المنتهي. وهذا ممن رضي بخداع نفسه. وقنع بمداهنة حسه.
وقد قال الشاعر:
ترق إلى صغير الأمر حتى
…
يرقيك الصغير إلى الكبير
فتعرف بالتفكير في صغير
…
كبيرا بعد معرفة الصغير
ولهذا المعنى وأشباهه كان التعلم في الصغر أحمد كما يقول الماوردي. وهو يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: قلب الحدث كالأراضي الخالية. ما ألقي فيها من شيء قبلته. وإنما كان ذلك لأن الصغير أفرغ قلبا وأقل شغلا وأيسر تبذلا وأكثر تواضعا. وقد قيل في منثور الحكم المتواضع من طلاب العلم أكثرهم علما كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء.
ويورد الماوردي ما حكي عن الأحنف بن قيس أنه سمع رجلا يقول: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر. فقال الأحنف: الكبير أكثر عقلا ولكنه أشغل قلبا. وقد قال بعض الحكماء: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقي
في ذلك الجهل أبدا. وقال بعض حكماء الفرس: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب، قعدت وأنت كبير حيث لا تحب.
4-
أن يكون طالب العلم كثير الشهوات مقسم الأفكار.
5-
أن تحل بطالب العلم الهموم المذهلة والطوارق المزعجة وقد قيل في منثور الحكم الهم قيد الحواس.
6-
أن تكثر أشغال طالب العلم لدرجة أنها تستوعب زمانه وتستغرق كل وقته. فإذا كان ذا يابسة ألهته وإن كان ذا معيشة قطعته. ولذلك قيل "تفقهوا قبل أن تسودوا" أي تعلموا قبل أن يصيروا سادة في قومكم فتمنعكم الأنفة عن التعلم فتعيشوا جهالا. وينسب هذا القول إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال بزر جمهر: الشغل مجهدة والفراغ مفسدة فينبغي لطالب العلم ألا يني في طلبه. وينتهز الفرصة به. فربما شح الزمان بما سمح وضن بما فتح. ويبتدئ من العلم بأوله ويأتيه من مدخله
…
ولا ينبغي أن يترك ما استصعب عليه
…
لأن العلم طلبه صعب على من جهله، سهل على من علمه
…
وقد قال بعض الحكماء العلوم مطلعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور
…
وقد قال بعض العلماء: من أكثر المذاكرة بالعلم، لم ينس ما علم واستفاد ما لم يعلم.