المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آداب رياضة النفس واستصلاحها: - التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية

[محمد منير مرسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌نبذة تفصيلية عن المؤلف

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس:

- ‌تمهيد: مشكلات منهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية

- ‌الفصل الأول: التربية الإسلامية

- ‌تربية العرب قبل الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل القلم:

- ‌فضل الخط:

- ‌فضل الكتب:

- ‌مكانة العلم في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل المسلمين على العلم:

- ‌لماذا أنطفأت شعلة العلم الخلاقة في المجتمعات الإسلامية

- ‌تأثير الفكر الإسلامي في الغرب:

- ‌الرحلة في طلب العلم:

- ‌التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد:

- ‌كيف نبدأ

- ‌حول توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أهداف التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌لماذا خلقنا

- ‌ما يصلح به حال الإنسان:

- ‌العبادة غاية الوجود الإنسان وأساس السلوك الأخلاقي

- ‌التكسب واجب:

- ‌أسس التربية الإسلامية

- ‌التربية الإسلامية تربية تكاملية شاملة

- ‌ التربية الإسلامية تربية مثالية واقعية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية عملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فردية واجتماعية معا:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لضمير الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان وإعلاء لدوافعه:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متدرجة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية محافظة مجددة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية إنسانية عالمية:

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌أسلوب القدوة الصالحة

- ‌ أسلوب الثواب والعقاب:

- ‌ أسلوب التوجيه والنصح:

- ‌ أسلوب الحوار والمناقشة:

- ‌ أسلوب المعرفة النظرية:

- ‌أسلوب الممارسة العملية

- ‌ أسلوب الرسم والإيضاح:

- ‌ أسلوب التلقين والحفظ:

- ‌أسلوب الرسول الكريم:

- ‌التعليم الإسلامي

- ‌خصائص التعليم الإسلامي التقليدي

- ‌المنهج المدرسي

- ‌وسائل التدريس

- ‌مساكن الطلبة:

- ‌الجمع بين طلب العلم والتكسب:

- ‌الدولة والتربية في الإسلام:

- ‌أهل الحسبة ورعاية المصالح العامة والتعليم:

- ‌وجوب التعليم:

- ‌التعليم في الإسلام فرض وابج وليس مجرد حق

- ‌الفصل الثالث: فلسفة التربية الإسلامية

- ‌أولا: الإسلام والكون "مدخل أطولوجي

- ‌خالق الكون

- ‌البرهنة على وجوده:

- ‌الفرق بين التصديق والإيمان:

- ‌خلق السموات والأرض

- ‌حقيقة الكون:

- ‌نظرة الإسلام للكون:

- ‌الأنبياء وكتب الشرائع:

- ‌الكون والتطور:

- ‌رفض علماء المسلمين لنظريات التطور الغربية:

- ‌دورة الحياة:

- ‌ما تصلح به حال الدنيا:

- ‌ثانيا: المعرفة في الإسلام "‌‌مدخلابستمولوجي

- ‌مدخل

- ‌طبيعة المعرفة وأنواعها:

- ‌تعلم الإنسان من غيره من المخلوقات:

- ‌ثالثا: الأخلاق في الإسلام مدخل إكسيولوجي

- ‌الفصل الرابع: تربية الطفل في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌نشاط الطفل دليل صحة:

- ‌مراحل التربية الخلقية:

- ‌آداب المتعلم:

- ‌شروط تحصيل العلم:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: تعليم المرأة في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌المرأة والحجاب:

- ‌قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها:

- ‌المرأة والتعليم:

- ‌آراء علماء المسلمين في تعليم المرأة

- ‌أولا: آراء غريبة عن الإسلام

- ‌ثانيا: آراء معتدلة تتفق مع روح الإسلام:

- ‌التعليم المختلط:

- ‌التربية الزوجية:

- ‌حق الزوجة على زوجها:

- ‌الفصل السادس: المعلم في التربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌أهمية المعلم ومكانته:

- ‌واجبات وأدوار المعلم:

- ‌أخلاق المعلمين:

- ‌أجر المعلم:

- ‌الفصل السابع: تطور التربية الإسلامية وأهم سماتها في العصور الوسطى

- ‌مراحل تطور التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للتربية الإسلامية: مرحلة البناء

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة العصر الذهبي أو الازدهار

- ‌السمات العامة للتربية الإسلامية في العصر الذهبي

- ‌دخول العلوم العقلية

- ‌ نشأة المدارس:

- ‌ ظهور الآراء التربوية المتميزة:

- ‌الفصل الثامن: مركز التعليم الإسلامي

- ‌أولا: المساجد

- ‌ثانيا: الكتاب

- ‌هدف الكتاب

- ‌الدراسة في الكتاب:

- ‌نقد طريقة التعليم بالكتاب:

- ‌معلم الكتاب:

- ‌مكان التعليم:

- ‌ثالثا: المدارس

- ‌مدخل

- ‌أسباب إنشاء المدارس:

- ‌نمط المدرسة الإسلامية الأولى:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌مناقب ومثالب:

- ‌رابعا: المكتبات

- ‌خامسا: دور الحكمة

- ‌بيت الحكمة في بغداد

- ‌ بيت الحكمة في رقادة:

- ‌ دار الحكمة بالقاهرة:

- ‌سادسا: حوانيت الوراقين:

- ‌سابعا: الرباطات:

- ‌ثامنا: البيمارستانات والمستشفيات

- ‌تاسعا: منازل العلماء

- ‌الفصل التاسع: أعلام التربية الإسلامية في العصر الوسيط

- ‌ابن سحنون وآراؤه التربوية

- ‌ القابسي وآراؤه التربوية:

- ‌ابن مسكويه وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مؤلفات ابن مسكويه:

- ‌تأثر ابن مسكويه بفلاسفة الإغريق

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌النفس الإنسانية:

- ‌الفضيلة وصفاتها الأخلاقية:

- ‌الكمال الإنساني:

- ‌الأخلاق:

- ‌أمراض النفوس وعلاجها:

- ‌تربية النشء:

- ‌الماوردي وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌الماوردي والأصفهاني وابن خلدون:

- ‌الإنسان مدني بطبعه:

- ‌العقل أس الفضائل:

- ‌ضرورة التأديب:

- ‌شرف العلم وفضله:

- ‌شروط طلب العلم:

- ‌الباعث على طلب العلم:

- ‌التدرج في طلب العلم:

- ‌كبير السن والتعلم:

- ‌أسباب التقصير في طلب العلم:

- ‌أخلاق العلماء:

- ‌آداب رياضة النفس واستصلاحها:

- ‌الغزالي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌الغزالي ناقل عن ابن مسكويه وغيره من المسلمين والإغريق:

- ‌منهج الغزالي في تربية الطفل:

- ‌ابن تيمية وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌أسرته:

- ‌عصره:

- ‌وفاته:

- ‌ ابن خلدون وآراؤه التربوية:

- ‌الفصل العاشر: التربية في الشرق العربي الإسلامي في العصور الحديثة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الحركة الإصلاحية السلفية والتعليم:

- ‌ دعوات التغريب والتشكيك الفكري:

- ‌الفصل الحادي عشر: أعلام النهضة التربوية في الشرق العربي الحديث

- ‌محمد بن عبد الوهاب وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌تأثير ابن تيمية:

- ‌أراؤه وجهوده التربوية:

- ‌رفاعة الطهطاوي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌أخلاق المعلمين والمتعلمين:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌على مبارك وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌جهوده الفكرية والثقافية:

- ‌جهوده في التربية والتعليم:

- ‌الشيخ محمد عبده وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مدرسة الإمام:

- ‌جهوده العلمية والفكرية:

- ‌آراؤه في التربية:

- ‌مراتب التعليم:

- ‌على الأغنياء بذل المال في إنشاء المدارس:

- ‌تطوير الأزهر:

- ‌تعليم المرأة:

- ‌وفاة الإمام:

- ‌الفصل الثاني عشر: الاتجاهات التربوية في العصر الحديث

- ‌اقتباس النظم التعليمية الحديثة

- ‌ ظهور حركة التربية الحديثة:

- ‌استقدام الخبراء الأجانب

- ‌تقرير كلاباريد

- ‌ تقرير مان:

- ‌ الاهتمام بإعداد المعلمين:

- ‌ إنشاء الجامعات الحديثة:

- ‌ظهور الاتجاهات التعليمية المتميزة

- ‌سياسة الأبعاد الثلاثية "نجيب الهلالي

- ‌اتجاه الكم أو سياسة الماء والهواء: "طه حسين

- ‌اتجاه الكيف أو تعليم الصفوة: "إسماعيل القباني

- ‌ تطوير الأزهر:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌كتب المؤلف

الفصل: ‌آداب رياضة النفس واستصلاحها:

سبقوه من أمثال القابسي وابن سحنون. هو أن يعلموا بلا أجر ويقصدوا بتعليمهم غيرهم وجه الله ويطلبوا ثوابه دون أن يلتمسوا عليه رزقا. ويذكر قول الله تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أجر المعلم كأجر الصائم القائم". وقد ذكرنا في مكان آخر من هذا الكتاب تفصيل الكلام عن ذلك وأوردنا الآراء والبراهين التي تبيح للمعلم أخذ أجر عن التعليم.

ومن آداب العلماء التي يذكرها الماوردي أيضا نصح من علموه والرفق بهم وتسهيل السبيل عليهم وبذل المجهود في مساعدتهم ومعونتهم.. ومن آدابهم أيضا ألا يعنفوا متعلما ولا يحقروا ناشئا ولا يستصغروا مبتدئا. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "علموا ولا تعنفوا"، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا:"وقروا من تتعلمون منه ووقروا من تعلمونه".

ص: 352

‌آداب رياضة النفس واستصلاحها:

يتحدث الماوردي حديثا مطولا عن آداب رياضة النفس واستصلاحها فيتحدث عن مجانب الكبر والإعجاب لأنهما يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل. ويتحدث عن حسن الخلق ويذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى اختار لكم الإسلام دينا فأكرموه بحسن الخلق والسخاء فإنه لا يكمل إلا بهما". ويتحدث عن الحياء فيقول: اعلم أن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة فسمة الخير الدعة والحياء وسمة الشر القحة والبذاء. وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا. وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا. وقد روى حسان بن عطية عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الحياء والعي -أي الصمت- شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان -أي التشدق- شعبتان من النفاق".

ويتحدث عن الحلم والغضب. وهو يقول إن الحلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد وذكر الأسباب التي تدعو إلى الحكم. ويقول إن الحليم لا يعرف إلا في الغضب. ويذكر قول الشاعر:

ليست الأحلام في حال الرضا

إنما الأحلام في حال الغضب

ص: 352

ويتحدث عن الصدق والكذب فيقول: إن الصدق ممدوح أما الكذب فهو إجماع كل شر لسوء عواقبه وخبث نتائجه. ويذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة وتجنبوا الكذب وإن رأتيم فيه الهلكة"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عنه الله صديقا ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".

ويقول الماوردي إن من الصدق ما هو مذموم. وهو يقوم مقام الكذب في القبح والمعرة ويزيد عليه في الأذى والمضرة. ويذكر من الصدق المذموم الغيبة والنميمة والسعاية أي الوشاية. كما أن من الكذب ما هو محمود أو مرخص به. والكذب المحمود الذي يمنع شرا أو فتنة ويرخص بالكذب في الحرب وإصلاح ذات البين على وجه التورية والتأويل دون التصريح. ومن أمثلة ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: -وهو الذي لا يقول إلا حقا وصدقا- أن امرأة عجوزا سألته: أأدخل الجنة يا رسول الله؟ فقال لها: "لا يدخل الجنة عجوز". فقالت له:ولم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ألم تسمعي قول الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا} " أي أنها لن تكون عجوزا في الآخرة.

ويتحدث عن الحسد والمنافسة. ويقول عن الحسد إنه خلق ذميم مع إضراره بالبدن وإفساد للدين حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شره. قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} . وهو يقول فضله كثر حساده. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على قضاء الحوائج بسترها فإن كل ذي نعمة محسود".

ويتحدث عن فضل الكلام والصمت. ويذكر أن للكلام أربعة شروط تجنب المتكلم الزلل وهي: أن يكون الكلام لداع وأن يكون في موضعه وفي حينه وأن يقتصر منه على قدر حاجته دون زيادة أو نقصان وأن يتخير اللفظ الذي يتكلم به. ويقول الشاعر في هذا المعنى:

وزن الكلام إذا نطقت فإنما

يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق

ومن آداب الكلام عدم التجاوز في المدح وعدم الإسراف في الذم وعدم

ص: 353

الاسترسال في وعد أو وعيد يعجز عنها المتكلم ولا يقدر على الوفاء بها. ومن آداب الكلام العمل بالقول وأن ما يقال يصدقه العمل ومن آدابه أيضا مراعاة مخارج الكلام بحسب مقاصده وأغراضه. فإن كان ترغيبا قرن الكلام باللين واللطف وأن كان ترهيبا خلطه بالخشونة والعنف. ومن آدابه أيضا ألا يرفع بكلامه صوتا مستكرها وأن يتأنى مستقبح الكلام، وليعدل إلى التلميح فيما استقبح فيه التصريح. ومن آداب الكلام اجتناب أمثال العامة الغوغاء والتمثل بأقوال العلماء والأدباء.

ويتحدث عن الصبر والجزع. ويذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب". وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} . وقال بعض البلغاء: "من صبر نال ما تمنى". والصبر مفتاح الفرج. ويقول الشاعر:

إن الأمور إذا سدت مطالبها

فالصبر يفتق منها كل ما ارتجا

لا تيأس وإن طالب مطالبة

إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

ويتحدث عن الجزع فيذكر إن من أسبابه تذكر المصاب وشدة الحسرة والأسف وكثرة الشكوى واليأس.

ويتحدث عن المشورة ويعتبر أن من الحزم لكل ذي لب ألا يعمل شيئا إلا بمشورة ذوي الرأي الناصح وذي العقل الراجح. قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المشورة حصن من الندامة وأمان من الملامة".

ويروي الماوردي ضرورة توفر خصال خمس في الشخص المطلوب مشورته هي العقل الكامل وكثرة التجارب والدين والتقوى وأن يكون ناصحا ودودا، سليم الفكر وألا يكون له غرض في الأمر موضع الاستشارة. ويتحدث الماوردي عن كتمان السر فيرى أنه من أقوى أسباب النجاح وأدوم لأحوال الصلاح.

ويتحدث عن المزاح والضحك فيرى في المزاح ذهاب الهيبة وتجرئ أو

ص: 354

تشجيع الغوغاء والسفهاء. ويقول إنما سمي المزاح مزاحا لأنه يزيح عن الحق. وقيل في منثور القول المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب. ويذكر الماوردي أن من المزاح ما هو لطيف عندما يكون هدفه إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين والتخلص من السأم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إني لأمزح ولا أقول إلا حقا".

أما الضحك فيقول عنه الماوردي إن الإكثار منه يزيل الهيبة والوقار. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من كثر ضحكه قلت هيبته". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه" ويتحدث الماوردي عن الطيرة والفال فيقول: "اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة". ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء أو يدفع مقدورا فقد جهل. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر". والعدوى ما يظنه الناس من تعدي العلل والأمراض وانتقالها. وأما الهامة فهو ما كانت العرب في الجاهلية تعتقده من أن القتيل إذا طال دمه فلم يدرك بثأره صاحت هامته في القبر. اسقوني أي أنها تطلب الثأر من القاتل. وأما الصفر فهو كالحبة يكون في الجوف يصيب الماشية والناس وهو أعدى عن العرب من الجرب.

ويقول الماوردي إن الفرس كانوا أكثر الناس طيرة. كانت العرب إذا أرادت سفرا نفرت أول طائر تلقاه فإن طار يمنة سارت وتيمنت. وإن طار يسرة رجعت وتشاءمت. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقال: "اقروا الطير على وكناتها": وقال الشاعر لبيد:

لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى

ولا زاجرات الطير ما الله صانع

أما الفأل فيقول الماوردي إنه يقوي العزم ويبعث على الجد ويعين على الظفر. فقد تفاءل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته وحروبه وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال: "أخذنا فألك من فيك". وروي أن يوسف عليه السلام شكا إلى الله تعالى طول الحبس فأوصى الله تعالى إليه: يا يوسف أنت حبست نفسك حيث قلت: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} ولو قلت:

ص: 355

العافية أحب إلي لعوفيت.

ويتحدث الماوردي عن المروءة ويرى أنها من شواهد الفضل ودلائل الكرم وحلية النفوس وزينة الهمم.

ويتحدث الماوردي عن أدب المأكل والمشرب فيقول إن الأكل والشرب مندوب إليه عقلا وشرعا لما فيه من حفظ النفس وحراسة الجسد. قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} . وينهي الشرع عن الوصال بين صوم اليومين لأنه يضعف الجسد ويميت النفس ويعجز عن العبادة. وكل ذلك يمنع منه الشرع ويدفع عنه العقل. أما الزيادة والإكثار من الطعام والشراب عن قدر الحاجة فهو ممنوع عقلا وشرعا. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إياكم والبطنة فإنها مفسدة للدين ومورثة للسقم مكسلة عن العبادة". وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات -لقيمات- يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلت لشرابه وثلث لنفسه".

ويقول الماوردي عن آدب اللباس إن الحاجة إليه أدعى من المأكل والمشرب لما فيه من حفظ الجسد ودفع الأذى وستر العورة وحصول الزينة. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} .

أما بالنسبة للراحة والنوم فيقول الماوردي إن للنفس حالتين حالة للنوم تستريح فيها، وإن حرمت منها، كلت وتعبت، وحالة اليقظة للتصرف والعمل إن استراحت فيها أخلت بواجباتها. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نومة الصبحة، معجزة منفخة مكسلة مورمة مفشلة منسأة للحاجة". وقيل في منثور الحكم: "من لزم الرقاد عدم المراد". فإذا أعطى النفس حقها من النوم والدعة واستوفى حقه بالتصرف واليقظة خلص بالاستراحة من عجزها وكلالها وسلم بالرياضة من بلادتها وفسادها. ويجعل الماوردي من الليل فرصة ليحاسب الإنسان نفسه على ما صدر من أفعال نهاره لأن الليل أكثر مدعاة للخاطر وأجمع للفكر فإن كان محمودا أمضاه وإن كان مذموما استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل. وقد سبق أن أشرنا إلى كلام ابن مسكويه عن أمراض النفوس

ص: 356

وعلاجها. وهناك اشتراك كبير في المعنى بينه وبين كلام الماوردي.

اختيار الإخوان قبل اصطفائهم:

يقول الماوردي تحت هذا العنوان على المرء أن يكتشف أخلاق إخوانه ويعرف أحوالهم قبل اصطفائهم وإخائهم لقول الحكماء "اسبر أي اختبر تخبر". ويجب ألا تدفع المرء وحدته على الإقدام قبل الخبرة، ولا حسن الظن على الاغترار بالتصنع، فإن الملق مصايد العقول، والنفاق تدليس الفطن. وهما سجيتا المتصنع. ولذلك قالت الحكماء "اعرف الرجل من فعله لا من كلامه واعرف محبته من عينه لا من لسانه". وقد قال الشاعر في هذا المعنى:

كم من أخ لك ليس تنكره

ما دامت في دنياك في يسر

متصنع لك في مودته

يلقاك بالترحيب والبشر

فإذا عدا، والدهر ذو غير

دهر عليك عدا مع الدهر

فارفض باجمال مودة من

يقلي المقل ويعشق المثرى

وعليك من حالاه واحدة

في العسر إما كنت واليسر

ويقول الماوردي إن الإنسان موسوم بسيماء من قارب ومنسوب إليه أفاعيل من صاحب. وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما من شيء أدل على شيء، ولا الدخان على النار، من الصاحب على الصاحب"، وقال بعض الحكماء "اعرف أخاك بأخيه قبلك". وقال عدي بن زيد في هذا المعنى

عن المرء لا تسأل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردي فتردى مع الردي

وقال بعض الأدباء لا تثق بالصديق قبل الخبرة. وقال الشاعر:

لا تحمدن امرأ حتى تجربه

ولا تدمنه من غير تجريب

فحمدك المرء ما لم تبله خطأ

وذمه بعد حمد شر تكذيب

ويجب ألا يغتر المرء بالمظاهر الخداعة. فقد يكون جمال الوجه أو البسمة

ص: 357

أو مدهون الكلام خداعا. فليس كل ما يلمع ذهبا. وعلى حد قول الشاعر

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

وقول آخر:

لا تحسبوا أن رقصي بينكم طرب

فالطير يرقص مذبوحا من الألم

ويذكر الماوردي أربع خصال هل أصل الاتفاق في اصطفاء الإخوان هي: العقل الموفور والدين ومحمود الأخلاق والميل والرغبة في المؤاخاة. أما بالنسبة للعقل الموفور فلأن العقل يهدي إلى الرشد. والحمق لا تثبت معه مودة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البذاء -أي الفحش في القول- لؤم وصحبة الأحمق شؤم". وأما بالنسبة للدين فلأنه يدفع صاحبه إلى الخير. وقال بعض الحكماء: "اصطف من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب. فإنه رد لك عند حاجتك ويد عند نائبتك وأنس عند وحشتك وزين عند عافيتك". أما بالنسبة لمحمود الأخلاق فلأن فعاله مرضية ويؤثر الخير ويأمر به ويكره الشر وينهي عنه. مودة الشرير تكسب العداء وتفسد الأخلاق. ولا خير في مودة تجلب عداوة وتورث مذمة وملامة. وأما بالنسبة لميل الصاحب إلى صاحبه والرغبة في مؤاخاته فلأن ذلك أوكد لحال المؤاخاة وأمد لأسباب المصافاة. فليس كل مرغوب إليه راغب وليس كل مطلوب إليه طالب. ومن طلب مودة ممتنع عليه كان معنى خائبا.

ويقول الماوردي إنه إذا اكتملت هذه الخصال الأربع في إنسان وجب إخاؤه وتعين اصطفاؤه. لكن الماوردي يضع شرطا احترازيا هو أن يكون الميل إلى اصطفاء الصديق والثقة فيه بمقدار توفر هذه الخصال فيه. وغلبة إحداها عليه. لأن الإخوان على طبقات مختلفة ولكل واحد منهم حال يختص بها، والتباين في الناس غالب. وبينهم اختلاف في الشيم والصفات وليس هناك من كملت صفاته. وقال بعض الحكماء الرجال كالشجر شرابه واحد وثمره مختلف. وقال الشاعر في هذا المعنى:

بنو آدم كالنبت

ونبت الأرض ألوان

فمنهم شجر الصندل

والكافور والبان

ومنهم شجر أفضل

ما يحمل قطران

ص: 358

وقال المأمون: "الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء يحتاج إليه أحيانا، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا.

ويعلق الماوردي على كلام المأمون بقوله "ولعمري إن الناس على ما وصفهم". ثم يستدرك بقوله: ولكن ليس من كان منهم كالداء من الإخوان المعدودين بل هم من الأعداء المحذورين.

ويقول الماوردي إنه يجب الإغضاء عن هفوات الإخوان وذلاتهم وأخطائهم فمن منا كملت صفاته. والكمال لله وحده وابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وقد قال أبو الدرداء رضي الله: "معاتبة الأخ خير من فقده ومن لك بأخيك كله؟ وقد قال الشاعر في هذا المعنى:

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

وقال النابغة الذبياني:

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

ويتحدث الماوردي عن حق الصديق على الصديق فيقول: "إن أول حقوقه اعتقاد مودته ثم إيناسه بالانبساط إليه في غير محرم ثم نصحه في السر والعلانية ثم تخفيف الأثقال عنه ثم معاونته فيما ينوبه من حادثة أو يناله من نكبة. فلا يعرف الصديق إلا وقت الضيق".

ويذكر الماوردي ناحية هامة في علاقة الصديق بالصديق هي ألا يفرط ولا يكثر في محبته لأن الإفراط داع إلى التقصير، والشيء إذا زاد عن حدة انقلب إلى ضده. وقد روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما". ومن مأثور القول:

احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة

ص: 359