الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: تربية الطفل في الإسلام
مقدمة:
تمتاز التربية الإسلامية بكثير من مميزات التربية الحديثة في شمولية النظرة إلى التربية كعملية ونتيجة معا. وتعني التربية الإسلامية في مفهومها المطلق بلوغ الكمال الإنساني بالتدريج. والكمال لله وحده عز وجل. وهو مسألة نسبية، لذلك قلنا في مفهومها المطلق. ويبرر هذا الكمال قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كما أن الإسلام آخر الديانات وأكملها وأتمها. ويضاف إلى ذلك أيضا التشريف والتكريم الذي خص الله به الإنسان وحده دون غيره من سائر المخلوقات وتفضيله إياه على كثير من خلقه. بل وجعله خليفته في الأرض بما تتضمنه هذه الخلافة من رسالة إنسانية سامية. وقلما نجد نظير للتربية الإسلامية في الاهتمام بالطفل وتكريمه. فقد أوجب الإسلام العناية به حتى وهو جنين في بطن أمه وحرم إيذاءه أو إلحاق الضرر به بأي شكل من الأشكال بما في ذلك الإجهاض. وعند مولده يحتفى به ويكرم، ومن مظاهر هذا التكريم ما يعرف في اصطلاح الفقهيين "بالعقيقة" وهي شاة تذبح له في اليوم السابع احتفاء بمولده.
وقد حدد الإسلام مراحل نمو الطفل ابتداء من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم الجنين. قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . ويذكر ابن قيم الجوزية في كتابه تحفة المودود بأحكام المولود أن الطفل عند مولده يسمى رضيعا طالما أنه يرضع اللبن فإذا فطم عنه فهو فطيم. فإذا درج فهو صبي. فإذا قارب السبع سنوات فهو غلام مميز. وإذا بلغ العشر سنوات فهو غلام ناشئ ويسمى مراهقا حتى سن البلوغ. إذا قارب الحلم فهو غلام بالغ. فإذا اخضر شاربه لم يعد غلاما وإنما هو فتى أو شاب للذكر وفتاة أو شابة للأنثى. ويسمى
بهذا حتى سن الأربعين. وبعدها حتى سن الستين يكون كهلا وبعدها يكون شيخا.
وقد اعترف الإسلام بحقوق الطفل منذ لحظة خروجه حيا إلى الدنيا فأوجب له حق الميراث كالكبير. كما أوجب اختيار أحسن الأسماء له. وإذا مات الطفل فإنه يعامل معاملة الكبير فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن. وإذا كان الإسلام قد حرم قتله قبل خروجه إلى الدنيا فمن الطبيعي أن يمتد هذا التحريم إلى ما بعد خروجه إليها قال تعالى: {لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} .
ومن أهم الأشياء التي أوجبها الإسلام للطفل حق الرعاية والتربية حتى ولو كان الطفل لقيطا أو منبوذا. فقد أوجب الإسلام تربية الطفل اللقيط أو المنبوذ ورعايته والإحسان إليه حتى يكبر. وهناك كثير من الأدلة التي تؤكد أن تربية الطفل وتعليمه هي من أوجب الأشياء على ولي الأمر نحو ولده. والأحاديث النبوية التالية هي بعض أمثلة على ذلك:
- "ما نحل والد ولدا أفضل من أدب من حسن".
- "رحم الله عبدا أعان ولده على بره بالأحسان إليه والتآلف له وتعليمه وتأديبه".
- "لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين".
- "حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي".
ويقول ابن قيم الجوزية: "من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة. وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم". ويتساوى في هذا الاهتمام بالتعليم الولد والبنت على السواء، فتعليم البنت حق كالولد، ويعترف المربون المسلمون منهم القابسي وغيره بحق البنت في التعليم انطلاقا من أن التكاليف الدينية واجبة على الرجل والمرأة. وهذا يتفق مع روح الإسلام الحقيقية التي جعلت من طلب العلم فريضة
على كل مسلم ومسلمة. ومع تسليم المربين المسلمين بهذا الحق للبنت فإن بعضهم ومنهم ابن سحنون والقابسي على سبيل المثال، يذهب إلى عدم الخلط بين الصبيان والإناث في التعليم لاعتبارات أخلاقية تربوية، كما ينبغي أن تعلم البنت ما فيه صلاحها ويبعدها عن الفتنة.
من أين تبدأ:
من الأمور الطبيعية أن تبدأ تربية الطفل بتنمية الجسم حتى يشب صحيحا قويا. أما التعليم المنظم فيبدأ عندما يصل الطفل إلى سن العقل أو التمييز، ولنستعرض أولا هذه النصوص:
- قال عليه الصلاة والسلام: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم". وقال صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع". ومما يروى: "لاعب ولدك سبعا وصاحبه سبعا ثم اترك حبله على غاربه". ويقول ابن سينا: "إذا فطم الصبي عن الرضاع بدأ تأديبه ورياضة أخلاقه قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة، فإن الصبي تتبادر إليه مساوئ الأخلاق فما تمكن منه ذلك غلب عليه فلم يستطع له مقاومة"، "وإذا أتى عليه "الطفل" من أحواله ست سنين فيجب أن يقدم إلى المؤدب والمعلم" لأن في هذه المرحلة "تشتد مفاصل الصبي ويستوي لسانه ويتهيأ للتلقين ويعي سمعه". ومما يروى أيضا:"اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
ويذكر ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء" في ترجمته لعلي بن رضوان المصري نصا قاله عن نفسه ذكر فيه أنه بدا تعليمه في السادسة فيقول: "فلما بلغت السادسة أسلمت نفسي في التعليم". ويقول أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: "وللقوم في التعليم سيرة بديعة وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى المكتب".
ومن الأمثلة السابقة يتضح أن سن التربية في الإسلام بمفهومها الواسع الشامل يبدأ منذ لحظة الميلاد، أما بداية التعليم المنظم فتكون عند بلوغ سن العقل والإدراك والتمييز. وهذا السن يتراوح عادة بين السادسة والسابعة. وليس هناك ما يمنع من أن يكون قبل ذلك إذا كان ما يبرر ذلك أو يقتضي