الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفلك، والشيخ عبد الرحمن البحراوي في الفقه وميسو بروكسن في التاريخ العام وأحمد ندا في النبات. فإذا حاضر محاضر باللغة الأجنبية ألقيت محاضرته بعد ذلك باللغة العربية. وكانت هذه المحاضرات تعقد يوميا باستثناء يوم الجمعة. وكل محاضرة ساعة ونصف وبعض الموضوعات كان لها محاضرتان أسبوعيا وبعضها محاضرة واحدة "أحمد أمين: ص212".
5-
أنشأ مدرسة دار العلوم 1872 وكانت أول معهد لإعداد المعلم وقد تطورت إلى كلية دار العلوم حاليا وكان طلبتها يؤخذون من خبرة طلبة الأزهر بامتحان خاص كما يختار لها خير العلماء من الأزهر وغيره.
وكان طلبتها يعلمون العلوم الدينية واللغوية وشيئا من علوم الرياضة والجغرافيا والتاريخ والطبيعة والكيمياء.
جهوده في التربية والتعليم:
لم يتعلم علي مبارك في مصر ولا في فرنسا علوم التربية وأصولها على معلم مختص وإنما تعلمها من حسن استعداده وصدق نظره ومن دروس في التربية الفاسدة تلقاها في الكتاب حين كان يضرب وفي مدرسة القصر العيني حين كان يضرب أيضا ومدرسة أبي زعبل حين كان يلقى عليه الدرس فلا يفهم.
يبد أن "علي مبارك" كان يهتم بالمسائل الكلية في سياسة التربية والتعليم وتنظيمها وتخطيطها وتنفيذها. وإذا نظر إلى الجزئيات فلتطبيق الكليات عليها. لذلك لا نجد له آراء تفصيلية عن المباحث الجزئية للتربية والتعليم وهو في هذا عكس الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي كان ينظر إلى المسائل الجزئية ويعني بإصلاحها وتنفيذها. ولهذا نجد له كثيرا من الآراء الجزئية في مختلف موضوعات التربية "أحمد أمين: ص217".
وكان علي مبارك يرى أن إصلاح التعليم هو خير أنواع الإصلاح بل إن الإصلاح السياسي لا قيمة له ما لم يرتكز على الإصلاح التعليمي. ولذلك لا نرى له دورا في الثورة العرابية.
وتتركز أهم الجهود التربوية لعلي مبارك في جانبين رئيسيين هما:
- إصلاح الكتاتيب ووضع نظام قومي للتعليم أساسه التعليم الشعبي الذي نظمته لائحة رجب التي أعدها كوثيقة هام تعتبر من أهم الوثائق التعليمية الحديثة في مصر.
- إصلاح المعلم ركن الزاوية في التعليم، وقد تجسدت خطة علي مبارك في هذا الإصلاح في إنشاء دار العلوم. وسنفصل الكلام عن هذين الجانبين في السطور التالية:
أولا- الكتاتيب ووضع نظام قومي للتعليم:
اهتم علي مبارك بتطوير التعليم في الكتاتيب فهو نفسه تعلم فيها وأحس بنواحي النقص فيها. وقد وصفها بقوله:
"كانت الكتاتيب الأهلية في المدن والأرياف جارية على العادة القديمة ليس فيها على قلة أهلها إلا تعليم القرآن الشريف وأقل القليل من يتمه منهم ويجيد حفظه ويجوده ويحسن قراءته مع رداءة الخط في عامة المكاتب". وكانت الكتاتيب في حالة يرثى لها، وصفها أحمد أمين بقوله: فكثير منها إما في دكان أو حجرة مظلمة بجانب مراحيض المسجد والتلاميذ يختلط صحيحهم بمريضهم وقد يكون المرض معديا فأقرع وأبرص وأجرب ومحموم ينشرون العدوى في الأصحاء. يجلسون على حصير بال ويشربون بكوز واحد من زير واحد ويأكلون في الظهر من صحن واحد. وفقيه الكتاب كثيرا ما يكون أعمى لا يحسن أن يرعى التلاميذ ولا أن يدبر شئونهم. وكل كفايته أنه يحفظ القرآن ويحفظه من غير فهم لا علم له بالدنيا ولا بالدين ووسائل التأديب عنده ليست إلا السب والضرب" "أحمد أمين: ص210".
وعاب على الفقهاء في الكتاتيب والمدارس الأساليب التي يستخدمونها في التربية وفي مقدمتها القسوة على التلاميذ اعتقاد منهم بأن "عصا الفقيه من الجنة" ومنها، الخوف والرهبة التي كانت تقوم عليها العلاقة بين المعلم والتلميذ مما يدفع الأخير إلى النفاق والرياء. وعلي مبارك نفسه قد قاسى من هذه الأساليب التي جعلته يكره الكتاب كرها شديدا، ومنها آمن بضرورة تطوير أساليب التعليم والمدارس بحيث تكون مسايرة لمتطلبات المجتمع وحاجاته.
لائحة رجب "1283هـ - 1868م":
تعتبر لائحة رجب من أهم الإنجازات التربوية لعلي مبارك إذ وضعت هذه اللائحة كيانا قوميا للتعليم أساسه تعليم شعبي متطور تشرف عليه الحكومة وتوليه عنايتها. وتنقسم لائحة رجب إلى ثلاث أقسام:
والقسم الأول منها يتناول تطوير المكاتب في المدن من حيث إدارة المباني والتجهيزات والرعاية الصحية. والقسم الثاني: يتناول تنظيم المكاتب في القرى. والقسم الثالث: يتناول المدارس المركزية في مراكز المديريات.
وقد لخص علي مبارك خطته في الإصلاح بقوله: "فجميع المدارس والمكاتب سواء بالقرى أو البنادر تكون تحت أصول تنظيمية وترتيبات حسنة منتجة وامتحانات سنوية وملاحظات وتفتيشات من طرف الحكومة وهذا لتحسين حالهم واستقبالهم ومنفعتهم الخصوصية العائدة من المنفعة العمومية على الحكومة مع تهذيب رعاياها وإصلاح حالهم ووجود التعاون بينهم ومعاونتهم لأوطانهم".
وأهم المبادئ التي قامت عليها لائحة رجب هي:
- تطوير الكتاتيب مع الاحتفاظ بروحها الأصيلة التي تتميز بالبساطة في الأثاث والاهتمام بتعليم القرآن الكريم.
- الاحتفاظ للكتاتيب بطابعها الشعبي وعدم تدخل الحكومة في شئونها وترك مسئوليتها على الأهالي.
- وصل الكتاتيب بالتعليم الأميري أو الرسمي الذي يوصل إلى المراحل الأعلى من التعليم.
- تنظيم الإشراف والتفتيش على المدارس والمكاتب.
- تنظيم الامتحانات وجعل منها مهرجانات آخر العام تعزف فيها الموسيقى وتوزع الجوائز على المتفوقين.
- اشترطت اللائحة شروطا في المعلم منها حسن الأخلاق والصفات وأهليته لتعليم القرآن والمعرفة بأمور الدين يحسن باب العدية في الحساب. وجعلت تعيينهم بمعرفة ديوان المدارس.
- تركت لائحة رجب تدبير الأموال لإصلاح الكتاتيب على الأهالي وكانت هذه أهم نقطة ضعف في اللائحة على الرغم من أن علي مبارك كان عليه أن يراعي الظروف المالية للبلاد في ذلك الوقت إذ كانت تمر بأول وأعظم ضائقة مالية عرفتها وجرت عليها الويلات والتدخل الأجنبي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الشعب لم يستطع أن يقوم بالأعياء المالية فضلا عن أن اللائحة لم تضع الطريقة التي يمكن بها جمع المال بل تركت الأمر مفتوحا دون تحديد.
وكان ذلك عائقا حقيقيا دون الوصول إلى الأهداف التي أرادها علي مبارك من إصلاح التعليم. ولكن على الرغم من هذا فإن لائحة رجب قد تركت بصماتها على الطريق، وظلت علامة تشير إلى جهود المخلصين من أبناء هذه الأمة الذين عملوا من أجل رفعتها وكان الإخلاص رائدهم.
ثانيا: إصلاح المعلم
كان من المسائل الهامة التي عني بها علي مبارك مسألة المعلمين وكيف يصلح من أحوالهم. فقد كان يقوم بتدريس اللغة العربية في المدارس رجال من الأزهر. وكان التعليم في الأزهر إذ ذاك على أسلوبه في القرون الوسطى يعلم الكتب ولا يعلم العلم وغاية النابغ منهم أن يحسن فهم عبارة الكتب لا فهم الموضوع. وهذا يؤدي إلى أنه لا يحسن تطبيق ما تعلم فأكثرهم لا يحسن قراءة صفحة ولا أن يكتب موضوعا ولا أن يقيم وزنا لبيت من شعر. كما وصفهم بذلك عبد الله باشا فكري في مقال كتبه تحت عنوان: "فكيف يصلحون بعد لتعليم الناشئة".
ولهذا اتجه فكر علي مبارك إلى إنشاء مدرسة يؤخذ لها خيرة طلبة الأزهر ويختار لها خيرة علماء الأزهر وغيره فكان إنشاء دار العلوم كأول معهد لإعداد المعلم كما أشرنا.