الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: مركز التعليم الإسلامي
أولا: المساجد
…
الفصل الثامن: مركز التعليم الإسلامي
كان المسجد والكتاب من أهم مراكز التعليم الإسلامي في العصور الأولى. وعرفت المدارس فيما بعد وقامت بدور كبير في التعليم في البلاد الإسلامية. وإلى جوار هذه المراكز كانت هناك أيضا المكتبات ودور الحكمة وبلاط الخلفاء وحوانيت الوراقين والرباطات والبيمارستانات كمراكز تعليمية مع تفاوت نسبي في الأدوار بينها. وسنفصل الكلام عن هذه المراكز في الصفحات التالية:
أولا: المساجد
يميز المؤرخون في الإسلام بين نوعين من المساجد: المسجد الصغير وهو لقضاء الصلوات العادية، أما المسجد الجامع فهو مسجد كبير واسع الأركان تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين. وكان مركزا للحياة الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية والقضائية.
وقد لعبت المساجد دورا تربويا هاما في أول الدعوة الإسلامية وكانت مركزا للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، وكانت تقوم بوظائف متعددة من أهمها:
1-
أنها كانت دورا للعبادة والصلاة.
2-
أنها كانت مراكز تربوية وثقافية هامة يعقد بها حلقات العلماء لدراسة القرآن الكريم والفقه واللغة كما كانت أماكن للفتوى.
3-
أنها كانت تستخدم أيضا كمعاهد لتعليم الناشئة أصول الدين واللغة والأدب.
4-
كانت مكانا للتقاضي يجتمع فيه القضاة للفصل في الشكاوى والخصومات.
5-
كانت مراكز لتصريف شئون الدولة قبل إنشاء الدواوين الحكومية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل السفراء في المساجد ويدير شئون الدولة فيها.
6-
كان المسجد مكانا إعلاميا هاما فيه تذاع الأخبار الهامة التي تتعلق
بالمصالح الهامة وفيه التجهيز للحروب والغزوات. ومن الأمثلة على ذلك أن عمر أعلن من على المنبر تقهقر جيوش المسلمين في العراق واستحث قومه على السير إلى هذه البلاد
…
وعلى المنبر أيضا وقف عثمان يدافع عن نفسه.
7-
كان الخليفة بعد مبايعته يصعد المنبر ويلقي خطبته الأولى مضمنا إياها سياسته في الحكم، كما كان يلقي خطبة على الناس أثناء خلافته أو التشاور معهم في الأمور الهامة التي تعنيهم كما كان يجلس فيه للفض في الخصومات بين الناس.
ومن أشهر المساجد والجوامع المعروفة: المسجد النبوي الشريف بالمدينة والجامع العتيق أو جامع عمرو "المؤسس سنة 21هـ في القاهرة" وجامع ابن طولون في القاهرة أيضا، ومسجد الكوفة "14هـ"، ومسجد البصرة "17هـ" الذي كان يضم حلقات الشعر والأدب والجدل، ومسجد دمشق ويعرف الآن بالمسجد الأموي "بني 19هـ" في تونس وجامع الزيتونة في تونس، ومسجد القرويين في فاس، وجامع قرطبة في الأندلس والجامع الكبير في صنعاء. والجامع الأزهري الذي بناه الفاطميون وسموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم جدة الفاطميين. وكان كعبة لكل طلاب العلم من مشرق العالم الإسلامي لمغربه وكان في بدايته يدعو لمذهب الفاطميين وهو أساس إنشائه، ولكن كان يدرس فيه إلى جانب ذلك العلوم العقلية والنقلية بما فيها من فلسفة ومنطق وطب ورياضيات.
ويذكر ابن خلدون أن المساجد الكبرى العظيمة أو الجامعة هي التي كان يتولى شئونها الخلفاء أو الحكام فيعينون أئمتها وأهل العلم والفتوى والتدريس بها. أما المساجد الصغيرة فلم تكن تحظى بهذه الرعاية. ويفصل ابن خلدون القول فيقول: فاعلم أن المساجد في المدينة صنفان: مساجد عظيمة، كثيرة الغاشية معدة للصلوات المشهودة، وأخرى دونها مختصة بقوم أو نحلة، وليست للصلوات العامة. فأما المساجد العظيمة، فأمرها راجع إلى الخليفة أو من يفوض
إليه، من سلطان أو من وزير أو قاض فينصب لها الإمام في الصلوات الخمس والجمعة والعيدين والخسوفين والاستسقاء، وتعيين ذلك إنما هو من طريق الأولى والاستحسان. ولئلا يفتات الرعايا عليه في شيء من النظر في المصالح العامة وأما المساجد المختصة بقوم أو نحلة فأمرها راجع إلى الجيران، ولا تحتاج إلى نظر خليفة ولا سلطان.
وأما "الفتيا" فللخليفة تصفح أهل العلم والتدريس، ورد الفتيا إلى من هو أهل لها، وإعانته على ذلك ومع من ليس أهلا لها وزجره لأنها من مصالح المسلمين في أديانهم، فتجب عليه مراعاتها لئلا يتعرض لذلك من ليس له بأهل فيضل الناس، وللمدرس الانتصاب لتعليم العلم وبثه والجلوس لذلك في المساجد، فإن كانت من المساجد العظام التي للسلطان الولاية عليها والنظر في أئمتها كما مر فلا بد من استئذانه في ذلك وإن كانت من مساجد العامة، فلا يتوقف ذلك على إذن، على أنه ينبغي أن يكون لكل واحد من المفتين والمدرسين زاجر من نفسه، يمنعه عن التصدي لما ليس له بأهل فيدل به المستهدي ويضل به المسترشد "مقدمة ابن خلدون ص159".
المسجد كمركز تعليمي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أول من اتخذ المسجد مكانا للدعوة والتعليم ففي أول الأمر كان يتخذ من منزله ومن دار الأرقم بن أبي الأرقم مكانا لنشر الدعوة وبعد الهجرة كان إنشاء المساجد فانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم بنشاطه الديني والتعليمي إلى المسجد، وكان مسجد قباء أول المساجد التي بنيت في الإسلام وأنشئ بعده مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة. وتوالى بعدها إنشاء المساجد.
وكان التعليم في المساجد يقوم على تعليم أمور الدين وتذكير الناس بالآخرة. وكان التعليم في هذه الأمور يعتمد على الأسلوب القصصي ممتزجا بالعلوم والحكمة والموعظة، كما كانت تدرس أيضا العلوم الدينية من قرآن وتفسير وحديث.
وكان أصحاب المذاهب والملل والنحل المختلفة يجتمعون في المساجد ويلقون الدروس وفقا لمذاهبهم وأحيانا يحرم التدريس في المساجد على مذهب معين
كالشيعة مثلا. وكان أحيانا يحرم التدريس فيها. إلا من كان على مذهب أهل السنة. وقد اتسعت الدراسة بالمساجد وتنوعت فشملت علوم الكلام والفقه وكان يقوم بالتعليم بالمسجد أحد الشيوخ من يأنس في نفسه المقدرة على التعليم. وكان الشيخ يجلس على حصير أو بساط ووسادة أحيانا كان يجلس على كرسي مرتفع حتى يسمعه الحاضرون. وكان الطلاب يجلسون من حوله في حلقة تتفاوت في حجمها حسب مكانة الشيخ العلمية وحسب ظروف العمل للطلاب.
وكان الشيخ يفتتح الدرس بالبسملة والحمد لله والحوقلة والصلاة على النبي. وقد يتلو آيات من القرآن الكريم أو الحديث الشريف ما يتصل بطلب العلم وبحث عليه. ثم يبدأ في الكلام عن موضوع درسه وكانت الدروس تتنوع فمنها ما يهدف إلى التوعية العامة بأمور الدين وأصوله وأحكامه ومنها ما كان دروسا منظمة في علم من العلوم. وفي هذه الحالة كان الشيخ يستمد درسه من معلوماته أو من مذكرات كتبها لنفسه ويقوم بإملائها على تلاميذه. ومن أشهر الأمالي المعروفة أمالي أبي على القالي وأمالي سعيد بن الحداد وأمالي هبة الله بن طالب في ثلاثة أجزاء.
وكان الشيخ يقوم بالإملاء بتؤدة وتأن وبترتيب المسائل والأمور، ويقوم الطلاب بتسجيل ما يملى عليهم في كناشاتهم. وقد يقوم الشيخ بتملية النص ثم يكمل الشيخ أماليه كانت تعرض عليه أو يقوم الشرح على هامش النص. وعندما يكمل الشيخ أماليه كانت تعرض عليه أو يقوم الطلاب بقراءتها عليه لتصحيح ما قد يكون بها من أخطاء. ثم يوقع الشيخ على نسخة الطالب مجيزا إياه على روايته وتدريس هذه الأمالي من بعده. وكان للطالب أن يسأل أستاذه بتأدب للاستيضاح. وعليه أن يختار الوقت المناسب للسؤال وكان الأستاذ أحيانا هو الذي يوجه الأسئلة لاختيار فهم طلابه وكان يقوم بالإجابة على ما يصعب من الأشياء. وكان الشيخ ينهي درسه عادة بعبارة "والله أعلم ورسوله". ثم تتلى فاتحة الكتابة وبعدها يتقدم الطلاب بشكر الشيخ والترحم على والديه والدعاء له وقد يقومون بالسلام عليه وتقبيل يديه.