الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعقل عند ابن مسكويه يعتبره على غرار الإغريق قوة النفس الناطقة. ذلك أنه يرى أن للنفس قوى مختلفة لها مراكز جسمية. والعقل والفكر في الدماغ والغضب في القلب والشهوة في البطن.
وهو يرى أن العقل هو مناط التكليف الإلهي. وعلى أساسه يكون حساب الإنسان ثوابا عقابا. وبه يستطيع المرء أن يكون قاب قوسين أو أدنى من سدرة المنتهى التي أشار إليها القرآن الكريم في سورة النجم بقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} . وبه أيضا يهوى إلى الدرك الأسفل من النار شأنه شأن المنافقين الذين قال عنهم القرآن الكريم في سورة النار {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} . أو يكون شبه الحيوانات والأنعام الذين قال فيهم رب العزة في سورة الفرقان {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} .
النفس الإنسانية:
تحدث ابن مسكويه عن النفس من حيث طبيعتها وصلتها بالجسم. فمن حيث طبيعتها يناقش ما إذا كانت النفس الإنسانية نفسا واحدة أم أنها متعددة. ويصل إلى القول بأن النفس واحدة ترد إليها قوى مختلفة هي بمثابة الفروع للشجرة الواحدة. ومن حيث صلة النفس بالجسم يتساءل هل هي جزء من الجسم تفنى بفنائه؟ ويجيب على ذلك بقوله إن النفس مغايرة للبدن وليست جزءا منه ولا حالا من أحواله. ويستدل على ذلك بأن النفس هي التي تحرك البدن وقد تكون هذه الحركة مخالفة لطبيعته كالصعود إلى أعلى أو التحرك من مكان إلى مكان. كما أن الجسم يعتريه التغيير والتبديل والزيادة والنقصان. ومع ذلك يظل الإنسان مدركا لنفسه في كل ذلك. وهذا يعني أن هناك جوهرا غير الجسم مسئول عن ذلك. ويقول أيضا إن النفس ليست جسما بل هي جوهر مفارق للبدن ومخالف له في الطبع. فهي من عالم آخر غير عالم المادة الذي ينتمي إليه الجسم. ويرى ابن مسكويه أن النفس بعد الموت تصعد إلى بارئها أما الجسم فيفسد ويتحلل وهذا يعني أن النفس خالدة ولا تفنى بفناء الجسم. فهي ليس جزاء منه. وهو بهذا يخالف الفلاسفة الحسيين الذين يقولون بأن النفس جزء من
الجسم وأنها تفنى بفنائه.
وينقل ابن مسكويه عن فلاسفة الإغريق وعلى رأسهم أفلاطون تقسيم قوى النفس إلى ثلاث: قوة العقل وآلتها الدماغ وقوة الغضب وآلتها القلب وقوة الشهوة أو القوة البهيمية وآلتها الكبد. وهو يرى أن هذه القوى الثلاث إذا أحسن المرء توجيهها والتحكم فيها فإنها تكون مصدر خيره وسعادته. أما إذا ترك لها الحبل على الغارب وانساق وراء أهوائها فإنه يصبح عبدا لها وتكون وبالا عليه وشرا مستطيرا. وهو يذكر أن لكل قوى من هذه القوى الثلاث للنفس فضيلتها. ففضيلة العقل الحكمة وفضيلة القلب الغضب أو الشجاعة وفضيلة الحس الشهوة أو العفة. ومن هنا كانت صفة العدل شرطا أساسيا لهذه الفضائل وإذا انتفت صفة العدل عن الإنسان لم يعد إنسانا فاضلا وانقلبت هذه الفضائل إلى رذائل. وكان لابن مسكويه تأثيره الواضح على الغزالي في هذا التقسيم الثلاثي لقوى النفس ونقله عنه نقلا كاملا. ويذكر ابن مسكويه أن النفس العاقلة أو ما يسميها بالناطقة أو العالمة تتصف بالحكمة والمعرفة. أما النفس الغضبية فهي حوشية الطبع لكنها تقبل الأدب والتهذيب. أما النفس الشهوانية فلا تقبل التأديب أو التهذيب في نظر ابن مسكويه. ويشبه ابن مسكويه هذه النفوس الثلاث أو القوى الثلاث للنفس بمثال الصياد الذي يركب دابته ومعه كلبه. فإذا كانت القيادة للصياد أمكنه الوصول إلى غايته. أما إذا كانت لدابته أو لكلبه فإنه يضل الطريق ولا يصل إلى مراده. لأن الدابة تمثل قوة الشهوة ولا هم لها إلا إشباع معدتها بالحشائش الخضراء غير عابئة بالعوائق التي تعترض طريقها.
وفي هذا خطر على الصياد. والكلب وهو يمثل قوة الغضب يندفع ويجري بعيدا باحثا عن صيد. وقد يجر الصياد إلى المهالك التي تقضي عليه. وهذا المثال يذكرنا بأسطورة أفلاطون عن السائق والعربة التي يجرها جوادان أحدهما سلس القيادة والآخر عصي جامح. وذلك في حديثه عن قوى النفس العاقلة والغضبية والشهوانية. والسائق في الأسطورة يمثل العقل والعربة تمثل الجسم أو البدن، والجواد سلس القيادة يمثل إرادة أو قوة الغضب والجواد العصي أو الجامح يمثل الشهوة. "انظر محمود قاسم ص42".