الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها:
ينبغي أن نميز بين قضيتين مهمتين توضيحا للأمور: قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها. فتعليم المرأة وإن اتصل بأمر تربيتها إلا أنه يختلف عنها في الغاية والوسيلة. فغاية التعليم التنور والعرفان واكتساب المعارف العقلية والمهارات اليدوية والعملية ووسيلته التمدرس والالتحاق بالمدارس. أما التربية فغايتها إكساب الفضيلة والآداب والأخلاق الحميدة ووسيلتها التنشئة الأسرية السليمة وعناية الآباء بتربية الأبناء. فعلى الأسرة والمنزل تقع المسئولية الكبرى في تعليمهم. ومع الآباء قد يقومون بدور تعليمي لأطفالهم كما أن المدرسة قد تقوم بدور تربوي لهم، إلا أن هذه الوظيفة ثانوية تأتي مصاحبة للوظيفة الأساسي لكل من الآباء والمدرسة.
إن التعليم في حد ذاته لا يعتبر سببا في فساد أخلاق المرء أو سوء تربيته، كما أنه لا يعصم المرء من سوء الخلق والتربية. فمن النساء سواء كن متعلمات أو جاهلات من هن فضليات ومنهن من لا خلاق لهن ويسئن معاملة الآخرين. وكثير منهن يعرفن الحلال والحرام والحسن والقبيح. ويتبعن هذا ويعرضون عن ذاك، وأخريات لا يتبعهن هذا ولا يعرضن عن ذاك. وما ذلك إلا لأنهن لم يتعودن الفضيلة والأخلاق الحميدة منذ صغرهن وعلى طول سنوات تربيتهن في المنزل. ومن هنا ندرك الفرق بين قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها. ونستطيع أن نميز بينهما. وهذا التمييز مهم لنقنع به أولئك الذين ما زالوا يتخوفون من تعليم المرأة ويتشككون فيه.
يقول قاسم أمين وهو أحد دعاة الإصلاح عن أهمية تعليم المرأة: "إننا نجد في هدي نبينا ما ينبغي أن نقتدي به حين قال في شأن عائشة: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". وعائشة امرأة لم تؤيد بوحي ولا بمعجزة وإنما سمعت فوعت وعلمت فتعلمت. ولذا ينبغي أن نبدأ بتربية المرأة تربية تنقذنا من جميع العيوب التي يقذفنا بها الأجنبي كل يوم.. ولكن ما بال الرجال يعارضون تعليمها وتثقيفها في الوقت الذي يشكون فيه مر الشكوى من جهالتها؟ لقد رسخ في أذهانهم أن تعليمها وعفتها لا يجتمعان. وقال بعضهم في ذلك حكايات غريبة ونوادر استدلوا بها على أن تعليم المرأة يزيدها براعة في الاحتيال ويعطيها سلاحا جديدا تتقوى به على تنفيذ شهواتها.. وبالجملة فإنا نرى أن
تربية العقل والأخلاق تصون المرأة ولا يصونها الجهل. بل هي الوسيلة العظمى لأن يكون في الأمة نساء يعرفن قيمة الشرف وطريق المحافظة عليه. وأرى أن من يعتمد على جهل امرأته مثله كمثل أعمى يقود أعمى مصيرهما أن يترديا في أول حفرة تصادفهما في الطريق. "نقلا عن: ماهر حسن فهمي: ص121".
وعن أهمية تعليم المرأة أيضا يقول قاسم أمين في كتابه "المرأة الحديدة""ص99" إن على الأم أن تعرف أفضل الطرق لتغذية الطفل لأهميتها في نمو جسمه، وكيف تقي جسم ولدها من أعراض الحر والبرد؟ وما هو الماء الذي ينبغي استعماله في نظافة جسمه من حار وفاتر أو بارد؟ وعليها أن تعرف أن للهواء والشمس أثرا حميدا في الصحة فلا تحرمه من التمتع بهما. وهكذا يقال في الأشياء الأخرى كالنوم واللعب وما أشبه ذلك. ثم يجب عليها من جهة أخرى أن تكون على علم تام بعلم نفس الطفل ووظائف قواه العقلية والأدبية وإلا كانت أول عامل في فساد أخلاق ولدها.
وهو يعيب على المرأة المصرية أسلوب تعاملها مع طفلها. فهي تمنعه من اللعب كي لا يشوش عليها وهي لا تدري أنها بمنعها له من اللعب تقف في سبيل نموه. وإذا أرادت أن تؤدبه هددته بما لا تستطيع أو بما لا تريد أن تنفذه، أو خوفته بموهومات تثير في ذهنه خيالاته ومخاوف ربما لازمته مدة حياته "أمنا الغولة أو أبو رجل مسلوخة". وإذا أرادت أن تكافئه وعدته بوعود لا تفي بها فتكون له بذلك قدوة في الكذب وتحدث في نفسه ضعف الثقة بالقول. وهي في أغلب حالاتها تظهر الغضب عليه وتنهره بالصوت الشديد وتزعجه بحركات التهديد. وربما كان السبب الذي أثار غضبها لا يستحق من ذلك كله شيئا. فإذا رأت منه انفعالا مما صدر منها، لم تلبث أن تضمه وتقبله وتظهر له غاية الندم على ما صدر منها. والولد المسكين لا يدري كيف استحق غضبها أولا ثم رضاها ثانيا.
ويخلص إلى القول بأن جميع العيوب التي تشاهد عند الأطفال مثل الكذب والخوف والكسل والحمق هي ناشئة عن جهل أبويه بقواعد التربية. وهو يرى أن
مدار تربية الطفل كلها على الأم. فسواء كان ذكرا أو أنثى لا يعرف ولا يرد على حواسه إلا الصور التي تعرضه لها، فنفسه صحيفة بيضاء وأمه تنقشها كما تشاء. ومن هنا وجب على كل أب وكل أم أن يلم بهذه القواعد وأن يحسن تربية الأبناء.
ويرى كثير من علماء المسلمين ومربيهم ومصلحيهم أن من المهم في تنشئة الطفل العناية بتربيته الدينية والروحية حتى ينشأ منذ صغره على الفضيلة والآداب الحميدة. ويتجنب الرذيلة والأخلاق الفاسدة. والمسئولية الأولى في ذلك تقع على أسرته ووالديه. يقول أحد العلماء المسلمين: إن التربية الناقصة للطفل تنجم عنها خسارات كبيرة يتجرعها الطفل وأبواه أولا ثم يجني المجتمع ثمارها حنظلا مريرا. فإهمال تربية البنين جريمة الآباء في حق الأبناء. وقد قال الشاعر العربي في هذا المعنى:
إهمال ترية البنين جناية
…
عادت على الآباء بالنكبات
ويعلق على أهمية الأم المتعلقة فيقول إن الأم المتعلمة أقدر على متابعة العملية التربوية لأولادها في المنزل وإدراك حاجات الطفل الجسمية والعقلية. كما أنها أقدر على تفهم طبيعة الحياة والمجتمع وتطلعاته وأقدر على أداء دورها في ارتقائه "عبد المتعال محمد الجبري: ص65".
ويقول الغزالي في هذا المعنى: اعلم أن الطريق إلى رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه. فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة. وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له مؤدب. وإن عود الشر وأهل إهمال البهائم شقي وهلك. وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له. ومن هنا تتضح أهمية دور الأم في تربية الأبناء. ولكي تستطيع أن تقوم بذلك علينا أن نحسن تربيتها من البداية.