الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تربية النشء:
أكد ابن مسكويه في تربية النشء على أهمية الدين واعتبره دعامة قوية في هذه التربية لأنه حصن للشباب وغير عاصم لهم من الزلل والخطأ. وهو يرى أن تربية الصبي وتنشئته على الخلال الحميدة إنما تكون عن طريق العقل، وأن ظهور الحياء عليه دليل على بزوغ عقله وأنه أصبح يدرك القبيح والحسن ويميز بينهما. كما أنه يرى أن نفس الصبي مهيأة للإدراك والمعرفة. فهي أشبه بصفحة بيضاء ولم تنتقش بعد صورة ولا رأي لها وعزيمة تمليها من شيء إلى شيء. فإذا تفشت بصورة وقبلتها نشأت عليها واعتادتها. وقد تردد صدى هذا القول لابن مسكويه عند الغزالي فيما بعد "الإحياء: ج35، ص69". كما ذهب جون لوك في العصور الحديثة إلى القول أيضا بأن عقل الطفل صفحة بيضاء Tabula Rasa. ولهذا يرى ابن مسكويه أنه يجب أن نطبع في نفس الصبي القيم والمثل العليا والاعتزاز بالنفس والكرامة. كما يجب أن نطالب الصبي بحفظ جيد الأشعار ومحاسن الأخبار، وأن نجنبه سماع الأشعار السيئة ومرافقة أهل السوء. ويشير ابن مسكويه إلى ناحية تربوية هامة في التعامل مع الصبي وهي أن نمدحه على كل ما يظهر منه من خلق جميل وفعل حسن ونكافئه عليه وإن حدث منه مخالفة فالأولى ألا يوبخ عليها ولا يكاشف بها بل يتغافل عنها لا سيما إذا حاول إخفاءها. ذلك أنه إذا تعود على التوبيخ والمكاشفة حمله ذلك على الوقاحة وحرضه على معاودة ما كان قد استقبحه. وهان عليه سماع الملامة في ركوب القبائح التي تدعو إليها نفسه. وهو ما نقله الغزالي نقلا يكاد يكون حرفيا "انظر الإحياء: ج3 ص70" وبالنسبة لأدب العلم والتعلم يقول ابن مسكويه إنه ينبغي أن يعود الصبي على خدمة نفسه ومعلمه وكل من كان أكبر منه. وأن يعود على طاعة والديه ومعلميه ومؤدبيه وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم. وفي تلقيه العلم من أستاذه عليه ألا يعترض ولا يسأل بل يكتفي في بداية أمره
بالقبول حتى إذا بلغ في العلم شأنا يمكنه من معرفة الأسباب والعلل طالع الحكمة فوجدها موافقة لما تقدمت عادته به فاستحكم رأيه وقويت بصيرته ونفذت عزيمته.
وينبغي أن يؤذن للصبي في بعض الأوقات أن يلعب لعبا جميلا ليستريح إليه من تعب الأدب ولا يكون في لعبة ألم ولا تعب شديد. وقد نقل الغزالي هذا القول عن ابن مسكويه وردده في كتابه إحياء علوم الدين. "الإحياء ج3: ص71".
وتعرض ابن مسكويه بتفصيل كبير إلى آداب الأكل والطعام. فأشار إلى عدة مبادئ هامة منها أن يوضح للنشء أن الأطعمة إنما تراد للصحة لا للذة أي أننا نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل. وهو مبدأ صحي وأخلاقي سليم فالأطعمة والأغذية شبيهة بالأدوية نداوي بها الجوع كما نداوي بالأدوية المرض. ومن مبادئ آداب الطعام أيضا أن يعلم الصبية إذا جلسوا مع غيرهم على مائدة الطعام ألا يبادروا إلى الطعام أولا، وألا يديموا النظر إلى أنواعه الموجودة. ولا ينبغي لهم أن يتسرعوا في الأكل أو يضخموا الكمية المتناولة. وينبغي عليهم أن يمضغوا الطعام جيدا ولا يبادروا ببلعه. ولا ينبغي للصبي أن يلطخ يده أو ثوبه بما يتناوله من طعام. وهو ما ردده الغزالي فيما بعد "الإحياء: ج3: ص70". ويشير إلى الشعوب العربية والإسلامية. وهي ألا يجعل غذاءه الرئيسي نهارا لأن ذلك يحمله على الكسل ويلجئه إلى النوم ويتبلد ذهنه وفهمه. وإنما يستوفي غذائه العشى لأن هذا أصح له وأنسب بعد عناء يومه. ومن الواضح أن هذا على نقيض ما تجري عليه عادة الكثيرين منا من جعل وجبة الغذاء هي الوجبة الرئيسية.
وينصح ابن مسكويه بمنع الصبي من الإكثار من أكل اللحم، وإن منع منه في أكثر أوقاته كان أنفع له حتى لا يتعود على الترف. أما الحلوى فيمنع منها البتة إن أمكن وإلا فليتناول القليل منها لأنها تستحيل في بدنه فتكثر انحلاله كما أنها تعوده على الشر والاستكثار من الأكل. وهذا عكس ما يفعله كثيرون منا مع أبنائهم إذ يغمرونهم باللحوم من مختلف الأنواع وبالحلوى من مختلف