الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الأولى فرض عين فيها يتعلم كل شباب الأمة الإسلامية، فمن كان يستطيع بكفاءته الفكرية التي كشفتها تلك المرحلة أن يدخل الثانية دخلها، ومن وقفت كفاءته الفعلية عن الدخول فيه وقف عند فرض كفاية تحتاج إليه الجماعة إذ الأمة في حاجة إلى عمال يدويين وزراع يفلحون ويقومون على الحرث، وإلى من يمهرون في الصناعات المختلفة التي لا تحتاج إلى تفكير كثير وإنما إلى أيد ماهرة كسبت مهارتها بالتمرين والعمل.
والذين اجتازوا المرحلة الثانية بنبوغ يدخلون المرحلة العليا وهي الثالثة، ومن وقف دون الدخول في هذه الأخيرة وقف عن فرض كفاية فإن الجماعة محتاجة إلى ذوي ثقافات متوسطة ليشرفوا على الأعمال ويديروا نظامها. ومن اجتازوا المرحلة العليا كان منهم قادة الفكر والمخترعون وبمقدار قواهم الفكرية لا بمقدار عددهم تكون قوة الأمة الإسلامية وعظمتها المادية والروحية، فالاعتبار في هؤلاء بقواهم لا بالأعداد الكثيرة "محمد أبو زهرة. ص84". إن إحدى الغايات الرئيسية المنشودة في التربية الإسلامية غاية أخلاقية تقوم على تربية الإنسان الخير الذي يحيا حياة خير بعيدة عن الشر والأذى على المستوى الفردي والاجتماعي.
8-
التربية الإسلامية تربية مستمرة:
فهي تربية لا تنتهي بفترة زمنية معينة ولا بمرحلة دراسية محددة وإنما تمتد على طول حياة الإنسان كلها، فهي تربية من المهد إلى اللحد. وهي تربية متجددة باستمرار تنمي شخصية الفرد وتثري إنسانيته، كما أنها تأخذ به إلى الأمام في طريق النمو والتقدم المستمرين.
إن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة فهي تتغير وتتطور ولا بد للإنسان أن يساير هذا التطور وإلا تخلف عن ركب الحياة. والإسلام يساير التطور باستمرار لأنه صالح لكل زمان ومكان؛ لأنه يستند إلى كتاب أحكمت آياته وفصلت، والشريعة الإسلامية مطاوعة لكل زمان ومكان ومتمشية مع كل عصر، وذلك لتطور الأحوال ودورانها على مصالح الناس واحتياجاتهم المتجددة، والتربية الإسلامية هي انعكاس صادق لهذا التطور المستمر. وقد ورد عن علي بن أبي
طالب قوله: "علموا أولادكم غير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
وفي الإسلام ليس هناك نهاية أو سن محدودة لطلب العلم، ويقول الزرنوجي في "تعليم المتعلم طريق التعلم" إنه لا عذر لصحيح الجسم والعقل في ترك طلب العلم مهما كان عمره. وسئل أبو عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ أجاب: ما دامت الحياة. وسئل حكيم: ما حد التعليم؟ فأجاب: حد الحياة. وسئل ابن المبارك: إلى متى تتعلم؟ قال: إلى آخر يوم في عمري فلعل الكلمة التي تنفعني لم أتعلمها بعد. ويرى ابن قتيبة أنه "لا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل" فالحكمة ضالة المؤمن ينشدها حيثما كانت ما دامت فيه الحياة، وقد أشرنا إلى الرحلة في طلب العلم في الإسلام في مكان آخر في هذا الكتاب. ويقول الماوردي في هذا المعنى:
- اعلم أن العلوم شريفة ولكل علم منها فضيلة، والأحاطة بجميعها محال، قيل لبعض الحكماء: من يعرف كل العلوم؟ فقال: كل الناس. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ظن أن للعلم غاية فقد بخسه حقه ووضعه في غير منزلته التي وضعه الله بها، حيث يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وفوق كل ذي علم عليم". وقال بعض العلماء: لو كنا نطلب العلم لنبلغ غايته لكنا قد بدأنا العلم بالنقيصة، ولكنا نطلبه لننقص في كل يوم من الجهل ونزداد في كل يوم من العلم. وسئل سفيان بن عيينة: من أحوج الناس على طلب العلم؟ قال: أعلمهم، لأن الخطأ منه أقبح. وحين انقطع أبو يوسف عن حضور مجلس أبي حنيفة واتخذ لنفسه منفصلا كتب إليه أبو حنيفة بما أعجزه عن الجواب ثم علق على عجزه بقوله: من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه. وسئل عبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب العلم قال: حتى الممات إن شاء الله. لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد. قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل لا يولد عالما وإنما العلم بالتعلم. وقد قال الشاعر العربي في هذا المعنى:
تعلم فليس المرء يولد عالما
…
وليس أخو علم كمن هو جاهل