الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية: مرحلة العصر الذهبي أو الازدهار
مقدمة تاريخية:
في هذه الفترة من التربية الإسلامية بلغت أملاك الإسلام أقصى حدودها من المحيط الأطلسي في أقصى الغرب إلى حدود الصين في أقصى الشرق ومن وسط آسيا في الشمال إلى وسط إفريقيا في الجنوب، وامتد الإسلام في أوربا حتى جبال البرانس وبلاد الغال جنوب فرنسا. وصهرت أمم هذه الأقطار الواسعة البالغة، الكثيرة في بوتقة الإسلام فأسهمت في حضارة تعد من أسطع ما عرف العالم من الحضارات الفكرية والمادية على السواء.
وكان أكثر أدوار الحضارة الإسلامية ازدهارا هو دور الخلافة العباسية ببغداد التي امتدت خمسة قرون "750-1258" ودور الأمويين بإسبانيا "711-1492" الذي امتد ما يقرب من ثمانية قرون.
يقول غوستاف لوبون "كانت بغداد وقرطبة هما القاعدتان اللتان كان السلطان فيهما للإسلام من مراكز الحضارة التي أضاءت العالم بنورها الوهاج" ولهذا سنخصص في هذه المقدمة التاريخية الكلام عن الدولة الإسلامية في المشرق والدولة الإسلامية في المغرب.
أولا: الدولة الإسلامية في المشرق:
ترتبط هذه الفترة التاريخية في المشرق بالدولة العباسية كما قلنا. وفي هذه الفترة انتشرت اللغة العربية في جميع أنحاء آسيا انتشارا سريعا فحلت محل اللغات القديمة بها حتى أصبحت اللغة العربية بالنسبة لدول المشرق كاللاتينية بالنسبة لدول الغرب. وقد تمكن العباسيون بفضل الازدهار الذي غمرهم من القيام بكثير من الأعمال العظيمة ذات النفع العام في شتى الميادين، منها شق الطرق التي تربطها جميع البلاد وإنشاء مرابط للخيل والاستراحات أو الفنادق للقوافل وحفر صهاريج المياه التي تزود المسافرين بالماء. وتقدمت الزراعة والصناعة واستغلت الثروات الطبيعية التي كانت تملأ الخلافة شرقا وغربا فاستغلت مناجم الحديد بخراسان ومناجم الرصاص بكرمان ورخام طوروس كما استغلت مصادر النفط والأحجار الكريمة.
وازدهرت الفنون والآداب وظهرت ألف ليلة وليلة التي غذت خيال الشعراء والأدباء، وارتبطت بهارون الرشيد. وبنيت المستشفيات والمختبرات الطبية والمراصد الفلكية. ومن أئمة علماء هذه الفترة فقيها الإسلام العظيمان أبو حنيفة ومالك اللذان عاشا أوائل الحكم العباسي وعاشا في عهد الخليفة العباسي الثاني
المنصور "754-775" وكانا يقومان بإلقاء دروسهما.
ويبرز الخليفة المأمون شديد الاهتمام بالتعليم والأدب، وكان يجمع من الأقاليم التابعة له كسوريا وإفريقيا ومصر ما يوجد فيها من كتب بدلا من الضرائب. وكانت مئات الجمال ترى وهي تدخل بغداد حاملة ورقا وكتبا فقط. وكانت تترجم للعربية الكتب القيمة. وكان بلاط المأمون يبدو وكأنه مجلس للعلوم والأدب أكثر من كونه مركزا للحكومة والخلافة إذ كان يتألف من الأساتذة والنقاد والمترجمين والشراح.
وكان المأمون يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكرتهم إيمانا منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عبادة؛ فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدجى وسادة البشر فأوحشت الدنيا لفقدهم، بل إن المأمون لما فرض السلم على قيصر الروم طلب أن تكون الجزية مجموعة من الكتب، وازدهرت بغداد لا كعاصمة الخلافة العباسية فحسب بل كمركز للثقافة والفنون والآداب لم تشهد له البشرية مثيلا. وحملت بغداد شعلة العلم والمعرفة إلى كل ربوع آسيا: في الهندوستان تحت رعاية الغزنويين في مطلع القرن 11 على يد البيروني ولدى السلاجقة في أواخر القرن 11 على يد عمر الخيام ولدى المغول حوالي منتصف القرن 13 على يد نصر الدين الطوسي. وفي الصين حوالي أخريات القرن 13 على يد "كوشو كينج" ولدى العثمانيين في النصف الأول من القرن الرابع عشر.
وقد قامت على أنقاض الدولة العباسية دول وإمارات. وكانت مصر في العهد الفاطمي في القرن "11م" وارثة الخلافة في بغداد بعد انحطاط مركزها السياسي والفكري، وقامت إمارات آل سليمان وآل بويه الفارسية، ودول الأتراك السلاجقة والخوارزميين والمغول وامتدت الحضارة الإسلامية إلى الهند والصين وحمل الأغالبة في شمال إفريقية حضارة العرب إلى صقلية، وكذلك كانت الدولة العثمانية وريثة أيضا للدولة العباسية، وعرفت هذه الممالك الإسلامية كثيرا من الأدباء والعلماء والمفكرين الذين أسهموا في بناء صرح الإنسانية. ومن هؤلاء الفردوسي صاحب الشاهنامة، وأحد كبار الشعراء
الحماسيين عاش في بلاط السلطان محمود الغزنوي، وفي دولة بني بويه. وفي فارس السلجوقية ظهر الفيلسوف والعالم الإسلامي الشهير أبو حامد الغزالي الملقب بحجة الإسلام وابن سينا الذي ولد في بخارى وتوفي في همذان، كما ظهر أيضا عمر الخيام العالم الرياضي، المشهور أكثر بشاعريته ولا سيما رباعياته التي لاقت شهرة كبير لا في العالم الإسلامي فحسب بل في دول الغرب أيضا.
ثانيا: الدولة الإسلامية في المغرب:
يتضمن الكلام عن الدولة الإسلامية في المغرب في العصور الوسطى الكلام عن شمال إفريقيا والأندلس.
أ- في شمال إفريقيا:
قبل الفتح الإسلامي كان ما يعرف الآن بالمغرب جزءا من الإمبراطورية الرومانية كما كانت مصر وبلاد الشام جزءا من هذه الإمبراطورية أيضا. وقد عمل الرومان على نشر ثقافتهم اللاتينية في بلاد شمال إفريقيا ونقلوا إليها مدارسهم وأنظمتهم التعليمية، كما كانت الآداب والفنون اليوناينة مزدهرة في روما فإنها قد وجدت لها مراكز خصبة في شمال إفريقيا طيلة القرنين الأولين من استيلاء الرومان على إفريقيا.
وكانت قرطاجنة التي بعثت من جديد بعد أن دمرها الرومان مركزا هاما للثقافة والفنون الهلينية في العالم الروماني حتى أصبحت تفاخر وتنافس جامعتي روما وأثينا. وكانت اللغتان اليوناينة واللاتينية تحييان بها جنبا إلى جنب. وإلى جانب المدارس ومراكز الثقافة الرومانية كانت هناك أيضا المعابد والهياكل الدينية بما فيها من مكتبات وما كان يعقد فيها من محاضرات وندوات وكذلك المسارح والملاعب التي عمت القرى والمدن الإفريقية وعملت على نشر الثقافة الرومانية، وفيما بعد مع بداية القرن الثالث الميلادي نرى أنه قد تعاقب على عرش روما أباطرة أفارقة من آل البينوس "سوسة" وآل سفيروس من أبناء طرابلس الغرب ومكرينوس الشرشابي وآر غرديانوس القرطاجني.
وكان هؤلاء الأباطرة مشغوفين بالعلم مكرمين لأهله كما كانوا يعتزون بأفريقيتهم ويحنون لوطنهم ويعطفون على أبناء جلدتهم فأغدقوا عليهم العطايا وخلعوا عليهم الوظائف السامية كما بنوا المدارس والمعابد بإفريقيا.
وإبان القرن الرابع الميلادي والنصف الأول من القرن الخامس الميلادي بدأت المسيحية بعد أن اعترف بها دينا رسميا في روما تغزو شمال إفريقيا ونجد هناك من يروجون لها.
ولما احتل البيزنطيون شمال إفريقيا وإبان القرن السادس الميلادي لم يعنوا كثيرا بالثقافة والعلم إذ كان عصرهم عصر حروب ومقاومة وثورات وانحطاط فكري وثقافي "إبراهيم التوزري: ج1 ص28-73" وكان ذلك إيذانا بميلاد عصر جديد برز نوره وأخذ يمتد سناه نحو الغرب وكان ذلك مع بشائر الفتح العربي الإسلامي.
وبدون الدخول في تفصيلات تاريخية يمكن القول بأنه عندما تقدمت الجيوش في شمال إفريقيا أقام القائد العربي عقبة بن نافع مدينة القيروان عام 50هـ "670م" وأصبحت مركزا سياسيا وحربيا هاما للعرب وتم لهم السيطرة على البرابرة الذين دخلوا في دين الله وأقبلوا على تعلم اللغة العربية وأصبحت القيروان إلى جانب كونها عاصمة سياسية ودينية منتجعا للعلم والثقافة يفد إليها طلاب العلم من مختلف الأصقاع.
وفي عهد الدولة الأغلبية التي أسسها إبراهيم بن الأغلب التميمي الوالي العربي في القيروان في الفترة من 185هـ-800م إلى 295هـ-909م انتشرت اللغة العربية وازدهرت العلوم وخلفت الدولة الأغلبية الدولة الفاطيمة والعبيدية التي عملت على تشجيع العلوم والمعارف على الرغم من الصراعات والفتن المذهبية التي كانت تقلقها وتعكر صفوها.
وبلغت العلوم والمعارف أوج ازدهارها في عهد الدولة الصنهاجية البربرية "الزيرية" التي خلقت الفاطميين بعد رحليهم إلى مصر عام 362هـ-973م وانقرضت هذه الدولة على يد الموحدين المغاربة عام 556هـ-1160م، عندما اختفت هذه النهضة الثقافية الفكرية. وهكذا كانت مدينة القيروان مركزا هاما
من مراكز الثقافة العربية الإسلامية خلال العصور الوسطى، وسنشير إلى بعض جوانب الحركة الثقافة فيها فيما بعد.
وبالنسبة لنشأة المدارس فقد تأخر ظهور المدرسة في المغرب والأندلس عن مثيلتها بالمشرق. وترجع نشأة المدارس بالمغرب إلى القرن السابع الهجري عندما أنشأ أمير المؤمنين يعقوب بن عبد الحق "656-684هـ" الملقب بالمؤيد والمنصور والقائم مدرسة بفاس وأوقف عليها الأوقاف وأجرى على طلاب العلم بها المرتبات
…
واتبع ابنه السلطان أبو سعيد عثمان بن يعقوب سنة أبيه في بناء المدارس فأسس مدرسة "المدينة البيضاء" بفاس "والمدرسة العظمى" بفاس أيضا سنة 723هـ والتي عرفت فيما بعد بمدسة العطارين. وفي وصف هذه المدرسة يقول المؤرخ أبو العباس الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى": من أعجب مصانع الدول لم يبن ملك قبله مثلها وأجرى فيها الماء من بعض العيون ورتب فيها الطلبة وجعل لها إماما ومؤذنين وقومة يقومون بأمرها. ورتب فيها فقهاء التدريس وأجرى على هؤلاء المرتبات والمؤن الزائدة عن الكفاية. وقد اشترى لأجل ذلك عدة أملاك وأوقفها عليها.
وكان الخلفاء والولاة في عاصمة الدولة الإسلامية يهتمون بنشر الدين في الأقاليم البعيدة. وقد أرسل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز إلى شمال إفريقيا عشرة من الفقهاء لتعليم أبناء البربر مبادئ الدين، كما أن بعض الحكام والسلاطين المحليين أظهروا اهتمامهم بالتعليم أيضا منهم على سبيل المثال السلطان أبو الحسن بن أبي سعيد المريني "732-749هـ" قد أظهر اهتمامه ببناء المدارس حتى قبل تولية الخلافة، إذ بنى سنة 721هـ مدرسة في فاس غرب جامع الأندلس. وبنى حولها سقاية ودار وضوء وفندقا لسكنى الطلاب. وعين فقهاء للتدريس وأجرى عليهم جميعا الإنفاق والكسوة وأوقف لها ربوعا كثيرة. وأنشأ مدارس عديدة بفاس منها "مدرسة الوادي" ومدرسة الصهريج ومدرسة "الرخام" ومدرسة "الحلقاويين" ومدرسة "المصباح" نسبة إلى أول فقية تولى التدريس فيها، وهو أبو الضياء مصباح بن عبد الله الباصلواتي. كما أنشأ مدارس أخرى خارج العاصمة فاس في سبتة وطنجة وآزمور وأغمات والعقد
الكبير والعباد وغيرها "أبو العباس الناصري: ج2 ص65-112". وسار ابنه السلطان أبو عنان فارس بن أبي الحسن المتوكل "749-759" على سنة والده أبي الحسن في بناء المدارس فبنى المدارس العنانية على اسمه ومدرسة أخرى بسلا.
ب- في الأندلس:
نعني بالكلام عن الدولة الإسلامية في المغرب "الأندلس: بصفة خاصة، وقد فتحها العرب في القرن الأول الهجري "أوائل السابع الميلادي" وكان العرب يطلقون اسم "الأندلس" على جميع بقاع إسبانيا التي خضعت للمسلمين، وترجع التسمية إلى القبائل التي كانت تسكن إسبانيا. فقد ظلت إسبانيا تحت حكم الرومان حتى أغارت عليها قبائل تعرف بقبائل الوندال فأطلق عليها العرب "الأندلس".
ويورد ليفي بروفنسال في كتابه: "حضارة العرب في إسبانية" القاهرة 1938 دليلا على لسان "ألفارو" القرطبي المسيحي الذي كان من غلاة المتعصبين في شبة الجزيرة الأندلسية في القرن التاسع يوضح فيه مدى انتشار الثقافة العربية بين المسيحين ويصرخ مما أصاب أهله من انتشارها يقول فيها: "أبناء ديني يحبون إنشاد الأشعار العربية بل إنهم يدرسون مؤلفات علماء الكلام لا ليدحضوها ويفندوها وإنما ليقوموا نطقهم العربي تقويما صحيحا
…
إن جميع شبان النصارى بما لهم من نبوغ لا يعرفون غير اللغة العربية وأدابها، وإنهم يقرءون الكتب العربية ويدرسونها باهتمام بالغ. وكونوا لأنفسهم مكتبات منها أنفقوا عليها أموالا كثيرة معلنين في كل مكان إعجابهم بهذه الكتب والآداب. واحسرتاه! لقد نسي النصارى لسانهم الديني ولا تكاد تجد بين كل ألف منا واحد يستطيع أن يكتب بصورة لائقة رسالة باللاتينية إلى صديق له. أما إذا كان الأمر يتعلق بكتابة رسالة بالعربية وجدت الكثير من الناس قادرا على التعبير بهذه اللغة تعبيرا مناسا. بل إن من بينهم من يقدر على نظم القصائد بالعربية بصورة قد تفوق من الناحية الفنية ما ينظم العرب أنفسهم". وهذا يوضح مدى انتشار الثقافة العربية في الأندلس آنذاك. ومع أن الأندلس لم يكن
لها صلة بالشرق إلا لمدة حوالي 44 سنة من آخر سنوات الدولة الأموية وقطعت هذه الصلة بقيام الدولة العباسية فإن العرب في إسبانيا استطاعوا في أقل من قرن بالأندلس أن يحيوا ميت الأرض ويعمروا خراب المدن ويقيموا أفخم المباني ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بجميع الأمم.
ومن الأندلس كان العرب يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة ومصانع الحرير والجلود والسكر إلى الشرق وإفريقيا. وأنشئوا المدارس والمساجد والفنادق والمستشفيات في كل مكان إلى جانب أنهم شقوا الطرق والجسور.
وكانت الزراعة موضع عناية خاصة بهم فقد درس العرب أمر الزراعة دراسة قائمة على معرفة تامة بالإقليم والأرض ونمو النبات وتكاثر الحيوان لدرجة يقال معها أحيانا إنه لم يتوفر لأي أمة متمدنة في أوربا وآسيا أو إفريقيا من أصول الزراعة بمثل ما توفر لعرب الأندلس. ولم تصل أي بلد من الازدهار الزراعي درجة أعلى مما وصلت إليه الأندلس العربية ولا سيما مملكة غرناطة. فقد كان إقليم الأندلس يدر ثلاثة محاصيل في كل عام. وكان العرب أول من أدخل إلى الأندلس زراعة الأرز والموز واللوز والفستق والنخيل وقصب السكر وجلبوا إليها الزهور والخضر التي لم تكن معروفة ومنها انتشرت فيما بعد إلى أوربا. ولا تزال معظم أسماء الزهور في اللغة الإسبانية شاهدا على ما استعير مباشرة من العرب والمسلمين. كما كان للصناعة نهضة فاستغلت مناجم الزئبق والياقوت كما استخرج اللؤلؤ والمرجان من الشواطئ. وطورت صناعة الجلود ودباغتها ونسج القطن والكتان والقنب.
أما الناحية العقلية والفكرية فكان للأندلس نشاط بالغ في ميدان العقل والفكر إلى جانب الازدهار المادي. وبلغت أسماء ابن رشد وابن ماجه وابن عربي وابن حزم شهرتها، وكانت الأندلس في عهد العرب أعظم دول الغرب في هذا العصر ازدهارا وحضارة. وظهرت قرطبة أكبر عواصم أوربا آنذاك نورا وكثرت القصور والمدارس، والمراصد والمكتبات. وقد أنشأ العرب مدرسة الطب في مونبليه في جنوب فرنسا.
ويروي مؤلفو الغرب أنه كان يوجد في الأندلس في ذلك الحين سبعون
مكتبة عامة، وأن مكتبة الخليفة "الحكم" بقرطبة كانت تشتمل على أربعمائة ألف مجلد منها 44 مجلدا للفهارس وحدها. وكانت بلاطات ملوك المسلمين في المدن الأندلسية المختلفة مثل طليطة وبطليوس وبلنسية والمرية وغرناطة وإشبيلية على الخصوص ندوات يجتمع فيها الشعراء والأدباء والعلماء والفلاسفة والأطباء والمتخصصون في العلوم المختلفة وكانوا يحصلون على مكافآت مادية مجزية يدفعها لهم أمراء متنورون نصراء للعلم والأدب.
وقد ظلت الحياة الفكري مزدهرة واستمرت بالرغم من التدهور السياسي حتى انقراض إمارة غرناطة التي كانت آخر الإمارات الإسلامية. وقد كانت الحياة العقلية والفكرية مزدهرة في هذه الإمارة ولا سيما في مدينتيها الكبيرتين "مالقة والمرية". وجاءت النهاية الحزينة في الثاني من يناير 1490 الذي كان يوما حزينتا مشئوما استسلمت فيه غرناطة آخر الإمارات الإسلامية. وبعدها بدأ اضطهاد العرب بل والموريسيكيين منهم، "وهم المسلمون الذين تنصروا سرا" واستمر الاضطهاد طيلة حوالي قرن من الزمان بلغ ضحاياه في تقدير المؤرخين ثلاثة ملايين من العرب
…
وينتهي دور الاضطهاد عام 1556 بطرد جميع العرب من الأندلس إلى إفريقية. ونقل مليونه منهم بطريقة بالغة القسوة. ويروي المؤرخون أنه ذبح في الطريق ثلاثة أرباعهم. وحرقت الكتب والمخطوطات العربية الثمينة، وفي غرناطة وحدها أحرق ما يقرب من ثمانين ألف مخطوط عربي. وقد كانت هذه النهاية نهاية الأندلس الإسلامية ونهاية إسبانيا المسيحية أيضا. إذ خسرب بفقد العرب شريان حياتها الدافق. وترك العرب وراءهم فراغا كبيرا انعكس على الحياة في إسبانيا لعدة قرون تالية ولم يكن يملأ هذا الفراغ كل الذهب الذي جمعه غزاة الإسبان من المكسيك وبيرو وجاءوا به إلى إسبانيا وطنهم الأم. لقد جفت المياة الجارية ونضبت الينابيع المتدفقة وجفت الزهور اليانعة وعم الأرض البور والخراب وخلت المدن من سكانها، وتدهورت الفنون والحرف. ولم تلبث الدولة التي كانت على رأس جميع الأمم أن هوت إلى الحضيض. ويحدد القرن التاسع الهجري "السادس عشر الميلادي" النهاية الحزينة لسقوط الحضارة الإسلامية بعد أن كانت منارة الإنسانية طيلة العصور الوسطى، وتلك سنة الله في خلفه ولله في خلقه شئون.