الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد:
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا نعني بالأصالة والتجديد؟ وللإجابة على هذا السؤال نجد إذا نحن اتجهنا أولا إلى المعاجم اللغوية. أن المعجم الوسيط يعرف الأصالة بأنها أصل الشيء الثابت الذي يبنى عليه. وأصالة الرأي جودته وأصالة الأسلوب ابتكاره وأصالة النسب عراقته. ويعرف التجديد بأنه استحداث الشيء وجعله جديدا. وتكون الأصالة في ثقافتنا الإسلامية بالارتباط بالعقيدة التي كانت دائما حجر الزاوية في كيان الأمة. وينبغي في أي محاولة للتجديد أن نحرص على مقومات العقيدة الإسلامية وما يتصل بها من التوحيد والإيمان بالله سبحانه وتعالى وإفراده بالألوهية والربوبية، وما يتصل أيضا بماهية الإنسان والغرض من خلقه وبيان مآله في اليوم الآخر. وما هي وسائل تحسن سلوكه، وما السبل الممكنة في الحياة الدنيا والارتقاء بها "هنري لاوست: 48، 49". وكان السلف الصالح من علماء المسلمين يعنون بالتجديد إحياء السنة وإماتة البدعة وإحياء ما اندرس والرجوع بالإسلام إلى مصادره الأولى لتصحيح العقيدة.
ويرى ابن تيمية أن التجديد ارتقاء وتقدم بالأمة لتسلك طريقها مرة أخرى كلما بعدت عن الصحيح الأصيل المتوارث.. ويرى المسلمون في التجديد عملية دورية تتم على رأس كل مائة عام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". كما يرون أن التجديد عملية مستمرة حتى يتحقق للإسلام الصلاحية الدائمة لكل زمان ومكان، ومسايرة تقدم الإنسانية وترقيها. كما يتحقق له أيضا القدرة الدائمة على الاستمرار والبقاء. ولذلك يعتبر المسلمون التجديد واجبا على علماء الجماعة الإسلامية أو ساستها أن يقوموا به.
وقد ارتبط التجديد عند المسلمين بالاجتهاد وعدوه من ضرورات ودعائم تقدم المجتمع الإسلامي لدرجة أنهم قالوا بعدم جواز خلو عصر من مجتهد. وبعضهم اشترط ألا يقل عدد المجتهدين في كل عصر عن ثلاثة. ونعى الإمام جلال الدين السيوطي "ت 911" على الأمة الإسلامية تناقص المجتهدين فيها فيقول بأنه كان أول طبقات الصحابة وهم مائة وأربعة عشر ألف نفس كلهم مجتهدون ثم طبقة التابعين وهم يقاربون هذ العدد، وهم مجتهدون. ثم تناقص الأمر في وسط الملة. ومع ذلك يكون في العصر الواحد من العلماء الأئمة ألوف. منهم من هو بصفة الاجتهاد نحو مائة أو أكثر، بحيث إن المصنفين في الأصول حكوا خلافا: هل يجوز قلة المجتهدين في عصر بحيث ينقصون عن عدد التواتر فمنهم من منع ذلك وقال إنه مستحيل الوقوع، ومنهم من جوزه إلى ثلاثة وقال لا يجوز أن يكون في العصر الواحد أقل من ثلاثة مجتهدين. ومنهم من جوزه إلى واحد، وقال بجواز قلة المجتهدين والعياذ بالله بحيث لا يكون في العصر الواحد إلا مجتهد واحد. ولا يجوز خلو عصر من مجتهد، ثم يبدي
السيوطي أسفه أخيرا بقوله: "فيا ليت أولئك الذين لم يجوزوا قلة المجتهدين في عصر ونقصهم عن عدد التواتر يقومون من قبورهم فينظرون إلى هذا الزمان".
وقد ألف بعض علماء المسلمين كتبا عن التجديد والمجددين في الإسلام، فألف السيوطي "القرن العاشر الهجري""تحفة المهتدين في بيان أسماء المجددين" وهي منظومة. وله كتاب منشور مخطوط منه نسخة في دار الكتب المصرية بعنوان "التنبئة بمن يبعث الله على رأس كل مائة". وللحافظ ابن حجر كتاب "الفوائد الجمة فيمن يجدد الدين لهذه الأمة". وهذه مجرد أمثلة.
ويعتبر علماء المسلمين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز المجدد الأول في الإسلام على رأس المائة سنة الأولى. وعلى رأس المائة الثانية هارون الرشيد والإمام الشافعي. وعلى رأس المائة الثالثة المقتدر بالله مع ابن شريج القاضي البغدادي. وعلى رأس المائة الرابعة القادر بالله مع أبي حامد الإسفراييني. وعلى رأس المائة الخامسة المستظهر بالله مع حجة الإسلام الإمام الغزالي
…
وهكذا. وكان من طلائع المجددين في العصر الحديث محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية وجمال الدين الأفغاني وتلميذه الأستاذ الإمام محمد عبده في مصر.
وقد يفضل بعض علماء المسلمين مجددا آخر، ويرجحون عليه مثل ما فعله السبكي في طبقات الشافعية عندما فضل ابن شريج الفقيه الشافعي على أبي الحسن الأشعري المتكلم المعروف. في حين فضل ابن عساكر أبا الحسن الأشعري ورجحه على ابن شريج. وقد يتعدد المجددون في القرن الواحد، ولكل منهم ميدانه العلمي الذي يشتغل به. ويتفق المسلمون على اختيار واحد منهم. وإذا لم يحدث هذا الاتفاق فقد يكون هناك أكثر من مجدد واحد.
وقد يقول أحد علماء المسلمين برأي جديد لم يسبق له، أو قد يرجع أو يعدل عن رأي قديم له. وهذا يرجع إلى تغير الزمن، أو تغير الأحوال الظروف، أو تطور الرأي. وهي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ونحن في محاولة البحث عن التجديد والسعي إليه ينبغي ألا نجري وراء الأمم الأخرى لتقليدها، لأننا بذلك نكون قد ابتعدنا أو نبذنا نموذجنا الحضاري