الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلامي الذي صمد الزمن مئات من السنين. وذلك أن آفة التقليد تأتي عندما ننس أصالتنا. وينبغي هنا أن نشير إلى الحكمة النبوية في الحديث الشريف الذي رواه البخاري "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون "الأمم" قبلها شبر بشبر وذراعا بذراع".
وينبغي أن نميز في محاولتنا للتجديد بين تقليد مقومات الشخصية والعقائد والتصورات الدينية والثقافية وبين تقليد النتائج العلمية والأخذ بها. إذ لا وطن للعلم ولا جنسية للاكتشافات والبحوث الإنسانية في مختلف ميادين العلم والمعرفة. لأنها نتاج جهود البشرية على اختلاف جنسياتها وأوطانها. فليس هناك طب أوروبي أو هندسة أمريكية أو فلك روسي أو جيولوجيا يابانية "هنري لاورست: 48، 49". ومن المعروف أن العلماء المسلمين قد أسهموا في هذه الميادين جميعا وفي غيرها بجهود لا ينكرها إلا جاحد.
كيف نبدأ
؟:
الواقع أن أي بداية لتأصيل التعليم الإسلامي أو تجديده ينبغي أن تضع في اعتبارها الصورة الكاملة لتطور التعليم الإسلامي عبر العصور المختلفة حتى الفترة الواهنة. وينبغي أن تكون الرؤية واضحة لهذه الصورة الكاملة بكل تفاصيلها. وهناك بالطبع كثير من الدروس المستفادة التي يمكن أن نخرج بها
…
وبصرف النظر عن الدخول في التفصيلات التي لا يتسع لها المقام هنا فإنه يمكن القول بأن التعليم الإسلامي في حركة تطوره عبر العصور المختلفة شهد عدة تطورات هامة سواء من حيث الشكل أو المضمون. فمن حيث الشكل اعتمد التعليم الإسلامي في العصور الإسلامية الأولى على المسجد والكتاب والمكتبات كمراكز للتعليم
…
ثم ظهرت المدارس فيما بعد في القرن الخامس الهجري على يد نظام الملك الوزير السلجوقي الذي أنشأ المدرسة النظامية في بغداد وغيرها من المدارس في البصرة والموصل وبلخ وأصفهان. وازدهرت حركة إنشاء المدارس في العالم العربي الإسلامي فيما بعد حتى الفترة التي خضعت فيها البلاد العربي للحكم التركي العثماني. وعندها أخذت حركة التعليم والمدارس في الذبول، وكان ذلك نتيجة طبيعية للسياسة التركية في الأقطار العربية من ناحية وضعف
الدول العثمانية وتأخرها من ناحية أخرى. وعندما نصل بسرعة إلى بداية الاستقلال والتحرر الوطني في البلاد العربية نجد الاهتمام بتطوير نظم التعليم والمدارس. وقد سار هذا التطوير في اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول تمثل في محاولة إصلاح معاهد التعليم القائمة ومراكزه التقليدية كالأزهر والقرويين والزيتونة والكتاتيب. وقد ارتبط بهذا الاتجاه عدة محاولات إصلاحية هامة منها محاولة الإمام الشيخ محمد عبده والشيخ العروسي والطهطاوي وعلي مبارك.
أما الاتجاه الثاني فقد تمثل في إنشاء المدارس الحديثة على غرار المدارس الأوربية ولا سيما الفرنسية منها. وقد ترتب على هذا الاتجاه وجود نظامين للتعليم أحدهما النظام الديني التقليدي والثاني النظام الحديث المقتبس. وقد شكل هذا الوضع ثنائية تعليمية كان لها أثار بعيدة على الوحدة الفكرية والثقافية بل والاجتماعية للبلاد العربية.
وبصرف النظر عن اختلاف التربويين في تقييم الآثار المترتبة على اقتتباس المدارس الحديثة فإنها قد استطاعت أن تقوم بدور هام في سد احتياجات البلاد ومتطلباتها الثقافية في نهضتها الحديثة. بل واستطاعت هذه المدارس أن تؤثر من حيث الشكل والمضمون على نظام المدارس التقليدية. وهناك نتيجة هامة أخرى ترتبت على وجود نظام المدارس الحديثة هي وجود سلطة من غير رجال الدين للإشراف على هذه المدارس.
وينبغي ألا يفهم من ذلك أن تعليمنا الإسلامي التقليدي قد فقد أصالته لما طرأ عليه من هذا التغيير في الشكل وإنما يجب أن ينظر إلى هذا التغيير على أنه مرحلة تطورية لم يكن لها أن تحدث ما لم تكن مناسبة لثقافتنا وقيمنا الإسلامية. وهناك كثير من الأمثلة على أن الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل قد انفتحت على الثقافات الأخرى واقتبست منها ما يناسبها سواء في نظام الحكم أو الإدارة أو التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو الثقافة أو التعليم. ولم يشعر السابقون بغضاضة في ذلك. فما بالنا لا نتعظ بهم. إن عالمية الرسالة الإسلامية تعني فيما تعني انفتاح المسلمين على العالم كله بخبراته وتجاربه عن وعي وبصيرة وإدراك حقيقي دون ترك الحبل على الغارب بالطبع. أما التطور الذي
حدث للتعليم الإسلامي وهو التطور في المضمون فمن المعروف أن التعليم الإسلامي بدأ بالعلوم النقلية وهي علوم القرآن الكريم وما يتصل بها من تفسير وفقه وعبادات ثم أضيفت إليها علوم اللغة واللسان باعتبارها علوما مساعدة لفهم العلوم النقلية ومعرفتها. وفيما بعد دخلت العلوم العقلية من رياضيات وطب وكيمياء وفلك وفلسفة وغيرها. وقد تطورت هذه العلوم وتنوعت نتيجة للتقدم المعرفي الهائل الذي شهده العالم. وينبغي ألا يكون لدينا أي تخوف من الاستفادة من هذه العلوم ما دامت هي مصدر قوة للمسلمين. وما دامت تعمق فهمنا للدين وتمكننا من السيطرة على الكون ومعرفة قوانينه التي تدل على عظمة الخالق عز وجل. كما تساعدنا هذه العلوم أيضا على تعمير الأرض واستغلال ثرواتها وخيراتها التي خلقها الله لنا.
لقد جعل الله الإنسان خليفته على الأرض وأمره بأن يسكنها ويعمرها ويستفيد من خيراتها ورزقها. وفضل الله الإنسان على كثير من خلقه ووهبه هذا العقل الذي يستطيع أن يتميز به عن سائر المخلوقات. وهو مطالب بأن يستخدم هذا العقل وأن يسخره في أداء الرسالة التي كلف بها على الأرض. وهكذا نعتبر كل العلوم علوما إسلامية ما دامت تزيد من فهمنا لديننا وتعمق إيماننا بربنا وتمكننا من الاستفادة من نعم الله التي خلقها لنا في الكون.
بيد أن أهم نقاط الضعف التي جعلت تعليمنا المعاصر يبتعد عن أصالته الإسلامية تتمثل في أن تدريس العلوم العقلية المختلفة يفتقر إلى توجيهه الوجهه الإسلامية الصحيحة. فهذه العلوم تدرس موضوعاتها عادة على أن معرفتها هدف في حد ذاتها ولهذا نجد أنه لا فرق بين تدريس هذه المواد في مدارسنا ومدارس غيرنا اللهم إلا في كونها مكتوبة بلسان عربي.
وعلينا إذا أردنا أن نؤصل هذه العلوم العقلية أن نوجه تدريسها وجهة إسلامية. وهذا يعني أن يتمشى تدريسها مع الأهداف التي تسعى التربية الإسلامية إلى تحقيقها. ومن ثم يجب أن تدرس هذه العلوم لبيان عظمة الخالق عز وجل وترسيخ إيماننا به وإحكام سيطرتنا على الطبيعة والكون واستغلال ثرواتها ولكن ماذا عن النظريات العلمية التي لا تتمشى مع الفكر الإسلامي كنظرية
التطور مثلا أو نظرية النشوء والارتقاء؟
…
هل نمنع تدريسها في مدارسنا؟
الواقع أنه ينبغي ألا يكون هناك مجال لمثل هذه النظريات في المراحل الأولى من التعليم. وربما جاز لنا تدريس بعض هذه النظريات في المرحلة الأخيرة من التعليم الثانوي. ويكون تدريسها بهدف نقدها في ضوء النظرية الإسلامية وإبراز نقاط الضعف فيها. أما في التعليم الجامعي والعالي فالمجال يتسع لنقد المذاهب الفكرية أو النظريات العلمية المغايرة. بحيث يكون الطالب أكثر نضجا وأكثر إيمانا بدينه وعقيدته. ولنا في سلفنا الصالح أسوة حسنة. فجمال الدين الأفغاني على سبيل المثال ألف رسالة في الرد على الدهريين وانتقد فيها نظرية دارون ولامارك في التطور. ولقد أردت بهذا المثال أن أؤكد على ألا يحجر على عقول الشباب المسلم بحجة عصمته وحمايته، وإنما ينبغي أن نحرر فكره من الجمود في ظل إيمان لا يتزعزع وعقيدة إسلامية راسخة. وهذا يتطلب ضرورة العناية باختيار موضوعات المناهج الدراسية الإسلامية الصحيحة التي تخدم أغراض التربية الإسلامية كما سبق أن أشرنا. ويجب على من يتصدى لهذا العمل أن يكون على حظ كبير من المعرفة بأمر دينه. وعقيدته إلى جانب تخصصه العلمي. وأن يكون قادرا على توجيه تخصصه وجهة إسلامية صحيحة، ومع أن تحقيق ذلك ليس بالأمر السهل كما يبدو فإنني أعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح لتأصيل تعليمنا الإسلامي.
وهناك نقطة ضعف أخرى جعلت تعليمنا الإسلامي يبتعد عن أصالته الإسلامية. وهي تتمثل في قلة عنايته بالعلوم الدينية وعدم إعطائها المكانة التي تستحقها بل وعدم تقديمها في أسلوب محبب إلى النفس وبصورة يجد فيها المتعلم مجالا كبيرا للاستفادة منها وتطبيقها في حياته
…
إن افتقار الناحية الوظيفية في برامج التربية الدينية والعلوم الإسلامية في مدراسنا من أكبر عوامل هدمها ونفور التلاميذ منها. ولهذا إذا أردنا أن نؤصل هذا الجانب في تعليمنا الإسلامي والتجديد، فإلى أي حد يكون التجديد في نطاق الأصالة وإلى أي حد نمتد بالأصالة في نطاق التجديد؟ إن حل هذه المعادلة يستند إلى روح الإسلام الحقة التي تقوم على التوسط والاعتدال. فخير الأمور الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ