الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة الإسلام للكون:
يقوم الفكر الإسلامي على تكامل النظر إلى كل من المادة والروح باعتبارها مظهرين متكاملين للكون والحياة، وهناك عدة نقاط رئيسية ينبغي أن نبرزها في نظرة الإسلام للكون هي:
1-
أن هذا الكون من بديع صنع الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى هو خالق كل مظاهر الحياة في هذا الكون وما فيه من ثروات وأجناس من الطير والحيوان والنبات. ومن الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على ذلك نستشهد بما يأتي:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} . {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} .
2-
أن خالق الكون هو الله سبحانه وتعالى إله واحد منزه على كل الصفات المادية والبشرية غير محدود بزمان ومكان لا تدركه العقول ولا الأبصار، سرمدي أبدي لا يتغير ولا يتبدل لا شريك له ولا مثيل له. قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} . لم يلد ولم يولد واحد أحد، فرد صمد، فعال لما يريد بحكمته وعلمه، سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى في الحق والخير والجمال.
3-
أن هذا الكون لم يخلق عبثا ولا لهوا وإنما لحكمة إلهية ربانية، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ، وهو يسير وفق قوانين لا تخطئ ونظام محكم يدل على عظمته سبحانه وتعالى. قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
وهو بالغ الإحكام والإتقان {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} . كما أنه مليء بمظاهر الجمال والزينة. قال تعالى:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} . وقد ورد في كتاب "الله يتجلى في عصر العلم" الذي ألفه مجموعة من العلماء الغربيين قول أحد العلماء: "أينما اتجهت ببصري في دنيا العلوم رأيت الأدلة على التصميم والإبداع والقانون والنظام على وجود الخالق الأعلى".
4-
أن هذا الون ليس ثابتا جامدا وإنما هو متحرك متغير وقابل للزيادة. قال تعالى: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} . و {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} .
5-
أن الكون محدث وليس قديما فالله هو الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه قانون المادة يقول: "بإن المادة لا تفنى ولا تستحدث" بمعنى أن المادة المكونة لهذا الكون في عناصرها المختلفة تأخذ أشكالا مختلفة ودورات متعاقبة تعود بعدها إلى ما كانت عليه. بمعنى أن الأوكسجين والآيدروجين مثلا عنصران منفصلان فإذا اتحدا بنسبة معينة كونا الماء والماء كما يقول القرآن: يخرج منه كل شيء حي قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أهذا الحي لا بد أن يكون لعمره نهاية عندها يموت ويفنى ويتحلل مرة أخرى إلى العناصر الأصلية ومنها الأوكسجين والآيدروجين اللذان يعودان بدورهما إلى الاتحاد ويكونان الماء وهكذا، ويمكننا أن نضرب أمثلة كثيرة على ذلك منها المادة التي تحرق سواء كانت ورقا أو خشبا أو غير ذلك باحتراقها تتحلل إلى عناصرها الأولية كالكربون وغيره مثلا وهذه العناصر الأولية تعود بدورها إلى الاتحاد مع عناصر أخرى لتكون مادة حية من جديد
يكون مآلها الفناء والتفتت تعود بعدها العناصر الأولية الناتجة إلى دورتها الأولى وهكذا.
6-
أن الكون والطبيعة سلام وأمن للإنسان وليسا حربا عليه. وهذه النظرة على عكس ما تذهب إليه نظرية التطور التي قال بها لامارك وسبنسر وداروين من أن الإنسان يعيش في بيئة غير مطاوعة. وأن يد الطبيعة ملطخة بالدماء وأن البقاء للأصلح. فالطبيعة في نظر الإسلام هي دليل قدرة الخالق وعظمته ومنها يستمد الإنسان قوة لإيمانه بالله. وعليه أن يستخدم عقله وفكره وإمكانياته لمعرفتها والكشف عن قوانيها واستغلال خيراتها وكنوزها لمصلحته ومنفعته. قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} .
7-
أن الله سبحانه وتعالى قد استخلف الإنسان في هذا الكون دون سائر خلقه لما حباه الله من تفضيل وتكريم عليهم وزوده بالعقل والتفكير الذي يمكنه من السيادة على الكون وتسخير ما فيه من قوى طبيعية وثروات وإمكانيات من أجل خدمته وراحته ومنفعته وتقدمه ورقيه. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} . قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} . وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} .
8-
أن هذا الكون ليس واديا للدموع كما تقول المسيحية وليس دارا للبلاء والعذاب والتكفير عن الذنب والخطيئة الكبرى لآدم، وإنما هو دار جعل الله لنا فيها متاعا ومستقرا إلى حين وعلى الإنسان أن يشكر الله عليه. قال تعالى:{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} ، {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} .
لقد لعن العقد القديم الأرض باعتبارها مستقر للعصاة والآثمين لأن آدم
نزل إليها بعد أن عصى ربه وقد جاء في سفر التكوين الإصحاح الثالث 17-19 ما نصه: "وقال: آدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك تراب وإلى تراب" ونقرأ في إنجيل لوقا الإصحاح 12: 29-34 قول عيسى عليه السلام لتلاميذه: "فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم. وأما أنتم فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم
…
بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اعملوا لكم أكياسا لا تفنى وكنزا لا ينفد في السماوات". أما الإسلام فعلى العكس من ذلك لا يعتبر الأرض ساحة للعذاب سجنت فيها إنسانية شريرة إنما هي دار متاع واستمتاع للإنسان بحياته كاملا. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} . بيد أن الإسلام كما أشرنا في اهتمامه بالواقع الدنيوي للإنسان إلى ما هو أبعد من حياة الأرض القصيرة ليعده لحياة سعيدة أبدية في الآخرة يجد فيها كل النعيم وما لم يخطر على قلب بشر. قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} .
إن على المسلم ألا يذم الدنيا. وقد ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي: "الدنيا صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غني لمن تزود منها ومهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة".
ويحكى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الربيع بن زياد الحارثي شكا إليه عاصم بن زياد لأنه لبس العباءة وترك الملاءة وغم أهله وأحزن ولده. فأرسل علي رضي الله عنه في طلب عاصم فلما جاء عبس في وجهه وقال: "ويلك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره أخذك منها؟ لأنت أهون على الله من ذلك
…
أو ما سمعته يقول: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} . والله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال. وقد سمعته عز وجل يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
…
وإن الله عز وجل خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} .