الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخلاق:
عقد ابن مسكويه في كتابه تهذيب الأخلاق حديثا مستفيضا عن الأخلاق وهو يرى تمشيا مع الاتجاه الأخلاقي العام في الإسلام أن الغاية من الأخلاق هي "بلوغ الكمال" و"السعادة التامة". وهو يرى أن طريق الوصول إلى هذه السعادة إنما يتحقق بمعرفة الله والعمل بما أنزله في كتابه الكريم. ويرفض ابن مسكويه الرهبنة التي رفضها الإسلام. فلا رهبنة في الإسلام. كما أنه يرفض حياة التصوف التي اعتقدت خاطئة أن الحياة انطواء وانعزال عن الناس وزهد وعزوف عما أحله الله لعباده من الطيبات من الرزق والاستمتاع بها. ويرى ابن مسكويه أن علم الأخلاق عظيم الشأن جليل القدر لأنه يتعلق بجوهر الإنسان الذي فضله الله على كثير من خلقه وجعله أشرف المخلوقات. وإذا كان للإنسان هذا الشرف الكبير فإن العالم الذي يختص به له نفس الدرجة من الشرف والتشريف.
ويرى ابن مسكويه أن الخلق حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية. وهي على قسمين: قسم طبيعي من أصل المزاج كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو الغضب. وقسم بالعادة والاكتساب والتدريب. وربما كان مبدؤه بالرؤية والفكر ثم يستمر عليه أولا فأول حتى يصير ملكه وخلقا. وهذا يعني أن للأخلاق جانبين: جانب الطبع أو المزاج، وجانب التطبع والاكتساب. ويقول في "ص181" "ولذلك حكمنا أن بعض الناس أخيار بالطبع وبعضهم أخيار بالشرع والتعليم". ويقول في نفس الصفحة:"وتجد من الناس من هو خير فاضل من مبدأ تكوينه نرى فيه النجابة طفلا ونتفرس فيه الفلاحة "أي الفلاح" ناشئا بأن يكون حييا كريم الخيم "السجية والطبع" يؤثر مجالسة الأخيار ومؤانسة الفضلاء وينفر من أضدادهم. وليس يكون ذلك إلا بعناية تلحقه من أول مولده. ونجد أيضا من لا يكون بهذه الصفة من مبدأ تكوينه بل يكن كسائر الصبيان إلا أنه يسعى ويجتهد ويطلب الحق إذا رأى اختلاف الناس فيه. ولا يزال كذلك حتى يبلغ مرتبة الحكماء. أعني أن يصير علمه صحيحا وعمله صوابا. وليس يبلغ هذه الدرجة إلا بالتفلسف وإطراح العصبيات، وسائر ما حذرنا منه. ونجد أيضا من يوجد بهذه السيرة أخذا على الإكراه إما بالتأديب الشرعي وإما بالتعليم الحكمي.
وهناك غموض فيما يقوله ابن مسكويه لأنه يعود فيقول بأن كل خلق ليس من الطبع وذلك باستخدام القياس المنطقي في قضية تتكون من مقدمتين ونتيجة على النحو التالي:
المقدمة الأولى: كل خلق يمكن تغييره.
المقدمة الثانية: كل ما يمكن تغييره ليس من الطبع.
والنتيجة هي: كل خلق ليس من الطبع.
فكيف نوفق إذن بين قوله هذا وبين ما سبق أن أشرنا إليه من قوله بأن بعض الناس أخيار بالطبع؟ وهو يدلل على صحة المقدمة الأولى بما جاءت به الشرائع السماوية لهداية الخلق وتوجيههم وبما هو واقع ومشاهد في العيان من وجوب التأديب ونفعه وتأثيره في الأحداث والصبيان. ويستدل على صحة المقدمة الثانية بأننا لا نروم أبدا تغيير شيء مما هو بالطبع. فلا أحد يروم تغيير حركة الحجر في سقوطه إلى أعلى بدلا من سقوطه إلى أسفل. ولو رامه ما صح له تغيير شيء منه ولا يجوز منه ولا مما يجري مجراه.
ومن الواضح أن ابن مسكويه ويتبعه الغزالي في ذلك لا يقول بفطرية الخلق أو الأخلاق كما ذهب الفلاسفة المثاليون ولا يقول بأن الأخلاق كلها مكتسبة كما يقول الفلاسفة التجريبيون والوصفيون. وإنما تجمع الأخلاق بين هذا وذاك "انظر الإحياء. ج3 ص59" ويرى ابن مسكويه أن مسئولية تهذيب الأخلاق تقع على الفرد نفسه فهو المسئول عن أفعاله وأعماله. وهو الذي يستطيع أن يغير طبعه ويشذبه ويهذبه. وهو يرى أن المبادئ والمعايير الخلقية تكتسب بالتأديب والتعليم. وليس هناك في فطرة الإنسان ما يمنعه عن هذا الاكتساب بالتأديب والتعليم. فالأخلاق استعداد وتهيؤ لدى الإنسان. واختلاف الناس في قبول الأخلاق ترجع إلى اختلاف استعدادهم وتهيؤهم. فكل مهيأ لما خلق له. كما ترجع إلى مسئولية كل فرد في تهذيب خلقه كما أشرنا.
وهو يرى أن الإرادة أساس الفعل الأخلاقي بل إنها تعتبر شرطا رئيسيا لاعتبار الفعل أخلاقيا. فنحن نحكم على الإنسان بكونه خيرا أو شرا حسب اتجاه إرادته نحو الخير والشر. فالإنسان كائن مريد. وهو في هذا يختلف عن الكائنات الأخرى التي تحيا طبيعتها الحيوانية. ومن ثم فهي لا تتصف بصفات أخلاقية ولا تسلك وفقا لأي سلوك أخلاقي.