الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتسابقها في ميدان واحد ترى فيها اختلافا نوعيا، وتباينا بعيدا في الأشكال والألوان والأعمال. فما السبب في هذا التباين والتفاوت؟ وإن سئل دارون عن الأشجار القائمة على غابات الهند والنباتات المتولدة فيها من أزمان بعيدة لا يحددها التاريخ إلا ظنا. وأصولها تضرب في بقعة واحدة، وفروعها تذهب في هواء واحد، وعروقها تسقى بماء واحد. فما السبب في اختلاف كل منها عن الأخر في بنيته وشكل أوراقه وطوله وقصره وضخامته وزهره وثمره وطعمه ورائحته وعمره. فأي فاعل خارجي أثر فيها حتى خالف بينها مع وحدة المكان والماء والهواء؟ أظن لا سبيل إلى الجواب سوى المعجز عنه "جمال الدين الأفغاني: 42-43".
ويشير الأفغاني إلى فكرة أخرى لدارون فيقول: ومن واهياته، أي داروين ما كان يرويه من أن جماعة كانوا يقطعون أذناب كلابهم، فلما واظبوا على عملهم هذا قرونا، صارت الكلاب تولد بلا أذناب، كأنه يقول حيث لم تعد للذنب حاجة كفت "أي توقفت" الطبيعة عن هبته "أي إعطائه". ويرد الأفغاني على ذلك بقوله: وهل صمت أذن هذا المسكين عن سماع خبر العبرانيين والعرب وما يجرونه من الختان ألوفا من السنين، ولا يولد مولود حتى يختن. وإلى الآن لم يولد واحد منهم مختونا إلا لإعجاز "المرجع السابق: 44-45".
دورة الحياة:
إن النظرة الدينية في الإسلام والرسالات السماوية الأخرى ترى أن الحياة البشرية بدأت بخروج آدم من الجنة ونزوله إلى الأرض أو الحياة الدنيا لتعميرها بما حباه الله من عقل وجسم وقدرات مختلفة هو وذريته من بعده حتى تنتهي هذه الحياة لتبدأ دروة حياة أخرى هي حياة الآخرة. فهذه الدورة البشرية من الحياة دورة تاريخية لكنها لا تتكرر. وقد يختلف المفكرون ورجال الدين وغيرهم تفاؤلا وتشاؤما فيما يتعلق بالحياة الآخرة التي وصفت بأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقد وصفها الله عز وجل في قرآنه الكريم بقوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} . بيد أن هذه الأرض التي نطؤها بأقدامنا ليست كتلة من جسد أموات كما وصفها المعري والخيام في أشعارهما. بل إنها كائن حي
يتدفق قوة وحيوية تبذر فيها البذور فتترعرع نباتا غضا طريا يتغذى به الإنسان والحيوان.
إن قدرة الله وعظمته تتجلى في مظاهر الطبيعية الكون. وقد أمرنا عز وجل أن نتأمل هذه المظاهر، وأن نفكر فيها حتى يزداد إيماننا به بدلا من التفكير في ذاته فنضل. وهذا الكون هو مجال عمل الإنسان عليه أن يرعاه. وأن ينميه، وأن يحافظ عليه، وأن يشكر الله على ما حباه من نعم وخيرات فيه.
هل هناك حياة أخرى في الكون خارج هذه الأرض التي نحيا عليها؟ إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي منا التفكير في بعض الآيات القرآنية: منها قوله عز وجل في سورة الشورى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} . فالفهم العام الذي يتبادر إلى الذهن من ضمير التثنية في كلمة "فيهما" يوحي بأن هناك حياة أخرى لأن الدابة هو كل ما يدب على الأرض حتى الإنسان يقال له دابة. وفي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير بأن من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته خلق السماوات والأرض وما ذرأه فيهما أي خلقه في السماوات والأرض من دابة. وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم. وقد فرقهم في أقطار السماوات والأرض. ويذهب إلى نفس التفسير محمد فريد وجدي في تفسيره المعروف بالمصحف المفسر فيقول: ومن آياته خلق السماوات والأرض على ما فيها من عجائب الإبداع وما نشر فيها وقت يشاء. ويقول الله تعالى أيضا في سورة النحل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ} فتكرار اسم الموصول مرتين مرة متعلقة بالسماوات والأخرى متعلقة بالأرض يؤكد نفس المعنى الذي ذهبت إليه الآية السابقة. وهكذا يذكر القرآن الكريم ما يشير إلى وجود حياة خارج الأرض التي نحيا عليها.