الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
أسلوب الحوار والمناقشة:
من الأساليب التي تقوم عليها التربية الإسلامية في توجيه الإنسان نحو الحق والخير أسلوب الحوار والمناقشة والإقناع والاقتناع عن طريق العقل والمنطق. والقرآن الكريم مليء بالأمثلة التي تؤكد أهمية الصبغة العقلية للإنسان. وعلينا كمسلمين أن نستخدم عقولنا في التمييز بين الصواب والخطأ. وبين الصالح والطالح من الأمور. وقد ضرب الله مثلا لرسوله الكريم بأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعطة الحسنة {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .
ويتضمن أسلوب الحوار والمناقشة في التربية الإسلامية ضرورة تعريف الناشئة بالأساس العقلاني والمنطقي لأي قضية مطروحة أمامهم، وألا يرددوا المعلومات ترديدا أعمى دون فهم لمضمونها الحقيقي. أو دون إدراك لارتباطها بواقعهم الفردي والاجتماعي. كما يجب أن تتاح لهم الفرصة للمناقشة الجادة البناءة التي تحلل أبعاد الموضوع المطروح للمناقشة وتلقي الضوء على جوانبه المختلفة. ومن الطرق التي يمكن أن يلجأ إليها المعلم لإقناع التلاميذ في الأمور الدينية ولا سيما في الغيبيات أن يوضح لطلابه أن هناك أنواعا مختلفة من المعرفة من بينها المعرفة اللدنية الغيبية والنقل عن السلف الصالح، وأن هذا اللون من المعرفة قد يقصر عقل الإنسان عن فهمه وتصوره وما أكثر الأمور التي تبين ذلك حتى في ميدان العلم الطبيعي أو التجريبي، والكون من حولنا مليء بالظواهر التي لا نراها ولا نحسها ولا نسمعها ومع ذلك لا يستطيع أحد أن ينكر وجودها، ومن أمثلتها الموجات الصوتية والضوئية فهناك كائنات متناهية في الدقة مثل دبيب النمل لا يمكن سماعه بالأذن العادية. وهذه أمور موجودة لم يكن يعلم الإنسان من قبل عنها شيئا. وقد يصعب على العقل مثلا تصور اختراق الأشعة السينية للأجسام الصلبة. وليس من الضروري أن تستدل على الشيء بوجوده المباشر، وإنما عن طريق آثاره، فقديما قالوا: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير.
ومظاهر إبداع الكون تدل بالتالي على عظمة خالقه. والعلم الحديث يأخذ بهذا الأسلوب في التفكير، فالطاعة مثلا هو موضوع علم الطبيعية برمته، ومن الصعب تعريفها تعريفا مباشرا إلا من خلال آثارها التي تحدثها أو من خلال ما يعرف "بالتعريف الإجرائي" الذي يعرف الظاهرة بإجراءاتها وعملياتها التي تتضمنها. ونحن في التربية لا نعرف على وجه التحديد ماذا يحدث في عقل الإنسان نتيجة لعملية التعلم. نحن نسلم بأن الإنسان يتعلم ألوانا من المعارف والسلوك والمهارات أما كيف يحدث هذا التعلم في الإنسان وما الأثر الذي يحدثه
في عقله؟ فهذا اجتهاد للنظريات الكثيرة التي تحاول تفسير التعليم عند الإنسان.
والحياة نفسها فيها المعقول واللامعقول. ونحن قد نرفض قبول الجانب اللامعقول فيها عندما نفكر بطريقة عقلية منطقية. ومع ذلك نحن نعيش هذا الواقع ونتأثر به. كم منا مثلا من يسلم علميا أو منطقيا بما يقال أحيانا "من عاش بالصحة مات بالمرض" أي أنه من يعيش ملتزما تماما بالأصول الصحبة لا بد أن يموت مريضا، ومع ذلك فإن الحياة قد تظهر لنا في بعض الأحيان أنه أحد قوانينها. والنظرية العلمية نفسها ليست خالدة، وكم من نظريات العلم التي سادت التفكير في فترة ما ثبت خطؤها أو عدم صحتها فيما بعد. وأرجو ألا يفهم من ذلك أنني أشكك في العلم أو أقلل من أهمية منجزاته، فإنني أردت من كلامي السابق أن أبين اختلاف أساليب الإقناع وأن العقل الإنساني نفسه محدود والإنسان قد يصل إلى الاقتناع العقلي، ومع ذلك يكون أسيرا لعادة تحكمت فيه، فكثير منا مثلا مقتنع بمضار التدخين ومع ذلك لا يستطيع أن يمتنع عنه. وقد يكون الإنسان مقتنعا بشيء من الناحية العقلية المنطقية لكنه غير مقتنع من الناحية العاطفية أو الوجدانية مما يحول بينه وبين السير في الطريق الذي يمليه التفكير العقلي والمنطقي، ويبدو هذا الأمر بوضوح في المسائل التي تتصل بعواطف الإنسان، ولذلك تهتم التربية الإسلامية بتربية الإنسان المسلم تربية سليمة تمكنه من التحكم في عواطفه والسيطرة عليها والبعد عن التعصب الأعمى. ويجب أن يهتم المعلم في إقناعه لتلاميذه بالأساس العقلي الذي يساعد تزكية العواطف النبيلة لدى الإنسان ومثله العليا في الحق والخير والجمال.
ويؤكد ابن خلدون أن الطريقة الصحيحة في التعليم هي التي تهتم بالفهم والوعي والمناقشة لا الحفظ الأعمى عن ظهر قلب، ويشير إلى أن "ملكة العلم" إنما تحصل بالمحاورة والمناظرة والمفاوضة في مواضيع العلم وهو يعيب طريقة الحفظ عن ظهر قلب ويعتبرها مسئولة عن تكوين أفراد ضيقي الأفق عقيمي التفكير لا يفقهون شيئا ذا بال في العلم.
والواقع أن المربين المسلمين قد اهتموا بأسلوب المناظرة والحوار في التدريس