الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} . وإذا قصر الإنسان في تحصيل رزقه أو اعتمد فيه على غيره مع قدرته على القيام به كان غيره أفضل منه وأعلى منه رتبة ودرجة لأن اليد العليا خير من اليد السفلى كما ورد في الأثر. وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل في ذلك حين مر بالمسجد فرأى رجلا معتكفا ليله ونهاره، فسأله عمن يعوله. فقيل له أخوه. فقال صلى الله عليه وسلم:"أخوه خير منه". ووجوب السعي في طلب الرزق والكسب تصحح حالة التواكل والكسل التي تظهر في طبقة من الجهلاء والخاملين الذين يعتبرون الدين نوعا من الرهبنة والعكوف في المساجد. ولقد أطلق القاضي عبد الجبار على هذه الطبقة اسم المتآكلة أو المتواكلة الذين يشيعون جو الخمول والكسل بين أفراد الأمة مدعين أن السعي في طلب الرزق نوع من سوء الظن بالله، وأن حسن التوكل على الله يقتضي القعود عن طلب الرزق "محمد السيد الجليند: 331". وهذا فهم خاطئ لمعنى التوكل والصحيح أن نعقلها أولا ثم نتوكل.
أسس التربية الإسلامية
التربية الإسلامية تربية تكاملية شاملة
…
أسس التربية الإسلامية:
تستند التربية الإسلامية إلى مجموعة من الأسس والركائز الرئيسية تشكل في مجملها المفهوم الشامل للتربية الإسلامية، ويمكننا أن نعرض هذه الأسس فيما يأتي:
1-
التربية الإسلامية تربية تكاملية شاملة:
وقصد بالتكامل أو الشمول هنا أنها لا تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الإنسان فالتربية الإسلامية ترفض النظرة الأحادية أو الثنائية إلى الطبيعة الإنسانية التي تقوم على التمييز بين العقل والجسم وسمو العقل على الجسم، وإنما هي تنظر إلى الإنسان نظرة متكاملة تشمل كل جوانب الشخصية فهي تربية للجسم وتربية للنفس والعقل معا. ولا شك أن كل جانب من هذه الجوانب يؤثر في الآخر ويتأثر به، وقديما قالوا: العقل السليم في الجسم السليم. كما أن في الجسم مضغة إذا صحت صح الجسم، وإذا فسدت فسد الجسم ألا وهي القلب. والجسم هو مطية النفس والعقل في أداء الواجبات وتنفيذ أوامر
الشرع، ولأهمية الجسم في التربية الإسلامية أمرنا الإسلام بالعناية بصحتنا وأجسامنا "إن لبدنك عليك حقا"، فهناك حق البدن على صاحبه وجعل طهارة الجسم شرطا للعبادة. كما أمرنا أن نجمل مظهرنا بنظيف الثياب وأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد. وتخاطب التربية الإسلامية حواس الإنسان وقواه. وتحتكم إليها {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} . والإنسان مسئول عن الحفاظ على حياته وحمايتها من الخطر والحفاظ على جسمه وضرورة العناية به ووقايته وحمايته وعلاجه إذا ألم به مرض. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات
…
فقال الله بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة". وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا قوله: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بحديدة فحديديته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
والتربية الإسلامية تربية للعقل لأنها تخاطب العقل وتحتكم إليه، والإسلام دين العقل والنظر والتفكير والتأمل. ويحتل العقل في الإسلام مكانا هاما قل أن نجد له نظيرا في غيره من الشرائع. فهو أساس التكليف والاختيار والحساب. واعتبرت المعرفة والعلم وهو غذاء العقل أساس التفاضل بين الناس. والتفكير وهو وظيفة العقل فريضة إسلامية. وهو ما حدا بمؤلف العبقريات الإسلامية عباس العقاد أن يجعله عنوانا لكتاب من كتبه الخالدة. والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحث على إعمال العقل والفكر والنظر والتأمل ووزن الأمور بميزان المنطق، ونبذ ما يتنافى معه من خرافات وأباطيل وأوهام. وقد ذم الله في كتابه العزيز من يسمع القرآن ولا يفقه معناه ولا يتدبره، ومدح من يسمعه ويفقهه، قال تعالى في سورة محمد {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
والقرآن الكريم يعلمنا من خلال الأمثلة الكثيرة أهمية المعرفة العلمية والتقنية من أجل السيطرة على الطبيعة واستعمار الأرض التي استخلفنا فيها
الله. فضرب لنا مثل داود عليه السلام الذي ألان له الحديد وأوحى له أن يعمل منه دروعا، ومثل سليمان عليه السلام الذي سخر له الريح لتحمل بساطه هو وخاصته إلى حيث يشاء، وأسال له النحاس وذلل له الجن في استخدام النحاس المذاب أو المصهور ليعمل منه أنواعا من المصنوعات. قال تعالى في سورة سبأ:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} . ويضرب لنا القرآن الكريم أيضا مثل ذي القرنين وقيامه ببناء السد والحاجز الحصين لدرء خطر يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان مفسدتان من ولد يافث بني نوح عليه السلام. وتم له ذلك بمساعدة قوة من الفعلة واستخدام كتل الحديد والنحاس المصهور. قال تعالى في سورة الكهف {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} .
والتربية الإسلامية تربية نفسية لأنها تخاطب عاطفة الإنسان ووجدانه وقلبه وضميره وتحتكم إليها
…
أمرنا ديننا بأن نربي نفوسنا على الفضيلة والخير وحب الناس والتجرد من الأنانية وحب الذات، وجعل أساس الحساب على الأعمال ما استقر في النفس لا بما ظهر من السلوك. وأمرنا ديننا بالتعفف وعزة النفس ورياضتها وتدريبها والتحكم فيها. بل لقد اعتبر ديننا جهاد النفس جهادا أكبر من جهاد الحرب والقتال، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله بعد عودته من الحرب:"رجعت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: "جهاد النفس".
إن التربية الإسلامية تربية تحررية لأنها تحرر العقل من التعصب الأعمى والتزمت أو الانغلاق وضيق الأفق والإيمان بالأوهام والأساطير. كما أنها تحرر النفس من الخوف والعبودية والضعف. فالمسلم القوي خير من المسلم الضعيف.
وتحررها أيضا من الخبث والدنس واللؤم وكل ما يشينها، وهي أيضا تحرر الجسم من كل ما يدنسه ويعيبه وتقيمه على الطهارة والنظافة والعناية والاهتمام به كما تحرره من الخضوع للذات والشهوات.
ويقول العقاد في هذا المعنى في كتابه "الإنسان في القرآن": إن الإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه كل لا يتجزأ. للجانب الجسمي أو البيولوجي حاجاته ومتطلباته وللجانب الروحي والعقلاني حاجاته ومتطلباته. ومن هنا لا يجوز له الإسراف في مرضاة هذا ولا في مرضاة ذاك.