المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مراحل التربية الخلقية: - التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية

[محمد منير مرسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌نبذة تفصيلية عن المؤلف

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس:

- ‌تمهيد: مشكلات منهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية

- ‌الفصل الأول: التربية الإسلامية

- ‌تربية العرب قبل الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل القلم:

- ‌فضل الخط:

- ‌فضل الكتب:

- ‌مكانة العلم في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل المسلمين على العلم:

- ‌لماذا أنطفأت شعلة العلم الخلاقة في المجتمعات الإسلامية

- ‌تأثير الفكر الإسلامي في الغرب:

- ‌الرحلة في طلب العلم:

- ‌التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد:

- ‌كيف نبدأ

- ‌حول توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أهداف التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌لماذا خلقنا

- ‌ما يصلح به حال الإنسان:

- ‌العبادة غاية الوجود الإنسان وأساس السلوك الأخلاقي

- ‌التكسب واجب:

- ‌أسس التربية الإسلامية

- ‌التربية الإسلامية تربية تكاملية شاملة

- ‌ التربية الإسلامية تربية مثالية واقعية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية عملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فردية واجتماعية معا:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لضمير الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان وإعلاء لدوافعه:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متدرجة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية محافظة مجددة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية إنسانية عالمية:

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌أسلوب القدوة الصالحة

- ‌ أسلوب الثواب والعقاب:

- ‌ أسلوب التوجيه والنصح:

- ‌ أسلوب الحوار والمناقشة:

- ‌ أسلوب المعرفة النظرية:

- ‌أسلوب الممارسة العملية

- ‌ أسلوب الرسم والإيضاح:

- ‌ أسلوب التلقين والحفظ:

- ‌أسلوب الرسول الكريم:

- ‌التعليم الإسلامي

- ‌خصائص التعليم الإسلامي التقليدي

- ‌المنهج المدرسي

- ‌وسائل التدريس

- ‌مساكن الطلبة:

- ‌الجمع بين طلب العلم والتكسب:

- ‌الدولة والتربية في الإسلام:

- ‌أهل الحسبة ورعاية المصالح العامة والتعليم:

- ‌وجوب التعليم:

- ‌التعليم في الإسلام فرض وابج وليس مجرد حق

- ‌الفصل الثالث: فلسفة التربية الإسلامية

- ‌أولا: الإسلام والكون "مدخل أطولوجي

- ‌خالق الكون

- ‌البرهنة على وجوده:

- ‌الفرق بين التصديق والإيمان:

- ‌خلق السموات والأرض

- ‌حقيقة الكون:

- ‌نظرة الإسلام للكون:

- ‌الأنبياء وكتب الشرائع:

- ‌الكون والتطور:

- ‌رفض علماء المسلمين لنظريات التطور الغربية:

- ‌دورة الحياة:

- ‌ما تصلح به حال الدنيا:

- ‌ثانيا: المعرفة في الإسلام "‌‌مدخلابستمولوجي

- ‌مدخل

- ‌طبيعة المعرفة وأنواعها:

- ‌تعلم الإنسان من غيره من المخلوقات:

- ‌ثالثا: الأخلاق في الإسلام مدخل إكسيولوجي

- ‌الفصل الرابع: تربية الطفل في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌نشاط الطفل دليل صحة:

- ‌مراحل التربية الخلقية:

- ‌آداب المتعلم:

- ‌شروط تحصيل العلم:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: تعليم المرأة في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌المرأة والحجاب:

- ‌قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها:

- ‌المرأة والتعليم:

- ‌آراء علماء المسلمين في تعليم المرأة

- ‌أولا: آراء غريبة عن الإسلام

- ‌ثانيا: آراء معتدلة تتفق مع روح الإسلام:

- ‌التعليم المختلط:

- ‌التربية الزوجية:

- ‌حق الزوجة على زوجها:

- ‌الفصل السادس: المعلم في التربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌أهمية المعلم ومكانته:

- ‌واجبات وأدوار المعلم:

- ‌أخلاق المعلمين:

- ‌أجر المعلم:

- ‌الفصل السابع: تطور التربية الإسلامية وأهم سماتها في العصور الوسطى

- ‌مراحل تطور التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للتربية الإسلامية: مرحلة البناء

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة العصر الذهبي أو الازدهار

- ‌السمات العامة للتربية الإسلامية في العصر الذهبي

- ‌دخول العلوم العقلية

- ‌ نشأة المدارس:

- ‌ ظهور الآراء التربوية المتميزة:

- ‌الفصل الثامن: مركز التعليم الإسلامي

- ‌أولا: المساجد

- ‌ثانيا: الكتاب

- ‌هدف الكتاب

- ‌الدراسة في الكتاب:

- ‌نقد طريقة التعليم بالكتاب:

- ‌معلم الكتاب:

- ‌مكان التعليم:

- ‌ثالثا: المدارس

- ‌مدخل

- ‌أسباب إنشاء المدارس:

- ‌نمط المدرسة الإسلامية الأولى:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌مناقب ومثالب:

- ‌رابعا: المكتبات

- ‌خامسا: دور الحكمة

- ‌بيت الحكمة في بغداد

- ‌ بيت الحكمة في رقادة:

- ‌ دار الحكمة بالقاهرة:

- ‌سادسا: حوانيت الوراقين:

- ‌سابعا: الرباطات:

- ‌ثامنا: البيمارستانات والمستشفيات

- ‌تاسعا: منازل العلماء

- ‌الفصل التاسع: أعلام التربية الإسلامية في العصر الوسيط

- ‌ابن سحنون وآراؤه التربوية

- ‌ القابسي وآراؤه التربوية:

- ‌ابن مسكويه وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مؤلفات ابن مسكويه:

- ‌تأثر ابن مسكويه بفلاسفة الإغريق

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌النفس الإنسانية:

- ‌الفضيلة وصفاتها الأخلاقية:

- ‌الكمال الإنساني:

- ‌الأخلاق:

- ‌أمراض النفوس وعلاجها:

- ‌تربية النشء:

- ‌الماوردي وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌الماوردي والأصفهاني وابن خلدون:

- ‌الإنسان مدني بطبعه:

- ‌العقل أس الفضائل:

- ‌ضرورة التأديب:

- ‌شرف العلم وفضله:

- ‌شروط طلب العلم:

- ‌الباعث على طلب العلم:

- ‌التدرج في طلب العلم:

- ‌كبير السن والتعلم:

- ‌أسباب التقصير في طلب العلم:

- ‌أخلاق العلماء:

- ‌آداب رياضة النفس واستصلاحها:

- ‌الغزالي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌الغزالي ناقل عن ابن مسكويه وغيره من المسلمين والإغريق:

- ‌منهج الغزالي في تربية الطفل:

- ‌ابن تيمية وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌أسرته:

- ‌عصره:

- ‌وفاته:

- ‌ ابن خلدون وآراؤه التربوية:

- ‌الفصل العاشر: التربية في الشرق العربي الإسلامي في العصور الحديثة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الحركة الإصلاحية السلفية والتعليم:

- ‌ دعوات التغريب والتشكيك الفكري:

- ‌الفصل الحادي عشر: أعلام النهضة التربوية في الشرق العربي الحديث

- ‌محمد بن عبد الوهاب وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌تأثير ابن تيمية:

- ‌أراؤه وجهوده التربوية:

- ‌رفاعة الطهطاوي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌أخلاق المعلمين والمتعلمين:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌على مبارك وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌جهوده الفكرية والثقافية:

- ‌جهوده في التربية والتعليم:

- ‌الشيخ محمد عبده وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مدرسة الإمام:

- ‌جهوده العلمية والفكرية:

- ‌آراؤه في التربية:

- ‌مراتب التعليم:

- ‌على الأغنياء بذل المال في إنشاء المدارس:

- ‌تطوير الأزهر:

- ‌تعليم المرأة:

- ‌وفاة الإمام:

- ‌الفصل الثاني عشر: الاتجاهات التربوية في العصر الحديث

- ‌اقتباس النظم التعليمية الحديثة

- ‌ ظهور حركة التربية الحديثة:

- ‌استقدام الخبراء الأجانب

- ‌تقرير كلاباريد

- ‌ تقرير مان:

- ‌ الاهتمام بإعداد المعلمين:

- ‌ إنشاء الجامعات الحديثة:

- ‌ظهور الاتجاهات التعليمية المتميزة

- ‌سياسة الأبعاد الثلاثية "نجيب الهلالي

- ‌اتجاه الكم أو سياسة الماء والهواء: "طه حسين

- ‌اتجاه الكيف أو تعليم الصفوة: "إسماعيل القباني

- ‌ تطوير الأزهر:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌كتب المؤلف

الفصل: ‌مراحل التربية الخلقية:

‌مراحل التربية الخلقية:

يميز علماء المسلمين بين مرحلتين رئيسيتين في التربية الأخلاقية للطفل، المرحلة الأولى ويسمونها بمرحلة "التخلية" أي تخلية طبع الطفل من كل رذيلة وإبعاده عن كل مؤثرات الشر والسوء وعدم مخالطته لقرناء السوء، فقد نهانا الرسول عن قرناء السوء فقال:"إياك وقرين السوء" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب الفاجر فتتعلم فجوره" وقال: "إن الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التحلية والتزكية ويقصد بها تحلية الطفل بالفضائل الكريمة والأخلاق المحمودة عن طريق تشربه لهذه الأخلاق واكتسابه العادات الحسنة من مخالطته للقدوات الصالحة. والمسلم الكامل هو الذي اكتملت أخلاقه بإكمال دينه وإيمانه. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا". يضاف إلى ذلك أيضا ما سبق أن قلناه عن التربية الإسلامية باعتبارها تربية متدرجة.

التدرج في تربية الطفل:

التربية الإسلامية كما سبق أن أشرنا تربية متدرجة تتمشى مع طبيعة نمو الإنسان، وقد جاء الإسلام نفسه متدرجا في أحكامه التي ربي عليها المسلمون الأوائل، ومن مظاهر تدرج التربية الإسلامية الاهتمام بتربية الجسم في السنوات الأولى من حياة الطفل حيث تكون هذه التربية ألزم ما تكون لنموه الجسمي السريع في هذه المرحلة. ثم تأتي مرحلة التأديب والتهذيب والتعليم بعد هذه المرحلة عندما يصل الطفل إلى سن العقل والتمييز، ولهذا تكون التربية في هذه المرحلة تربية عقلية أخلاقية. وأخيرا تأتي مرحلة النضج والاكتمال حيث يكون الإنسان قد وصل إلى المرحلة التي فيها المسئولية كاملة ويقوم بواجباته وأدواره الاجتماعية في الحياة كراشد مسئول يتحمل فيها نتائج تصرفاته وأعماله.

وعلى مستوى تعليم الصبيان أشار علماء المسلمين إلى ضرورة التدرج في تعليم الصبي والبدء بالأشياء السهلة ثم الانتقال منها إلى ما هو أصعب.

ص: 201

ويطالبون المعلم بألا يخوض في العلم دفعة واحدة بل يتدرج فيه مع مراعاة الترتيب بالأهم. وكذلك ينبغي عليه ألا يخوض في علم إلا بعد أن يستوفي ما قبله، فالعلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق بعض.

ويميز ابن خلدون بين ثلاث مراحل سماها "تكرارات" في التعليم. المرحلة الأولى يكون التعليم فيها إجمالا والثانية تفصيلا والثالثة تتناول ما استشكل في العلم ومسائل الخلاف فيه. وسنشير إلى تفصيل رأي ابن خلدون.

ويؤكد الغزالي على ضرورة فهم المعلم لطبيعة الصبي، وهذا يتأتى من دراسته لنفسية الصبيان الذين يعلمهم فهم ليسوا سواء، وهذه الدراسة تساعده من ناحية أخرى على إيجاد الصلة الإنسانية بينه وبينهم. وعلى المعلم أن يتدرج في تعليم الصبي وأن يبدأ معه من السهل إلى الصعب. وفي ذلك يقول الغزالي:"إن أول واجبات المربي أن يعلم الطفل ما يسهل عليه فهمه لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى ارتباكه العقلي وتنفره من العلم".

تعلم آداب المأكل والمشرب والملبس وبعض الآداب العامة:

وضع الإسلام للمأكل والمشرب والملبس آدابا كما وضع آدابا عامة ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم. كما ينبغي على كل مسلم أن ينشئ أولاده وأهله عليها. فمن الآداب العامة في كل هذه الأمور الاتزان، والاعتدال، وعدم المبالغة فيها، أو التباهي بها، أو التفاخر. فقد ورد في الأثر "حسب ابن آدم من طعامه لقيمات يقمن صلبه". و "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه". و "جوعوا تصحوا". و "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع". وقد حدثنا ديننا على أن نراعي في مطعمنا ومشربنا ألا نملأ معدتنا بالطعام حتى لا نصاب بالبطنة وهو مرض يصيب المسرفين الجشعين في الطعام والشراب، وأن نراعي أن يكون ثلث معدتنا للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس. كما أن الإنسان يأكل ليعيش ولا يعيش ليأكل. قال ابن قدامة:"شهوة البطن من أعظم المهلكات وبها أخرج آدم عليه السلام من الجنة. ومن شهوة البطن تحدث شهوة الفرج والرغبة في المال، ويتبع ذلك آفات كثيرة كلها من بطر الشبع". وهذا يذكرنا بما ورد في الأثر عن جماعة من الناس "قوم إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا زنوا". وبالنسبة للملبس أو

ص: 202

اللباس فالغرض منه ستر العورة وحماية الجسم. ويجب أن يتخير المرء من اللباس ما يحقق هذا الغرض بدون إسراف أو رغبة في التفاخر، وأن يتخير لنفسه ولأهله من اللباس ما لا يرهقه بالمال أو لا يقدر عليه فالمثل يقول:"على قدر لحافك مد رجليك".

ومن الآداب التي نادى بها علماء المسلمين في تربية الأطفال والصبية على آداب الطعام أن نعودهم منذ البداية إذا جلسوا على مائدة الطعام ألا يبادروا أو يسرعوا إلى الطعام بل عليهم أن ينتظروا حتى يجتمع شمل الجميع ويبدءوا جميعا في الأكل معا. كما لا ينبغي لهم ألا يقبلوا على الطعام بنهم أو شره أو أنانية ولا يأخذوا منها إلا كمية قليلة تقل عن حاجتهم فإذا أرادوا المزيد فليتزودوا بحيث لا يتركون فائضا من الطعام في طبقهم أو أمامهم. وعليهم ألا يبلعوا الطعام أو يزدردوه ازدرادا بل عليهم أن يحسنوا مضغة لأن في جودة المضغ تسهيل لهضمة ولا ينبغي للأطفال أو الصبية أن يديموا النظر أو يمنعوه في أنواع الطعام الموجودة أمامهم وأن يتناولوا منها ما هو أقرب إليهم وألا يزاحموا أحد آخر إذا كان قد سبقهم إلى نوع من الطعام. بل عليهم الانتظار قليلا حتى ينتهي من سبقهم ويأتي دورهم. وينبغي على الصبي ألا يحدث صوتا أثناء الأكل أو أثناء مضغ الطعام أو أثناء شرب الماء وأن يصغر لقمته بمقدار فمه ولا يملأ فمه بالطعام المتواصل وتوالي اللقم بسرعة بل ينتهي أولا من مضغ ما أكل وبلعه ثم يبدأ في تناول غيره. وينبغي على الصبي أيضا ألا يلطخ أو يوسخ يده أو فمه أو ثوبه بالطعام لأن هذا يثير اشمئزاز الجالسين معه ولو كانوا أهله وأخوته. وينبغي ألا يلحظ من يؤاكله ولا يتتبع بنظره مواقع يده من الطعام وأن يؤثر غيره بما يليه وإن كان أفضل مما عنده وأن يضبط شهوته ويقتصر على أدنى الطعام. وينبغي أن يربي الصغير على أن الطعام يراد به صحة الجسم للعيش لا لذة الطعام والإسراف فيها لأننا نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل كما سبق أشرنا. ويرى بعض علماء المسلمين أن تكون الوجبة الرئيسية هي العشاء وليست الغذاء كما يجري العادة لأن ذلك يساعد على عدم الكسل أو النوم أثناء النهار. كما يرون أن من الأنفع للصبي عدم الإسراف في أكل اللحم أو الحلوى لأن الأكثار منها يضر الجسم كما

ص: 203

أنه يعود الصبي النهم والشره ومحبة الأكل. وينبغي أن يعود الطفل على الأكل في مواعيد منتظمة كما ينبغي أن يقتصد جهد الطاقة فيما يدخل بطنه من أطعمه أو حلوى أو مشروبات بين الوجبات أو بين كل أكله وأخرى. وينبغي أن يبدأ طعامه بالبسملة وينهيه بحمد الله وشكره والدعاء بإدامة النعمة من الله. كما ينبغي عليه أن يستخدم يده اليمنى في الأكل لقوله صلى الله عليه وسلم ينصح غلاما: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" وينبغي أن يغسل يديه وفمه بعد الأكل ويفضل أن يستخدم السواك أو الفرشاة لتنظيف أسنانه بعد كل وجبة لا سيما بالليل وفي أول الصباح. وبالنسبة للباس والزينة فيجب أن يقتصد الصبي فيها على قدر الحاجة ولا يتشبه بالنساء في اللباس أو لبس الخواتم أو السلاسل أو الساعات الذهبية أو المصنوعة من الذهب أو الجواهر الثمينة أو ما يوحي بحب الظهور أو التفاخر. ولا يجب أن يفتخر الصبي على أقرانه بأي شيء يملكه بل يجب أن يكون متواصعا مع كل من يعامله من الرفاق. كما ينبغي أن يعود الصبي على عدم ترك شعره طويلا بل يبادر إلى قصه وحلاقته كما يقص أظافره ويقلمها أيضا كلما طالت.

ومن الآداب العامة الأخرى التي ينبغي تعويد الطفل عليها أن يعود على طاعة الله وطاعة والديه ومعلميه ومؤدبيه وأن يمنع من الكذب وعدم الحلف صادقا أو كاذبا وأن يتعود الصمت وقلة الكلام ويكون للرد أو الجواب دون لغو في القول، وأن يمنع من السب والشتم واللعن، وأن يعود التأدب والوقار والاحتشام والتواضع، وأن يحترم ويوقر من هو أكبر منه وأن يعطف علي ويرحم من هو أصغر منه وأن يعود خدمة نفسه ومن وهو أكبر منه. وأن نربيه على الإيثار لا الأنانية وحب الذات. كما نربيه على السعي في الخير وأداء الواجب وعدم التقصير فيه ومراعاة حقوق الغير كالجار والصديق والفقير والمريض والمحروم واليتيم والضعيف وما شابه ذلك.

ويجب أن يحبب إلى الصبي العلم وتلقيه والحرص عليه وأن نطالبه بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم وجيد الشعر والنثر ومحاسن الأخبار وسير العظماء. وعلى الأهل والآباء أن يمتدحوا في الصبي كل ما يبدو منه من فعل جميل وخلق

ص: 204

نبيل وسلوك حسن. وأن يكرموه ويكافئوه عليه. وفي حالة الخطأ أو التقصير لا يجب أن يكاشف به ولا يوبخ عليه ويتغافل عنه لا سيما إذا حاول الصبي إخفاءه وستره لأنه عندئذ يكون قد أحس بخطئه ولهذا تترك له الفرصة لتقويم نفسه بنفسه؟ فإن عاد إلى ذلك وكرره أو لم يحاول إخفاءه وجب توجيهه وإرشاده بطريقة غير مباشرة. ولا يجب أن يستخدم التأديب أو اللوم أو التقريع أو الضرب لتأديب الصبي لأن ذلك يسبب له بلادة الحس وينمي في نفسه نزعة التمرد والعصيان. ويكون استخدام مثل هذه العقوبات بقدر يسير دون زيادة في الألم في حالة الضرورة وفي نهاية المطاف على طريقة العرب في العلاج والتي يحددها القول المعروف "آخر العلاج الكي" ويرى بعض علماء المسلمين منهم الغزالي وابن مسكويه أن يؤذن للصبي في بعض الأوقات باللعب لعبا جميلا يستريح إليه من عناء التعب والتعليم وحضور الدروس وأن يكون لعبه في غير ألم أو عنف أو تعب شديد. وقد أشرنا إلى تفصيل ذلك في كلامنا عن الغزالي ويستحسن الرجوع إليه.

تعلم آداب الاستئذان:

ومن الآداب التي يتعلمها الطفل من صغره أيضا أدب الاستئذان. إذ يجب عليه أن يتعلم الاستئذان في الدخول على أهله ولا سيما في أوقات معينة مثل وقت الراحة والنوم حين يكون الإنسان معرضا لظهور عورته فيطلع عليها الطفل. قال تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} . وإذا بلغ الطفل الحلم ويبلغ الرجال فليستأذن: قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .

الدين أصل الأخلاق:

يعتبر المربون المسلمون الذين أصل الأخلاق، فالدين أساس التربية الخلقية في الإسلام، ولذلك يجب أن يعمل التعليم على تهذيب الأخلاق، وأساس

ص: 205

الأخلاق عنده الضمير الخلقي الحي المستمد من الدين الذي يعتمد على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ما الإيمان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ويكون اكتساب الأخلاق عن طريق التعليم والقدرة، ولذلك كانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ذا فائدة تعليمية خلقية عظيمة. قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ويبين ابن مسكويه أثر الدين في أخلاق الصبيان فيقول:

"والشريعة هي التي تقوم الأحداث وتعودهم الأفعال المرضية وتعد نفوسهم لقبول الحكمة وطلب الفضائل والبلوغ إلى السعادة الإنسانية". "وعلى الوالدين أخذهم بها وبسائر الآداب الجميلة بضروب السياسات من الضرب إذا دعت إليه الحاجة أو التوبيخات أو الإطماع في الكرامات أو غيرها مما يميلون إليه من الراحات أو يحذرونه من العقوبات، حتى إذا تعودوا ذلك واستمروا عليه مدة من الزمان كثيرة أمكن فيهم حينئذ أن يعلموا براهين ما أخذوه تقليدا".

الطاعة أساس الفضائل:

تعتبر الطاعة أساس الفضائل في التربية الإسلامية، وقد أوجبها الله عز وجل بقوله:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . فالطاعة لكل هؤلاء مظهر للخلق الكريم. ويقول ابن مسكويه: "وينبغي أن يعود الطفل طاعة والديه ومعلميه ومؤدبيه وأن ينظر إليه بعين الجلالة والتعظيم ويهابهم".

الفضائل والرذائل:

إن الفضائل من تمام كمال الإنسان وقد تنبه المسلمون إلى أثر تكوين العادة في اكتساب الفضائل لدى الإنسان، ولذا يوصون المعلم بتوجيه الصبيان إلى العادات الحسنة وإبعادهم عن الرذيلة، وأول الصفات الطيبة التي يتحلى بها في نظرهم هي الطاعة كما سبق أن أشرنا.

ومن الصفات الطيبة النظام، فالفوضى مفسدة للصبيان ويقتضي النظام من الصبيان الانتظام في الحضور وعند الانصراف من الدرس والتحلي بالنظام في

ص: 206

الدرس والأعمال المدرسية.

والعبادات الإسلامية خير ما يعود على الطاعة والنظام، ولذا كانت ممارستها واجبة. والمعلم مطالب بتعليمها للصبيان باعتبارها أصل الفضائل وعصمة الرذائل -كما أشرنا أيضا.

ويؤكد ابن الجزار على أخذ الصبيان بالأدب منذ الصغر، لأن العادة طبيعة ثانية وقد قال أحد الفلاسفة: "إن أكثر الناس إنما أوتوا سوء مذاهبهم من عادات الصبا إذا لم يتقدمهم تأديب وإصلاح أخلاقهم وحسن سياستهم فلذلك أمرنا نحن أن يؤدب الصبيان وهم صغار لأنهم ليست لهم عزيمة تعرفهم بما يؤمرون من المذاهب الجميلة والأفعال الحميدة والطرائق المثلى، ولم تغلب عليهم بعد عادة رديئة تمنعهم من اتباع ما يراد بهم من ذلك. فمن عود ابنه الأدب والأفعال الحميدة والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة ونال المحبة والكرامة وبلغ غاية السعادة، ولما كان للعادة هذا التأثير الكبير وجب أن يؤدب الأطفال ويعودوا على الأشياء الجميلة وتربيتهم تربية فاضلة.

وقد قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا

على ما كان عوده أبوه

ويقول ابن الجزار القيرواني عالم القرن الثالث الهجري "التاسع الميلادي" في كتابه سياسة الصبيان وتدبيرهم: أن يؤخذ الصبيان بالأدب منذ الصغر لأنهم أسلس قيادة وأحسن مواتاة وقبولا. فإن قال لنا قائل: قد نجد من الصبيان من يقبل الأدب قبولا سهلا، ونجد منهم من هو كثير الحياء ونجد منهم من يعني بما يعلمه ويتعلمه بجد واجتهاد ونجد من هو يمل التعليم ويبغضه، وقد نجد أيضا ذوي العناية منهم وذوي العلم من إذا مدح تعلم علما كثيرا. ومنهم من يتعلم إذا عاتبه المعلم ووبخه، ومنهم من لا يتعلم إلا للخوف من الضرب. وكذلك نجد اختلافا كثيرا ومطردا في الذين يملون التعليم ويبغضونه.

ويبدو أن ابن الجزار يأخذ في تربية الأطفال بمبدأ الطبع من التطبع أي أن طبائع الأطفال إنما تكون بتطبعهم وتربيتهم، وهذا مبدأ إسلامي سليم، ويتمشى

ص: 207

ابن الجزار أيضا مع المبدأ الإسلامي في تربية الطفل بأن آخر العقاب الضرب بعد أن تفشل الوسائل الأخرى مثل الترغيب والترهيب.

العدل في المعاملة:

إن أساس المعاملة في الإسلام هو العدل، يستوي في ذلك الصغار والكبار على السواء. فقد أوجب الإسلام على الآباء العدل بين أولادهم. قال صلى الله عليه وسلم:"اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدل بينكم" وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". كما أوجب على الآباء المساواة بين الأبناء وعدم التمييز بينهم في المأكل والملبس والعطاء والمحبة والتقدير.

احترام الطفل ومعاملته باللطف:

تؤكد التربية الإسلامية على ضرورة احترام الطفل واحترام شخصيته وعدم التقليل من شأنه لصغره. كما يجب معاملته باللطف واللين، ومن الشواهد على ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا مر على الصبيان سلم عليهم، واقتدى صحابته به في ذلك. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لا يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلاطف الأطفال ويمازحهم ليدخل السرور على قلوبهم كما كان يهش ويبش في وجوههم. ويروى أن أناسا من الأعراب قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قال: "نعم" قالوا: لكنا والله ما نقبل: قال صلى الله عليه سلم: "أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلوبكم" وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له صبي فليتصاب له".

الرفق في المعاملة:

من الاعتبارات الإسلامية الهامة في معاملة الصبي الرفق به، وعلى المعلم أن يترفق بتلاميذه ولا يتشدد معهم. ومن حسن رعايته لهم أن يكون بهم رفيقا وعليه أن يجريهم منه مجرى بنيه. وإذا ما أخطأ الصبي منتهكا الطريق السوي راضه المعلم مبينا له السبيل التي ينبغي سلوكها وأول سبل الرياضة الإفهام والتنبيه. يقول ابن مسكويه:

"وإذا أخطأ الصبي فأولى ألا يوبخ عليه ولا يكاشف بأنه أقدم عليه بل

ص: 208

ويتغافل عنه تغافل من لا يخطر بباله أنه قد تجاسر على مثله ولا هم به ولا سيما إن ستره الصبي واجتهد في أن يخفي ما فعله عن الناس". "فإن عاد فليوبخ عليه سرا

ويحذر من معاودته فإنك إذا عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة وحرضته على معاودة ما كان استقبحه وهان عليه سمع الملامة". "والذنب الأول الذي يرتكبه الصبي يعفى عنه والثاني يعاتب عليه عتابا غير مباشر كأن يقال له: إن فعل كذا وكذا قبيح والثالث يعاتب عتابا مباشرا. فإن عاد إلى ذلك ضرب ضربا خفيفا. فإذا استعمل المعلم هذه الطرق ولم ينته الصبي فعليه أن يتركه مدة ثم يعود إليه بنفس الطرق".

الشدة مضرة بالمتعلم:

عقد ابن خلدون فصلا في مقدمته عن الشدة على المتعلمين وأنها مضرة بهم قال فيه: "إن إرهاق الجسد في التعليم يضر بالمتعلم ولا سيما في أصاغر الولد لأن من كان مرباه بالعنف والقهر من المتعلمين ذهب نشاط نفسه ودعاء ذلك إلى الكسل وحمله على الكذب والتظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه. وربما صارت له هذه عادة وخلقا فتفسد معاني الإنسانية عنده وتكسل نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل".

ضرورة المدح والتشجيع:

يتفق المربون المسلمون على ضرورة مدح الطفل وتشجيعه إذا ما أظهر أي شيء يستحق المدح، وذلك تشجيعا له. ويقول ابن مسكويه في "تهذيب الأخلاق":"ويمدح الصبي بكل ما يظهر فيه من خلق جميل وفعل حسن يكرم عليه" "وعلى المعلم أن يغبطه على إحسانه

ليعرف وجه الحسن من القبح فيدرج على اختيار الحسن".

لزوم التأديب:

إن تأديب الطفل كما يقول الماوردي يلزم من وجهين: أحدهما ما لزم الوالد لولده في صغره. والثاني: ما لزم الإنسان في نفسه عند نشأته وكبره. فأما

ص: 209

التأديب اللازم للأب، فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها، فينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر، لأن نشأة الصغير على الشيء تجعله متطبعا به، ومن أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرا. وقد روى عن النبي "صلى الله عليه وسلم": أنه قال: "ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن يفيد إياه أو جهل قبيح يكفه ويمنعه منه" وقال بعض الحكماء: بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الأشغال وتفرق البال

وقال بعض الشعراء:

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

ولا يلين إذا قومته الخشب

قد ينفع الأدب الأحداث في الصغر

وليس ينفع عنده الشيبة الأدب

وقال آخر:

ينشو الصغير على ما كان والده

إن الأصول عليها ينبت الشجر

وقال شاعر آخر في هذا المعنى:

وينشأ ناشئ الفتيان منا

على ما كان عوده أبوه

وذلك لأن النفس البشرية تحتاج دائما على التطبع بالخصال الحميدة وإلا خرجت عن طبيعتها. وقد قال البوصيري في بردته المشهورة:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

آخر العقاب الضرب:

إن العقوبة مشروعة في الإسلام وجعل الله لنا في القصاص حياة. وقد أقر المربون المسلمون مبدأ عقاب الصبيان، لكنهم اشترطوا الرفق بهم تمشيا مع روح الإسلام التي تتسم بالرحمة والعفو. كما أن منزلة المعلم من الصبي هي منزلة الوالد. وهو مطالب أن يكون رفيقا به عادلا في عقابه غير متشدد فيه، ومن الرفق ألا يبادر المعلم إلى العقاب إلا إذا أخطأ الطفل، وإنما ينبهه مرة بعد أخرى فإذا لم ينتصح لجأ إلى العقاب. وقد نهى المربون المسلمون عن استخدام أسلوب الحرمان من الطعام والشراب في العقاب، لما له من أثر على صحة الطفل في هذه المرحلة، ونهوا المعلم عن الانتقام في العقاب، وضرب الصبيان في حالة الغضب

ص: 210

حتى لا يكون "ضرب أولاد المسلمين لراحة نفسه". وأشاروا إلى اتباع أسلوب الترغيب والترهيب في معاملة الصبيان. فأقروا الضرب كعقوبة إلا أنهم اشترطوا لها شروطا من أهمها:

1-

لا يجوز ضرب الأطفال قبل العاشرة لقوله: "واضربوهم لعشر".

2-

لا يجوز ضرب الطلاب الذين تقدمت أعمارهم.

3-

ألا يوقع المعلم الضرب إلا على ذنب وللضرورة القصوى ولا يكثر فيه.

4-

أن يكون العقاب على قدر الذنب لا للتشفي.

5-

أن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث، ويستأذن ولي الأمر فيما زاد عن ذلك.

6-

أن يقوم المعلم بالضرب بنفسه ولا يوكله لواحد من الصبيان.

7-

أن يكون الضرب على الرجلين ويتجنب الضرب على الوجه والرأس أو الأماكن الحساسة من الجسم.

8-

أن تكون آلة الضرب هي الدرة أو الفلقة، ويجب أن يكون عود الدرة رطبا مأمونا.

ضرورة الترويج واللعب:

من المعروف أن الطفل يقضي جزءا كبيرا من سنوات عمره الأولى في اللعب

وبعض صغار الحيوانات على سبيل المثال كالقطط والجراء وهي صغار الكلاب تقضي وقتا كبيرا من حياتها تلعب وتمرح. والأم سواء بالنسبة للإنسان أن الحيوان تشارك الصغار في هذا اللعب. ويميل الأولاد عادة إلى اللعب بالأشياء الميكانيكية الآلية والعسكرية وبناء القلاع والحصون. أما البنات الصغيرات فيملن إلى اللعب بالعرائس والمنازل والحيوانات. وهذه الأشياء كما يبدو تتصل بحياة وأعمال الكبار. وقد لا يكون للأطفال الاختيار في لعبهم لأن الكبار هم الذين يقدمونها لهم. وهم بذلك يحددون نوع اللعب المناسبة للبنت والولد في ضوء أفكارهم وقيمهم وتوقعاتهم.

وقد أكد المربون في الشرق والغرب أهمية اللعب في التربية لأن الطفل من

ص: 211

خلاله يكتسب مهارات معرفية وحركية وجسمية فضلا عن أنه عن نفسه بل إن بعض الباحثين يرى أن البحث العلمي ما هو إلا استمرار لنزعة اللعب عند الصغار وامتدادها لحياة الكبار "Pickering: p.11". وفي الغرب أكد المربون من أمثال جون لوك وجان جاك روسو وياسيدو وكومينيوس على أهمية اللعب في التربية. بل إن فرويل الذي أنشأ رياض الأطفال كان معلما ناجحا واستخدم اللعب كوسيلة تربوية للأطفال. وفي الشرق نجد أن التربية الإسلامية تهتم بتربية الطفل خلال اللعب والترويح عن نفسه. وفي تربية الولد يشير الغزالي إلى ضرورة الترويح عن الصبي، وأشار إلى موضوع اللعب الذي قال: إن له ثلاث وظائف: يروض جسم الصغير ويقويه، ويدخل السرور على قلبه، ويريح الصبي من تعب الدروس، ويروح عن تعب النفس كللها ومللها. ويقول ابن مسكويه في نفس المعنى:

"وينبغي أن يؤذن له في بعض الأوقات أن يلعب لعبا جميلا ليستريح إليه من تعب الأدب، ولا يكون في لعبه ألم ولا تعب شديد".

أفضل الأوقات:

أفضل الأوقات لطالب العلم شرخ الشباب بالنسبة للعمر ووقت السحر وما بين العشاءين للاستذكار كما يقول الزرنوجي. وينبغي لطالب العلم أن يستغرق جميع أوقاته فإن مل من علم يشتغل بعلم آخر. وهذه نظرة ثاقبة من الزرنوجي تتفق مع أحدث نظريات وآراء علم النفس التعليمي. ويشير الزرنوجي إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه كان إذا مل من الكلام يقول: هاتوا ديوان الشعراء. وكان محمد بن الحسن لا ينام الليل وكان يضع عنده الدفاتر. وكان إذا مل من نوع ينظر في نوع آخر. وكان يضع عنده الماء ويزيل نومه بالماء. وكان يقول: إن النوم من الحرارة فلا بد من دفعه بالماء البارد.

توجيه المتعلم إلى دراسة ما يناسبه:

يشير الزرنوجي إلى ما يعرف الآن بالإرشاد الأكاديمي ودور المعلم في توجيه المتعلم إلى نوع الدراسة الملائمة له فيقول: "وينبغي لطالب العلم ألا يختار

ص: 212

نوع علم بنفسه. بل يفوض أمره إلى الأستاذ. فإن الأستاذ قد حصلت له من التجارب في ذلك فكان أعرف بما ينبغي لكل أحد، وما يليق بطبيعته". ويورد قول الإمام الأجل الأستاذ برهان الدين:"كان طلبة العلم في الزمان الأول يفوضون أمروهم في التعليم إلى أستاذهم فكانوا يصلون إلى مقاصدهم ومرادهم. والآن يختارون بأنفسهم فلا يحصل مقصودهم من العلم والفقه". ويحكى عن الإمام البخاري أنه كان يتعلم شيئا آخر على يد محمد بن الحسن فنصحه رحمه الله بأن يذهب ويتعلم الحديث لما رأى أن ذلك العلم أليق بطبعه. فطلب علم الحديث. فصار فيه مقدما على جميع أئمة الحديث.

ويشير الدكتور أحمد شلبي في كتابه عن التربية الإسلامية "ص299" إلى ما ورد في مناهج المتعلم من حديث طريف عن اختبارات الذكاء يقرر أنه يجب على المعلم أن يشخص طبيعة المتعلم المبتدئ من حيث الذكاوة والغباوة. ويعلمه على مقدار وسعه. كما يشير إلى أن المربين المسلمين كانوا يعتمدون على التجربة. فهم يعلمون الطفل ثم يحكمون عليه بمقدار النتيجة التي يستطيع أن يحصل عليها. كما كانوا يختبرون ذاكرة التلميد ليروا ما إذا كان يميل إلى الحفظ أو التعمق في التفكير فإذا كانت الأولى فليدرس علم الحديث مثلا وإن كانت الثانية فليدرس الفلسفة والمناظرة وعلوم الجدل والكلام. ويقول ابن جماعة في كتابه: "تذكرة السامع والمتعلم في آدب العالم والمتعلم" إذا علم المعلم أن تلميذا لا يفلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه. وقد روي أن يونس بن جبيب كان يختلف إلى الخليل بن أحمد يتعلم منه العروض فصعب عليه تعلمه. فقال له الخليل يوما: من أي بحر قول الشاعر:

إذا لم تستطع شيئا فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

ففطن يونس لما عناه الخليل فترك العروض وأخذ يتعلم النحو وقواعد اللغة حتى أصبح في ذلك إماما وعالما شهيرا. وقد سبق أن أشرنا إلى أن الإمام البخاري كان يتعلم الفقه على يد محمد بن الحسن فوجهه لدراسة الحديث لما رأى أنه أكثر مناسبة له. وقد بز البخاري علماء عصره في ذلك وأصبح أحد كبار مشاهير رجال الحديث.

ص: 213

تربية بالقدوة:

للقدوة دور هام في التربية ولا سيما في مرحلة الطفولة، فالطفل يقتدي بمن يراهم ويقلدهم في أعمالهم وسلوكهم، ولذلك عنيت التريبة الإسلامية بالقدوة الحسنة. وقد قال عمرو بن عتبة لمؤدب ولده:

"ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك فالحسن عندهم ما فعلت، والسيئ عندهم ما تركت. علمهم كتاب الله وروهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم وعلمهم سنن الحكماء وجنبهم محادثة النساء".

وينصح ابن المقفع من نصب نفسه للناس إماما في الدين أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السيرة والرأي واللفظ، فيكون تعليمه للناس بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} .

وفي هذا المعنى قال الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره

هلا لنفسه كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى

كيما يصح به وأنت سقيم

ونراك تصلح بالرشاد عقولنا

أبدا وأنت من الرشاد عديم

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

ويؤكد المربون المسلمون على أهمية القدوة بالعلم والعمل وضرورة توافرهما في العالم والمعلم حتى يهتدي بها المتعلم. ولذلك اعتبروا أخذ العلم مباشرة من العلماء لا من بطون الكتب. فالإمام الشافعي ومن بعده ابن جماعة وغيرهما يرفضون التعلم من بطون الكتب أو تمشيخ الصحيفة. وفي ذلك يقول الشافعي: "من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام. وكان بعضهم يقول: من أعظم البلية تمشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف".

ص: 214

تربية بالموعظة:

إن القرآن الكريم حافل بالمواعظ والعبر والحكم التي يمكن أن تساعد المربين على تربية النشء تربية إسلامية صحيحة ويقدم لهم المادة والمواقف والأحداث التي تمكنهم من عمل ذلك. ولا شك في أن العظات ذات المغزى الخلقي الكريم ومثيلتها من العبر والحكم والنصائح لها فعل السحر في نفوس الناس صغارا أو كبارا لأنها تتبع الأسلوب غير المباشر في التوجيه وغرس القيم الخلقية والدينية المرغوبة. ومن أساليب التربية بالمواعظة أسلوب الخطاب العقلي المشحون بالمشاعر مثل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} . وقوله عز وجل في سورة يوسف: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} وهناك الأسلوب القصصي الذي يعتبر أهم مصدر للصغار والكبار للتربية بالموعظة. فهو أسلوب مشوق وحبب للنفس يستطيع المربون من خلاله أن ينشئوا أولادنا على المثل العليا والأخلاق الإسلامية النبيلة. قال تعالى في سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} ، وقوله في سورة الأعراف:{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . من هذه القصص قصص الأنبياء عليهم السلام مثل سيدنا نوح ولقمان ويعقوب وإبراهيم وموسى وعيسى. ومنها قصة مريم وقصة يوسف وقصة فرعون وثمون وعاد ولوط وذي القرنين وبلقيس ملكة سبأ وهاجر وإسماعيل وهناك أيضا قصص الطير والحيوان.

تربية بالمخالطة:

تهتم التربية الإسلامية بالأثر الذي تحدثه مخالطة الصبي لرفاقه وتأثير هؤلاء الرفاق على سلوكه وشخصيته. ولذلك تحرص على حسن اختيار الرفاق الذين يصاحبهم أو يخالطهم، واشترطت أن يكونوا من ذوي الأدب والخق حتى ينشأ الصبي نشأة صالحة؛ لأنه في مخالطته لهم يقتدي بهم في سلوكه كما أن هذا الاختلاط يساعد بعضهم بعضا على التعلم. وقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير. ويقول ابن سينا. "ينبغي أن يكون مع الصبي في مكتبه صبية من أولاد الجلة حسنة آدابهم

ص: 215

مرضية عاداتهم. فإن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس. وانفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب الأشياء لضجرهما، فإذا راوح المؤدب بين الصبي والصبي كان ذلك أتقى للسآمة وأبقى للنشاط وأحرى للصبي على التعليم والتخرج فإنه يباهي الصبيان، والمحادثة تفيد انشراح العقل وتحل منعقد الفهم لأن كل واحد من أولئك إنما يتحدث بأغرب ما رأى وأغرب ما سمع فتكون غرابة الحديث سببا للتعجب منه والتعجب منه سببا لحفظه وداعيا إلى التحدث به

ثم إنهم يترافقون ويتعارضون الزيارة ويتكارمون ويتعارضون الحقوق، وكل ذلك من أسباب المباراة والمساجلة والمحاكاة، وفي ذلك تهذيب لأخلاقهم وتحريك لهمهم وتمرين لعاداتهم.

وينصح الزرنوجي في "تعليم المتعلم" الطالب بألا يصادق من زملائه إلا المجد الورع وصاحب الطبع المستقيم وأن يفر من الكسلان والمعطل والمكثار والمفسد والفتان ويورد قول الشاعر:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

فإن كان ذا شر فجانبه سرعة

وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي

وقو آخر:

لا تصحب الكسلان في حالاته

كم صالح بفساد آخر يفسد

عدوى البليد إلى الجليد سريعة

كالجمر يوضع في الرماد فيخمد

العلم يكون بالمثابرة:

يكون تحصيل العلم بالجد والمثابرة على الدرس والقراءة والاطلاع. فالعلم لا يفتح أسراره لقارئ عابر أو دارس طارئ. ذلك أن مغالق العلم وأسراره لا تنفتح إلا بكثرة البحث في سبيل معرفتها والمعاناة من أجل التوصل إليها. وقديما قال الشاعر:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ

وقال آخر: "من طلب العلا سهر الليالي". وقال ابن راشد: "لا يحصل العلم إلا بالعناية والملازمة والبحث والنصب والصبر على الطلب". كما حكى

ص: 216