الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكان التعليم:
وكان المعلم هو الذي يقوم بتأجير الكتاب وتأثيثه، وفي بعض الأحيان كان آباء الصبيان يتعاونون في تأجير المكان للمعلم. وكان الكتاب يضم معلما واحد، وفي بعض الأحيان كان يضم أكثر من معلم. وقد ذكر ابن حوقل أنه رأى في مدينة "بالرمو" بصقلية كتابا واحدا يقوم بالعمل فيه خمسة معلمين. ويرجع ذلك إلى إعفاء المعلمين من الجهاد ففزع كثير من الرجال إلى هذه المهنة وحسنه لديهم جهلهم فرارا من الجهاد وشرفه والغزو وعزه. وذلك أن بلدهم ثغر من ثغور الروم وناحية تحاد العدو والجهاد فيهم لم يزل قائما "ابن حوقل ص120".
الدرة والفلقة:
كانت الدرة والفلقة من عدة المعلم يستخدمها في عقاب المقصرين من تلاميذه. ولكن الضرب بالدرة والفلقة كان لا يستخدم عادة إلا إذا فشل النصح، والتقريع بالكلام غير البذيء أو الجارح. وكان الضرب عادة بعيدا عن العنف والقسوة وفي أماكن من الجسم لا يترتب عليها إلحاق ضرر بالطفل، وعادة ما يكون الضرب على الرجلين في حدود ضربة واحدة إلى ثلاث.
أجر معلم الكتاب:
سبق أن أشرنا إلى أجور المعلمين وبالنسبة لمعلمي الكتاب هنا نقول: إنه كان يتقاضى أجرا عن التعليم إما شهريا أو سنويا وذلك بالاتفاق مع آباء التلاميذ وأحيانا يترك تحديد الأجر بما تجود به همتهم.
وقد قال معظم فقهاء المسلمين يجوز أخذ المعلم أجرا على التعليم على الرغم من أن بعضهم ومن بينهم الغزالي والماوردي استقبح ذلك. وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك.
ثالثا: المدارس
مدخل
…
ثالثا: المدارس:
كان طالب العلم قبل ظهور المدارس يسعى إليه بالسفر والارتحال في طلبه على يد الشيخ الذي يريده. وكان يبذل الجهد والمال في طلب المشهورين أو المرموقين من الشيوخ. وكانت المساجد أماكن للدرس والتدريس للشيوخ والعلماء يفد إليهم الطلاب من كل صوب وحدب. وفي أواخر القرن الرابع وبداية الخامس الهجري بدأ ظهور المدارس، وبدأ الملوك والأمراء في إنشاء المدارس. ويقول الشيخ محمد أبو زهرة "إن إنشاء المدارس في الإسلام ابتدأ في أواخر القرن الرابع الهجري. وكان يقوم بإنشائها بعض الأمراء وبعض الملوك إذاعة لنفوذهم أو خدمة لدينهم أو نشرا للنور والمعرفة بين شعوبهم. وكانوا يجمعون العلماء في هذه المدارس، فصار طالب العلم لا ينتقل إلى العلم فقد انتقل إليه العلم وصار لا يبحث عن شيخه فقد جاء الشيخ إليه
…
كما أن بعض العلماء الذين أوتوا بعض اليسار كانوا يقومون بإنشاء المدارس مثل مدرسة بني قدامة بالشام "محمد
أبو زهرة 1977: 155-156" وكان يوجد أحيانا مدرسة تختص بفرع واحد من فروع العلوم الإسلامية لا سيما الفقه والحديث.
ومن أوائل المدارس وجودا مدرسة أبي علي الحسيني المتوفى سنة 393هـ بخراسان وكانت لتعليم الحديث وكان بها ما يقرب من ألف طالب. وكان هناك مدرسة ابن فورك المتوفى سنة 406هـ بخراسان أيضا؛ ومدرسة أبو حاتم البستي المتوفى سنة 420هـ. ويعقب الشيخ محمد أبو زهرة على ذلك بقوله: "وترى من هذا أن فارس وخراسان سبقا البلاد الإسلامية "الأخرى" بإنشاء المدارس". "محمد أبو زهرة 1977: 156-157".
بيد أن بعض الباحثين منهم جرجي زيدان "ج3 ص225" يرى أن نظام الملك الوزير السلجوقي الفارسي هو أول من بنى المدارس في الإسلام في القرن الخامس الهجري واشتهر بها. وكان أشهر هذه المدارس النظامية في بغداد. مع أنه أنشأ مدارس نظامية أخرى في البصرة والموصل وبلخ وأصفهان ونيسابور وهراة ومرو. وكانت نظامية بغداد قد تولى بناءها سعيد الصوفي عام 457هـ على شاطئ نهر دجلة وكتب عليها اسم نظام الملك. وبنى حولها أسواقا تكون محبسة عليها وابتاع ضياعات وخانات وحمامات وقفها عليها "جرجي زيدان: 220". وكان لهذه المدرسة شأن كبير في العالم الإسلامي. فقد تخرج منها جماعة من رجال العلم طار ذكرهم في الآفاق. أول أساتذتها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ثم الإمام أبو نصر الصباغ ثم أبو القاسم الدبوسي وأبو حامد الغزالي والشاشي والهراسي والسهروردي وكمال الدين الأنباري وغيرهم من أقطاب العلم" "المرجع السابق".
ويقول "السبكي" في "طبقات الشافعية: إنه ليس صحيحا أن نظام الملك هو أول من بنى المدارس في الإسلام فقد وجد في نيسابور مدارس قبل المدارس النظامية منها المدرسة السعدية التي أنشأها نصر بن سبكتكين حاكم نيسابور والمدرسة البيهقية التي بناها الشيخ أحمد البيهقي في نيسابور أيضا. ويتفق كل من المقريزي والسيوطي مع السبكي في هذه الرأي. وهو رأي مخالف لما ذهب إليه جرجي زيدان.
وبعد نظام الملك جاء محمود نور الدين زنكي فأنشأ مدرسة دمشق للحديث وحبس عليها أحباسا كثيرة. وبنى مدارس أخرى في حلب وحمص وغيرها من بلاد الشام. ثم جاء صلاح الدين فأكثر من إنشاء المدارس بمصر والشام وكان يحضر بعض الدروس فيها. وقد وضع لها نظما ثابتة مقررة "محمد أبو زهرة 1977: 158". فنظم أجر المعلم وجعله أربعين دينارا، وأجر المعيد عشرون دينارا، كما كان يصرف للمعلم كل يوم ستون رطلا من العيش عدا الكعك واللحم في عيدي الفطر والأضحى وكان يطلق على أجر المعلمين وغيرهم في أيام المماليك جامكية "جمع جوامك". وكانت أول مدرسة نظامية في القاهرة في عهد الأيوبيين المدرسة الناصرية التي بناها السلطان العادل زين الدين كتبغا المنصوري وأتمها السلطان محمد بن قلاون سنة 703هـ. وقد وصفها المقريزي في خططه بأنها من أجمل مباني القاهرة وبأنها من أعجب ما صنعته يد بشر. وهكذا ازدهرت المدارس في عهد الأيوبيين. ثم جاء المماليك فساروا على سنة الأيوبيين في عنايتهم بإنشاء المدارس والإنفاق عليها ورصد الأموال لها.
وعمت حركة إنشاء المدارس كل العالم الإسلامي. ويذكر المؤرخون أنه كان في الصالحية وهي أحد أحياء دمشق قرابة 360 مدرسة لتعليم مختلف العلوم من مختلف التخصصات التي كان لها شأن. فكانت هذه المدارس داخله في نطاق الأوقاف الإسلامية يضاف إليها المستشفيات، والبيمارستات والملاجئ التي يأوي إليها ذوو العاهات وأصحاب الحاجات. وكانت هذه المنشآت التعليمية والخيرية أحسن حالا وأكثر متانة ورونقا من قصور الأثرياء وذوي الجاه والسلطان آنذاك. وشملت النهضة أيضا شمال إفريقيا ومن أشهر المدارس هناك مدرسة القيروان السنية وفي مصر يذكر المقريزي أنه كان في القاهرة وحدها 13 مدرسة.
وأما في الأندلس فيستفاد مما ذكره المقري صاحب نفح الطيب "ج1 ص104" أنها لم تعرف المدارس بالصورة التي كانت عليها في الشرق وإنما اعتمدت على المساجد كمراكز للتعليم. يقول المقري: "وليس لأهل الأندلس مدارس تعينهم على طلب العلم يقرءون جميع العلوم في المساجد بأجرة".