الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل المسلمين على العلم:
إن فضل المسلمين على العلم لا يحصى فقد ألف العلماء العرب والمسلمون في العلوم المختلفة ومنها النبات والحيوان والكيمياء والصيدلة والطب والفلك والموسيقى، وفي علوم البحار والهندسة وحساب المثلثات وغيرها. كما لا يجحد فضل ابن سينا والبيروني والكندي والغافقي والفارابي والبغدادي والقزويني والجاحظ والخازن وجابر بن حيان وابن البيطار وابن ماجد ملاح فاسكودي جاما والرازي والمقدسي والبتاني، وموسى بن شاكر وغيرهم.
وظلت مؤلفات العرب والمسلمين في مختلف العلوم والمعرفة هي المراجع التي تدرس في جامعات أوربا حتى القرن الثامن عشر، واعترف عدد كبير من مؤرخي العلم بفضل المسلمين والعرب على العالم والإنسانية وكان لهم باع كبير في كل الميادين، من أمثلة ذلك أنهم تكلموا عن التطور من وجهة النظر الإسلامية قبل داروين في القرن 19، وقد كتب في التطور ابن مسكويه وإخوان الصفا وتحدث المسلمون من أمثال ابن خلدون عن أثر البيئة على الأحياء فهو بذلك سابق لامارك ودارون. وتحدث علماء العرب عن الجاذبية قبل نيوتن فابن الخازن كتب عنها قبل نيوتن بمئات السنين.
وابن النفيس شرح الدورة الدموية الصغرى قبل هارفي بقرون، والحسن بن الهيثم كتب عن الضوء وانكساره وقوانينه وسرعته قبل علماء أوربا. كذلك أضاف القباني والفرغاني والكندي والصوفي كثيرا من المعارف الفلكية والرياضية. وابتدع الخوارزمي استعمال الأرقام في الحساب واختار سلسلته من الأرقام الأولى ما يعرف بالأرقام الهندية 1، 2، 3، والثانية ما يعرف بالأرقام "الغبارية" العربية 1، 2، 3 وتستعمل الأولى في البلاد العربية والثانية في بلاد المغرب العربي وأوربا.
كذلك أنشأ الخوارزمي من الحساب والجبر علما بعد أن كان مجرد معلومات مشتتة. والعرب أول من أطلقوا اسم الجبر على هذا العلم كما استعملوا الصفر والإحصاء العشري. وكان الخوارزمي رياضي بلاط المأمون الذي كلفه بأن يؤلف رسالة في الجبر تكون صالحة لاستعمال الجمهور. ومن هذه الرسالة استطاع الغرب أن يطلع على هذا العلم بعد زمن طويل.
وفي الطب والصيدلة قضى الإسلام على الكهانة وحارب التنجيم والشعوذة
وقاوم استخدام السحر في معالجة الأمراض، واتجه المسلمون بالطب من الخرافة والشعوذة إلى الطب العلمي التجريبي واستعانوا بالآلات في طب الجراحة وجعلوا لهذه الآلات قسما مستقلا من أقسام الطب كما أنشئوا المستشفيات والبيمارستانات. كما كان لهم الفضل في وضع نظام الترخيص الشرعي لممارسة الطب والصيدلة. وهم بذلك أول من ارتقى بالطب إلى المهنة القائمة على الاحترام والاحتراف معا. هذا في الوقت الذي حرمت فيه الكنيسة في أوربا طب علاج الأمراض لأن المرض عقوبة من الله.
ومن أعلام الطب التجريبي في الإسلام الشيخ ابن سينا أعظم من كتب في الطب في العصر الوسيط. وقد ولد في ميشن ببخارى عام 980م وتوفي في همذان عام 1037م. وهو من أعظم علماء الإسلام، فهو أول من جعل للتجربة مكانا عظيما في دراساته وطبه. ومن أشهر كتبه "القانون" في قواعد الطب بأجزائه الخمسة، واهتم به علماء أوربا، وترجم إلى اللاتينية، وطبع في أوربا حوالي خمس عشرة مرة. وظل المرجع الذي يدرس في الطب في جامعات أوربا حتى القرن الثامن عشر أي طيلة ستة قرون. كما ظل يستخدم حتى القرن التاسع عشر في كلية مونبليه التي أنشأها العرب قبل ذلك بألف سنة. وله أيضا كتاب "الأدوية القلبية" وعدد من قصائد في الطب.
وعلي بن العباس الذي عاش في أواخر القرن العاشر طبيب آخر نال شهرة كبيرة وهو صاحب مؤلف كامل في الطب سماه "الملكي" ويشمل كتابه عشرة أجزاء في الطب النظري وعشرة أجزاء في الطب العملي وأظهر في كتابه أخطاء كثيرة لبقراط وجالينوس وأريباسيوس. وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية عام 1127م. وهو كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف" وهو أشهر كتاب في الجراحة في أوربا زهاء خمسة قرون، ومنهم ابن زهر الإشبيلي الطبيب اللامع في القرن الثاني عشر وأستاذ ابن رشد. وابن رشد نفسه حجبت شهرته شارحا
لأرسطو مكانته العلمية كطبيب. ولابن رشد شرح على القانون لابن سينا وعلى مؤلفات جالينوس وله أيضا رسالة في الترياق في السموم والحميات.
ومن الكتب الهامة التي شاعت في العالم اللاتيني من أطباء القرون الوسطى كتاب "زاد المسافر" من تأليف ابن الجزار المتوفى عام 1009م. وقد ترجم إلى اللاتينية وفيه شروح للأمراض الباطنية. وكتاب ابن زهرة "التيسير في المداواة والتدبير" وهو مؤلف في فن الاستشفاء. وكتاب "التذكرة" أو تذكرة الكحالين لعلي بن عيسى أعظم أطباء العيون في القرون الوسطى. وقد ولد في أوائل القرن العاشر ببغداد وظل كتابه يدرس في أوربا حتى القرن الثامن عشر، وكتاب الحاوي أضخم مؤلف طبي لمؤلفه أبي بكر الرازي الذي كان حجة الطب في ترجم الكتاب إلى اللاتينية، وكان مرجعا لعلماء أوربا والمدارس والجامعات حتى منتصف القرن الرابع عشر. وهو مؤسس الكيمياء الحديثة في الشرق والغرب.
وقد شغل العرب بالطب منذ القرون الأولى للهجرة. ولخص ابن أبي أصبيعة في كتابه "طبقات الأطباء" تراجم أكثر من 400 طبيب ومؤلفاتهم. وعرف عن المسلمين أنهم أول من أنشأ فن الصيدلة وتحضير الأقربازين أي الأدوية. ويقال أن ابن البيطار اكتشف ما يقرب من ألف وأربعمائة دواء من النباتات. كما عرف المسلمون الرقابة على الصيدلة والصيدليات وكانوا أول من أسس مدارس الصيدلة ووضع المؤلفات فيها. كما أنهم عرفوا التخدير في العمليات الجراحية.
وفي الفيزياء والكيمياء يعتبر العرب مؤسسين حقيقيين للعلوم الطبيعية إلا أنه مما يؤسف له أنه ضاع كثير من المؤلفات العربية الهامة في علم الفيزياء ولا تعرف بعضها في الوقت الحاضر إلا بعناوينها فقط، بيد أن ما وصل إلينا بالفعل من هذه المؤلفات العربية يشيد بطول باع العرب في هذا المضمار. وليس من المبالغة في القول بأنه لا وجود للكيمياء كعلم قبل العرب.
وكان علم الفلك أول علم جذب اهتمام المسلمين. وقد عني به كثير منهم في المشرق والأندلس وكذلك كثير من السلاطين السلجوقيين والجنكيزيين
والتيموريين. وكان لجميع المدن الكبرى في الإمبراطورية الإسلامية مراصدها ومن أشهرها مراصد بغداد والقاهرة وقرطبة وطليطلة وسمرقند. ونالت مدارس الفلك ببغداد والقاهرة والأندلس بصفة خاصة شهرة كبيرة. ومع أن العلماء المسلمين اتخذوا من مؤلفات علماء اليونان نقطة لانطلاق دراستهم فإن هؤلاء العلماء لم يتقيدوا بالقواعد المقررة في هذه المؤلفات. فقد انتقدوا بشدة نظريات بطليموس على سبيل المثال. وكان لهذا التحرر الفكري للعلماء المسلمين أثره الكبير في تحقيق اكتشافات علمية في ميدان الفلك. ومن أشهر الفلكيين في القاهرة ابن يونس عالم أوائل القرن الحادي عشر مخترع المزولة وابن الهيثم الذي ألف أكثر من 80 كتابا من أهمها مجموعة الأرصاد الفلكية وتفسير المجسطي وتفسير آخر للتعاريف في مبادئ إقليدس ورسالة البصريات. وقد كان أول من أوصى بإنشاء سد أسوان لرفع مستوى النيل.
وكان للعرب فضل كبير في الجغرافيا، ويرتبط فضلهم في الجغرافيا بفضلهم في علم الفلك، ولعل رسالة النضر البصري التي ظهرت عام 740م أقدم كتاب عربي في الجغرافيا. ثم يأتي وجيز الإصطخري الذي نشر في منتصف القرن التاسع. وكان الولع بالأسفار والرحلات من أبرز صفات العرب المسلمين وكتبوا بها أنصع الصفحات في تاريخ البشرية، وكان للملاحة العربية دور هام ويكفي أن نشير إلى أنه مع التفوق الكبير الذي أحرزته إسبانيا والبرتغال في القرنين 15 و16 كانت السيادة البحرية للعرب. بل إن الملاح الذي مكن فاسكودي جاما البرتغالي من الوصول إلى الشرق كان الملاح العربي أحمد بن ماجد. وكانت مؤلفات المسعودي وابن حوقل والإصطخري عامرة بالمعلومات القيمة عن شتى الأماكن والحياة والطباع لدى سكان البقاع البيعدة. فالمسعودي الذي ولد في آواخر القرن التاسع وتوفي في القاهرة عام 956 مؤلف مروج الذهب قضى ما يقرب من ربع قرن من حياته في الأسفار في شتى أنحاء الخلافة. فزار الهند وسيلان ومدغشقر وزنجبار. وشرح في مروج الذهب وصف الممالك والدول والبلدان والجبال والوديان والأنهار وشعوب العرب والعجم.
والإدريسي الذي ولد في سبتة بالأندلس عام 1099م ودرس في قرطبة ثم
استقر به المطاف ليعمل في جزيرة صقلية في بلاد ملكها "روجر" كان حلقة الوصل بين جغرافية المدرسة اللاتينية وجغرافية المدرسة الإسلامية. وكان الأستاذ الذي علم أوربا هذا العلم طيلة ثلاثة قرون. ولم تكن لأوربا خريطة العالم إلا ودرسها الإدريسي. ولم يقع الإدريسي في الأخطاء التي وقع فيها بطليموس في كتابه المجسطي. ومن المعروف أن العرب صححوا ما في هذا الكتاب من أخطاء وعملوا جداول فلكية مدققة. بل إن كتاب الإدريسي يعتبر أكمل بحث جغرافي ورثته أوربا عن العرب وهو ما جاء على لسان دائرة المعارف الفرنسية.
وابن بطوطة أكثر رحالة بالمسلمين شهرة قام بعدة أسفار في طول القارات وعرضها. وقد ولد في طنجة بالمغرب عام 1304 وجاب شمال إفريقيا ومصر وزار مكة وسوريا وفلسطين وآسيا الصغرى والقسطنطينية والهند مارا بنهر الفولجا في روسيا وزار خوارزم وبخارى وأفغانستان والصين وسيلان والبنغال وكثيرا غيرها.
انظر إلى أعظم الكشوف الجغرافية مثل كشوف كولمبس لأمريكا أو فاسكو دي جاما لرأس الرجاء الصالح والشرق الأقصى. إن هذين الكشفين العظيمين إنما تما على أيدي البحارة العرب الذين قادوا هذه الرحلات، وما كان ذلك ليتم بدون ارتقاء علوم الجغرافيا والملاحقة عند العرب، ومن المعروف أن المسلمين كشفوا منابع النيل قبل الإفرنج، وكان المسلمون حيث ينزلون يمهدون السبل ويعمرون المرافق ويقيمون الفنادق والرباطات ويرتبون سير القوافل، كما كانت المدن الإسلامية أوساطا تجارية كبرى.
ويلمع ابن مسكويه وهو من أهم علماء الأخلاق في الإسلام وله كتاب "تهذيب الأخلاق" ولا يعرف شيء كثير من حياته فمنها أنه كان خازنا لدى السلطان البويهي عضد الدولة، وأنه مات عام 1030م، وفي كتاب "تجارب الأمم" يبحث ابن مسكويه في تاريخ قدماء الفرس وفي تاريخ العرب حتى عصره.
وفي التاريخ هناك أبو جعفر الطبري "839-922م" صاحب التاريخ المشهور وابن الأثير المولود عام 1160م الذي واصل تاريخ الطبري ووضع خلاصة
واضحة لتاريخه، وأضاف إليه أخبارا مستقاة من منابع أخرى. وامتد بالأحداث حتى 1230م. كما أنه حوى أخبارا كثيرة عن الجزء الغربي من الدولة الإسلامية. وهناك أبو الفدا الأيوبي أمير حماة وكتابه "المختصر في أخبار البشر" وطبع في ليبزج عام 1754م. والمقري الذي هو أهم مؤرخي الأندلس الإسلامية وكتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" نشر في ليدن عام 1855م. ومنهم أيضا حاجي خليفة مؤرخ الحروب البحرية التركية ومؤلف الكتاب القيم المعروف "كشف الظنون".
وفي السياسة والاجتماع نجد في القرن الثالث الهجري "التاسع الميلادي" الكندي من مشاهير الفلسفة الإسلامية وقد عني بالسياسة على الطريقة الإغريقية كعلم مستقل يشكل قسما من الفلسفة. وأبو النصر الفارابي أحد كبار الفلاسفة المسلمين يؤلف "المدينة الفاضلة" عبر فيها عن أهم أرائه وهي:
1-
أن الناس خلقوا ليعيشوا في جماعة.
2-
غرض الدولة في نظره أخلاقي بحت هو أن تضمن للمواطنين حكومة كاملة في الدنيا وسعادة أبدية بعد الموت.
3-
يجب أن يقوم بإدارة المدينة الفاضلة أو المثالية رئيس على درجة عالية
من الذكاء والفهم والطلاقة. وأن يكون محبا للتعليم والاستفادة، محبا للصدق، عادلا قوي العزيمة.
4-
يفضل النظام الملكي في الحكم إذا كان الملك جامعا للشروط السابقة. وإن كان ينتهي مثل أفلاطون إلى حكومة من الحكماء أو الجمهورية الأرستقراطية.
وابن ظفر من عرب صقلية في القرن الـ 12م ويقرن كتابه "سلوان المطاع" بكتاب "الأمير" لميكافيللي وفيه الكياسة والمكر. والماوردي "972-1058م" كان فقيها وقاضيا كبيرا في أستوا القريبة من نيسابور وكتابه "الأحكام السلطانية" يتناول فيه نظم الدولة الإسلامية والسياسة والاجتماعية والقضائية ويقول فيه: "إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين
وسياسة الدنيا" وقد ترجم هذا الكتاب إلى الفرنسية وله كتاب "أدب الدنيا والدين" وهو كتاب عظيم الشأن وقد ترجم إلى الإنجليزية.
ومن هذا العرض السريع المركز يبدو فضل العرب والمسلمين على مختلف العلوم. والعجيب أنه رغم هذا الوضوح الزائد لموقف الإسلام من العلم وتلك النهضة العلمية التي شهدها، نجد من بين المتعصبين ضد الإسلام من يتهمونه بمحاربة العلم ويرجعون تخلف المسلمين إلى هذا السبب. وهذا ادعاء باطل لا يستند إلى أساس، واتهام باطل لا يحتاج تفنيده إلى جهد كبير، ويكفي أن أصحابه معروفون بتعصبهم.
إن تاريخ الإسلام بالإضافة إلى أنه شاهد عيان على تأكيد أهمية العلم وقيمته لا يعرف مثلا واحدا على اضطهاد العلماء بالصورة التي نجد لها أمثلة كثيرة في أوربا منها على سبيل المثال ما حدث لجاليليو الذي حكم عليه بالقتل لأنه قال بدوران الأرض حول الشمس ولم يسلم من اضطهاد الكنيسة. ومع أنه تراجع في الظاهر عن موقفه حتى يرضي الكنيسة فإنه عاد ونظر إلى الأرض وقال: "ومع ذلك فإنها تدور". ومن أمثلة المتعصبين الذين ادعوا هذا الزعم الباطل ضد الإسلام "رينان" ورغم ذلك فقد اعترف بقيمة العلماء المسلمين فقال:
"أجل وجد في البلدان الإسلامية منذ سنة 775م تقريبا حتى نحو أواسط القرن 13 أي خلال خمسمائة سنة علماء ومفكرون ممتازون
…
" بل إن من الغريب أن "رينان" نفسه وهو المعروف بتعصبه ضد العرب عبر عن حسرته أن لم يكن مسلما وفي ذلك يقول أيضا:
"إنني لم أدخل مسجدا إلا وخررت خاشعا وشعرت بشيء من الحسرة على أنني لم أكن مسلما""حيدر بامات: ص77". وقد رد الشيخ جمال الدين الأفغاني على آراء "رينان" وفندها ودحضها. ونختتم كلامنا عن هذه النقطة باقتباس مما يورده محمد إقبال في كتابه "تجديد الفكر الديني في الإسلام". "محمد إقبال: ص149" إذ يقول:
"لقد كانت أوربا بطيئة نوعا ما في إدراك الأصل الإسلامي لمنهجها العلمي، وأخيرا جاء الاعتراف بهذه الحقيقة. وسأتلو عليكم فقرة أو فقرتين من