الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك من مصلحة أو منفعة. ومن المعروف أن علم وظائف الأعضاء قد توصل إلى أن اكتمال نمو العين عند الأطفال يكون في سن السادسة وقبل هذه السن يكون الطفل إما طويل النظر أو قصير النظر. أليس ذلك مبررا لجعل هذه السن بداية سن التعليم المدرسي المنظم في كثير من النظم التعليمية المعاصرة. وتبعا لاختلاف نمو الصبيان في بلوغ سن العقل والتمييز. ومع تقدم السن تزداد مطالب التعليم وتنمية العقل.
كما يتضح أيضا أن مرحلة ما قبل سن التعليم المنظم تنصرف إلى تنمية الجسم وبنائه بناء صحيحا قويا. وهكذا تبدأ تربية الطفل بتربية الجسم وتحقيق مطالب نموه. وفي هذه المرحلة تكون تربية الجسم موزعة بين الغذاء واللعب والاستجمام والراحة كمطالب رئيسية. يقول ابن سينا: "إذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستجم ثم يخلي بينه وبين اللعب ساعة ثم يطعم شيئا يسيرا ثم يطلق له اللعب وقتا أطول ثم يستجم ثم يغذى".
نشاط الطفل دليل صحة:
أدرك المربون المسلمون أن من طبيعة الطفل أن يكون نشيطا كثير الحركة، وأدركوا أن نشاط الطفل دليل على صحة جسمه ويقظة عقلة وصفاء ذهنه.
وإذا بدا الطفل هادئا قليل النشاط فإن ذلك يعتبر أمرا غير طبيعي بالنسبة له وقد يرجع ذلك لمرض أصابه أو أمر أحل به، وهكذا عكس ما هو شائع لدى الكثير من الناس إذ ينظرون إلى الأطفال كثيري الحركة على أنهم "أشقياء" وأما قليلو الحركة والنشاط فينظرون إليهم على أنهم "عقلاء" ومتزنون.
فطرة الطفل محايدة:
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". وقال ابن مسكويه في "تهذيب الأخلاق" عن نفوس الأطفال في مرحلة المهد إنها: "ساذجة لم تنتبش بصورة" وقال "ابن الجزار" علام القرن الرابع الهجري في "سياسة الصبيان" وتدبيرهم: "وليس لهم "الصبيان" عزيمة تصرفهم عما يؤمرون به من المذاهب الجميلة والأفعال الحميدة
فمن عود ابنه الأدب والأفعال الحميدة والمذاهب الجميلة في الصغر حاز بذلك الفضيلة ونال المحبة والكرامة وبلغ غاية السعادة". ويقول الغزالي في نفس المعنى: "الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يقال فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له". وهكذا تؤكد هذه النصوص أن فطرة الطفل محايدة عند مولده وأنها تتشكل فيما بعد تبعا للون التربية الذي تتلقاه.
التعليم في الصغر كالنقش على الحجر:
يرى الكثير من علماء المسلمين، منهم الغزالي وابن خلدون وغيرهما، أن التعليم في الصغر يكون أشد رسوخا كما أنه يكون أصلا لما بعده. وهكذا ينبغي أن يبدأ تعليم الصبيان من صغرهم فقد ورد في الأثر:"التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" وقد سبق أن أشرنا إلى ما يؤكده الغزالي على سبيل المثال عندما يقول عن الصبي "وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش عليه". وقد ردد هذا القول "جون لوك" بعد حوالي 13 قرنا من الزمان عندما ذهب إلى أن عقل الطفل صفحة بيضاء تنقشه الخبرة والتعليم.
الصبي عن الصبي ألقن:
من المبادئ التربوية التي أخذ بها المربون المسلمون تعلم الصبيان من بعضهم فالصبي يتعلم من الصبي ويأخذ عنه. وعبر ابن سينا عن ذلك أحسن تعبير عندما قال: "ويكون مع الصبي في مكتبه "مدرسته" صبية حسنة آدابهم مرضية عاداتهم لأن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس".
ومن قبيل المقارنة نشير إلى أن هذا المبدأ التربوي القديم في التربية الإسلامية هو من المبادئ التي تقوم عليها التربية الحالية في مدارس روسيا أو الاتحاد السوفيتي سابقا وبعض البلدان الأخرى.
ليس الكل سواء:
تسلم التربية الإسلامية بأن الأطفال يختلفون في استعداداتهم وما هيئوا له، وأن بينهم فروقا في القدرة على التعلم وأن بعض الأطفال أقدر من غيرهم في تعلم مجالات معينة من العلم. كما أن منهم من لا يصلح تعليمه إلا لحد معين لا يتعداه. ويرى المربون المسلمون ضرورة توجيه الطفل أو الصبي إلى ما يناسبه من تعليم، وأن يترك ما لا يقدر عليه إلى ما يقدر عليه. ويقول أبو يحيى الأنصاري في اللؤلؤ النظيم في روم التعليم:"إن على كل صبي أن يعرف طرفا من العلوم الضرورية في الحياة كالقراءة والكتابة والحساب. ثم عليه بعد ذلك أن يتجه إلى العلم أو الحرفة على حسب استعداده وتكوينه إذ ليس كل أحد يصلح لتعلم العلوم يصلح لجميعها" ويقول الزرنوجي في "تعليم المتعلم طريق التعليم": "إنه لا ينبغي على المتعلم أن يختار نوع العلم بنفسه بل يفوض أمره إلى الأستاذ فإن الأستاذ قد حصل له من التجارب في ذلك ما يفيد فهو أعرف بما ينبغي لكل واحد وما يليق بطبيعته". ويقول ابن جماعة: "وإذا علم "المعلم" أو غلب على ظنه أنه "أي المتعلم لا يفلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه".
- وقد قال الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه
…
وجاوزه إلى ما تستطيع
ويقول ابن سينا: "ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية، ولكن ما شاكل طبعه وإنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والملاءمة ما كان أحد غفلا من الأدب. وإذن لأجمع الناس كلهم على اختيار أشرف الآداب وأرفع الصناعات، فينبغي لمدرب الصبي إذا رام اختيار صناعة أن يزن أولا طلب الصبي ويسبر قريحته ويختبر ذكائه مبينا له الصناعات طبقا لذلك". كما يرى ابن سينا أن بعض الناس لا يصلحون للتعليم فيقول: "ربما نافر طباع إنسان جميع الآداب والصنائع فلم يعلق منها بشيء" ويضرب لذلك مثلا فيقول: "إن إناسا من أهل العقل رأوا تأديب أولادهم واجتهدوا في ذلك وأنفقوا فيه الأموال فلم يدركوا من ذلك ما حاولوا".