المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني ‌ ‌أهداف التربية الإسلامية ‌ ‌مدخل … الفصل الثاني: أهداف التربية الإسلامية وأسسها وأساليبها تعتبر - التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية

[محمد منير مرسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌نبذة تفصيلية عن المؤلف

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس:

- ‌تمهيد: مشكلات منهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية

- ‌الفصل الأول: التربية الإسلامية

- ‌تربية العرب قبل الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل القلم:

- ‌فضل الخط:

- ‌فضل الكتب:

- ‌مكانة العلم في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌فضل المسلمين على العلم:

- ‌لماذا أنطفأت شعلة العلم الخلاقة في المجتمعات الإسلامية

- ‌تأثير الفكر الإسلامي في الغرب:

- ‌الرحلة في طلب العلم:

- ‌التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد:

- ‌كيف نبدأ

- ‌حول توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أهداف التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌لماذا خلقنا

- ‌ما يصلح به حال الإنسان:

- ‌العبادة غاية الوجود الإنسان وأساس السلوك الأخلاقي

- ‌التكسب واجب:

- ‌أسس التربية الإسلامية

- ‌التربية الإسلامية تربية تكاملية شاملة

- ‌ التربية الإسلامية تربية مثالية واقعية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية سلوكية عملية:

- ‌ التربية الإسلامية تربية فردية واجتماعية معا:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لضمير الإنسان:

- ‌ التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان وإعلاء لدوافعه:

- ‌ التربية الإسلامية تربية موجهة نحو الخير:

- ‌ التربية الإسلامية تربية مستمرة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية متدرجة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية محافظة مجددة:

- ‌ التربية الإسلامية تربية إنسانية عالمية:

- ‌أساليب التربية الإسلامية

- ‌أسلوب القدوة الصالحة

- ‌ أسلوب الثواب والعقاب:

- ‌ أسلوب التوجيه والنصح:

- ‌ أسلوب الحوار والمناقشة:

- ‌ أسلوب المعرفة النظرية:

- ‌أسلوب الممارسة العملية

- ‌ أسلوب الرسم والإيضاح:

- ‌ أسلوب التلقين والحفظ:

- ‌أسلوب الرسول الكريم:

- ‌التعليم الإسلامي

- ‌خصائص التعليم الإسلامي التقليدي

- ‌المنهج المدرسي

- ‌وسائل التدريس

- ‌مساكن الطلبة:

- ‌الجمع بين طلب العلم والتكسب:

- ‌الدولة والتربية في الإسلام:

- ‌أهل الحسبة ورعاية المصالح العامة والتعليم:

- ‌وجوب التعليم:

- ‌التعليم في الإسلام فرض وابج وليس مجرد حق

- ‌الفصل الثالث: فلسفة التربية الإسلامية

- ‌أولا: الإسلام والكون "مدخل أطولوجي

- ‌خالق الكون

- ‌البرهنة على وجوده:

- ‌الفرق بين التصديق والإيمان:

- ‌خلق السموات والأرض

- ‌حقيقة الكون:

- ‌نظرة الإسلام للكون:

- ‌الأنبياء وكتب الشرائع:

- ‌الكون والتطور:

- ‌رفض علماء المسلمين لنظريات التطور الغربية:

- ‌دورة الحياة:

- ‌ما تصلح به حال الدنيا:

- ‌ثانيا: المعرفة في الإسلام "‌‌مدخلابستمولوجي

- ‌مدخل

- ‌طبيعة المعرفة وأنواعها:

- ‌تعلم الإنسان من غيره من المخلوقات:

- ‌ثالثا: الأخلاق في الإسلام مدخل إكسيولوجي

- ‌الفصل الرابع: تربية الطفل في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌نشاط الطفل دليل صحة:

- ‌مراحل التربية الخلقية:

- ‌آداب المتعلم:

- ‌شروط تحصيل العلم:

- ‌خاتمة:

- ‌الفصل الخامس: تعليم المرأة في الإسلام

- ‌مقدمة:

- ‌المرأة والحجاب:

- ‌قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها:

- ‌المرأة والتعليم:

- ‌آراء علماء المسلمين في تعليم المرأة

- ‌أولا: آراء غريبة عن الإسلام

- ‌ثانيا: آراء معتدلة تتفق مع روح الإسلام:

- ‌التعليم المختلط:

- ‌التربية الزوجية:

- ‌حق الزوجة على زوجها:

- ‌الفصل السادس: المعلم في التربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌أهمية المعلم ومكانته:

- ‌واجبات وأدوار المعلم:

- ‌أخلاق المعلمين:

- ‌أجر المعلم:

- ‌الفصل السابع: تطور التربية الإسلامية وأهم سماتها في العصور الوسطى

- ‌مراحل تطور التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للتربية الإسلامية: مرحلة البناء

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة العصر الذهبي أو الازدهار

- ‌السمات العامة للتربية الإسلامية في العصر الذهبي

- ‌دخول العلوم العقلية

- ‌ نشأة المدارس:

- ‌ ظهور الآراء التربوية المتميزة:

- ‌الفصل الثامن: مركز التعليم الإسلامي

- ‌أولا: المساجد

- ‌ثانيا: الكتاب

- ‌هدف الكتاب

- ‌الدراسة في الكتاب:

- ‌نقد طريقة التعليم بالكتاب:

- ‌معلم الكتاب:

- ‌مكان التعليم:

- ‌ثالثا: المدارس

- ‌مدخل

- ‌أسباب إنشاء المدارس:

- ‌نمط المدرسة الإسلامية الأولى:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌مناقب ومثالب:

- ‌رابعا: المكتبات

- ‌خامسا: دور الحكمة

- ‌بيت الحكمة في بغداد

- ‌ بيت الحكمة في رقادة:

- ‌ دار الحكمة بالقاهرة:

- ‌سادسا: حوانيت الوراقين:

- ‌سابعا: الرباطات:

- ‌ثامنا: البيمارستانات والمستشفيات

- ‌تاسعا: منازل العلماء

- ‌الفصل التاسع: أعلام التربية الإسلامية في العصر الوسيط

- ‌ابن سحنون وآراؤه التربوية

- ‌ القابسي وآراؤه التربوية:

- ‌ابن مسكويه وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مؤلفات ابن مسكويه:

- ‌تأثر ابن مسكويه بفلاسفة الإغريق

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌النفس الإنسانية:

- ‌الفضيلة وصفاتها الأخلاقية:

- ‌الكمال الإنساني:

- ‌الأخلاق:

- ‌أمراض النفوس وعلاجها:

- ‌تربية النشء:

- ‌الماوردي وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌الماوردي والأصفهاني وابن خلدون:

- ‌الإنسان مدني بطبعه:

- ‌العقل أس الفضائل:

- ‌ضرورة التأديب:

- ‌شرف العلم وفضله:

- ‌شروط طلب العلم:

- ‌الباعث على طلب العلم:

- ‌التدرج في طلب العلم:

- ‌كبير السن والتعلم:

- ‌أسباب التقصير في طلب العلم:

- ‌أخلاق العلماء:

- ‌آداب رياضة النفس واستصلاحها:

- ‌الغزالي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌الغزالي ناقل عن ابن مسكويه وغيره من المسلمين والإغريق:

- ‌منهج الغزالي في تربية الطفل:

- ‌ابن تيمية وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌أسرته:

- ‌عصره:

- ‌وفاته:

- ‌ ابن خلدون وآراؤه التربوية:

- ‌الفصل العاشر: التربية في الشرق العربي الإسلامي في العصور الحديثة

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ الحركة الإصلاحية السلفية والتعليم:

- ‌ دعوات التغريب والتشكيك الفكري:

- ‌الفصل الحادي عشر: أعلام النهضة التربوية في الشرق العربي الحديث

- ‌محمد بن عبد الوهاب وآراؤه التربوية

- ‌مقدمة

- ‌تأثير ابن تيمية:

- ‌أراؤه وجهوده التربوية:

- ‌رفاعة الطهطاوي وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌آراؤه التربوية:

- ‌أخلاق المعلمين والمتعلمين:

- ‌طريقة التعليم:

- ‌على مبارك وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌جهوده الفكرية والثقافية:

- ‌جهوده في التربية والتعليم:

- ‌الشيخ محمد عبده وآراؤه التربوية

- ‌مدخل

- ‌مدرسة الإمام:

- ‌جهوده العلمية والفكرية:

- ‌آراؤه في التربية:

- ‌مراتب التعليم:

- ‌على الأغنياء بذل المال في إنشاء المدارس:

- ‌تطوير الأزهر:

- ‌تعليم المرأة:

- ‌وفاة الإمام:

- ‌الفصل الثاني عشر: الاتجاهات التربوية في العصر الحديث

- ‌اقتباس النظم التعليمية الحديثة

- ‌ ظهور حركة التربية الحديثة:

- ‌استقدام الخبراء الأجانب

- ‌تقرير كلاباريد

- ‌ تقرير مان:

- ‌ الاهتمام بإعداد المعلمين:

- ‌ إنشاء الجامعات الحديثة:

- ‌ظهور الاتجاهات التعليمية المتميزة

- ‌سياسة الأبعاد الثلاثية "نجيب الهلالي

- ‌اتجاه الكم أو سياسة الماء والهواء: "طه حسين

- ‌اتجاه الكيف أو تعليم الصفوة: "إسماعيل القباني

- ‌ تطوير الأزهر:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌كتب المؤلف

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني ‌ ‌أهداف التربية الإسلامية ‌ ‌مدخل … الفصل الثاني: أهداف التربية الإسلامية وأسسها وأساليبها تعتبر

‌الفصل الثاني

‌أهداف التربية الإسلامية

‌مدخل

الفصل الثاني: أهداف التربية الإسلامية وأسسها وأساليبها

تعتبر كلمة التربية بمفهومها الاصطلاحي من الكلمات الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة مرتبطة بحركة التجديد التربوي في البلاد العربية في الربع الثاني من القرن العشرين. ولذلك لا نجد لها استخداما في المصادر العربية القديمة. وما كانت تستخدمه هذه المصادر هي كلمات مثل "التعليم" و"التأدبيب" و"التهذيب" وهي مرتبطة بالتربية كما نفهمها اليوم أوثق الارتباط وقد وردت كلمة "التربية" عند ابن خلدون بمعنى التنشئة في كلامه في المقدمة عن مراتب الملك والسلطان والألقاب. "مقدمة ابن خلدون: ص235".

وترجع كلمة التربية في أصلها اللغوي العربي إلى الفعل "ربا""يربو" أي نما وزاد. وفي التنزيل الحكيم {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي نمت وزادت لما يتداخلها من الماء والنبات. وتقول رباه بمعنى نشأه ونمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية. وفي التنزيل الحكيم {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}

{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} .

وقد كتب الذين ألفوا عن التعليم في الإسلام من المتقدمين عن أغراض التعليم، ونقل عنه المحدثون وتناولوه في كتابتهم عن أغراض أو أهداف التربية الإسلامية. وبعضهم يجمل الكلام عن هذه الأهداف فيركزها في الهدف الديني الذي يقوم على تعلم القرآن ومعرفة العبادات المفروضة، أو بعبارة أخرى: معرفة الدين علما وتطبيقا. وهذا هدف كبير يمكن أن يشمل التربية الإسلامية كلها باعتبار الدين الإسلامي دينا ودولة، وبعضهم ولا سيما المحدثون يفصلون هذه الأهداف إلى أهداف دينية وعقلية وثقافية ونفسية "أسماء فهمي: 1947" وبعضهم يقسمها إلى أهداف دينية وعقلية واجتماعية ومادية "خليل طوطح: ص352".

ص: 48

وواضح أن هناك اشتراكا كبيرا وشبه اتفاق على هذه الأهداف مع اختلاف المعالجة في التركيز أو التفضيل. ويصبح من الصعب إذن أن نتقبل ما يذهب إليه أحد المؤلفين في التربية الإسلامية من المحدثين عندما يقول: "والرأي عندنا أنه لا يوجد أغراض للتربية عند العرب تعمهم على الإطلاق وإنما الصواب أن نذكر صاحب المذهب ثم نذكر الغرض من التعليم الذي يلائم هذا المذهب""أحمد الأهواني: ص29".

وتميز إحدى الدراسات بين ثلاثة أنواع من الأهداف في التعليم الإسلامي:

الأداتية أو الوسيلية "Instrumental" والمعلنة "Expressive" والمعيارية NORMATIVE "WILK: P.334". وتكون أهداف التعليم أداتية عندما يتركز الاهتمام على تحقيق شيء ما أو الحصول عليه. كأن ينظر المتعلم إلى التعليم على أنه للحصول على الشهادة الدراسية أو المؤهل الدراسي كوسيلة للحصول على وظيفة أو عمل. هنا يكون التعليم مجرد وسيلة أو أداة لغرض معين في نفس المتعلم. وعلى هذا فإن الأهداف الأداتية بصفة عامة تعمل على تشجيع النزعة الفردية التنافسية بين التلاميذ أكثر من تشجيعها لهم على التعاون والعمل الجماعي.

أما الأهداف المعلنة فهي على العكس من ذلك تعمل على تكوين رابطة توحد بين التلاميذ وتحقق المساواة بينهم. وهي أهداف معلنة لأنها تعبر عن النموذج المثالي أما الأهداف المعيارية فهي تهتم بتنمية أنماط معيارية للسلوك والمعتقدات لدى المتعلم من خلال التعلم.

والتربية الإسلامية كما أشرنا في مكان آخر لا تعلق أهمية كبرى على الحصول على المؤهلات والشهادات الدراسية كما هو ملاحظ في التعليم الرسمي في الدول العربية وغيرها من الدول. ولذلك فإن التربية الإسلامية تركز على الأهداف المعلنة والمعيارية، وقد عبر ابن خلدون عن أهمية الأهداف المعيارية بقوله إن كل علوم الحديث تقوم على أساس المادة الشرعية للقرآن والسنة وهما القانون الذي أرسله الله ورسوله.

إن بعض النقاد يدعون على غير حق أن الإسلام يعوق النمو والتقدم، وماكس ويبر MAX WEBER هو أحد نقاد الإسلام. وحجته تستند جزئيا على أن

ص: 49

الإسلام لا يعطي أولوية كبرى للأهداف الأداتية "TUNER: 1974" وهو يدعي أن الإسلام تحكمه أخلاقيات الحرب والجهاد. وأنه بسيطرته الجامدة على أبنائه يحد من نمو الاتجاهات الرأسمالية وأنشطة العمل.

وهو يقارن ذلك بنظرة المسيحية البروتستانتية التي يرى أنها أكثر فردية وتنافسية. ويشارك "ويبر" في هذه النظرة كارل ماركس وإنجلز رائدا النظرية الشيوعية الماركسية وهما يريان على غير حق أن الإسلام ضد التطوير وضد التحديث. إن "إنجلز" يرى أن الغزو الفرنسي للجزائر كان خطوة هامة محظوظة نحو تقدم الحضارة وأن الفرنسيين جلبوا الصناعة والنظام وتنويرا نسبيا على الأقل لمجتمع "بربري" وهي دعوى مسمومة يرددها أعداء الإسلام.

إن أي تصور لأهداف التربية الإسلامية لا بد أن يضع في اعتباره أن مجيء الإسلام يمثل بداية تربية جديدة للمجتمع العربي، وأنه كان من الطبيعي إذن أن يرسم الإسلام مثلا أعلى للحياة مغايرا لما كان عليه حال العرب في الجاهلية أو قبل الإسلام. وعلى هذا يمكن القول بأن أهم أهداف التربية الإسلامية هو بلوغ الكمال الإنساني لأن الإسلام نفسه يمثل بلوغ الكمال الديني فهو خاتم الأديان وأكملها وأنضجها. ويقول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا} ويقول عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} .

ومن تمام الكمال الإنساني مكارم الأخلاق، وقد جاء الإسلام ليصل بهذا الكمال الإنساني إلى قمته. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وهكذا يعتبر بلوغ الكمال الإنساني هدفا رئيسيا للتربية الإسلامية. ومع أن الكمال لله وحده فإن الإنسان لا بد أن يتصف بالكمال باعتباره خليفة الله على الأرض. قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . وعلى الإنسان أن يسعى إلى هذا الكمال وله في هذا السعي لذة تحفزه دائما إلى مزيد من الكمال. يقول الغزالي: "إن أشرف مخلوق على الأرض هو الإنسان، وقد كرمه الله على كثير من خلقه". وهذا التشريف والتكريم يدفع الإنسان دائما على بلوغ مزيد من الكمال.

ص: 50

إن موضوع التربية الإسلامية شأنها شأن غيرها من أنواع التربية هو الإنسان لكل مقوماته الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية ذلك أن طبيعة الإنسان من المنظور الإسلامي تتضمن كل هذه المقومات لتحقيق حياة خلق من أجلها ورسالة كلف بأدائها. ومن ثم فإن التربية الإسلامية تقوم على أساس أن الكمال موجود بالقوة في طبيعة الإنسان، بمعنى أن الإنسان قادر على بلوغ هذا الكمال إذا ما وجد من الرعاية والعناية والتربية ما يساعده على ذلك. وتصبح الوظيفة الرئيسية للتربية في الإسلام هي الانتقال بهذا الكمال الموجود بالقوة إلى كمال موجود بالفعل يكتسبه الإنسان من خلال أساليب التربية والتنشئة التي يتعرض لها في مراحل حياته المختلفة.

ومن أهداف التربية الإسلامية أيضا تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وهو هدف تتزن فيه أسس التربية الإسلامية كما سيتضح من كلامنا عن هذه الأسس فيما بعد. وتقوم التربية الإسلامية على أساس الواقع المادي والروحي للإنسان دون اقتصار على جانب واحد فقط. فهي لا تريد أن يعيش الإنسان في السماء وهو في الأرض، ولا تريد كذلك أن يعيش منغمسا في الحياة الأرضية المادية وحدها لأن في كيانها وجودا روحيا. فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية الأرضية وحدها وأوسع من الحياة السماوية الروحية وحدها كذلك. "مقداد يالجن: ص45".

إن التربية الإسلامية في اهتمامها بالواقع المادي والدنيوي للإنسان تسعى إلى الاهتمام بالجانب الروحي على قدم المساواة. وتهدف من رواء ذلك إلى أن تمتد بحياة الإنسان إلى ما هو أبعد من حياة الأرض قصيرة الأجل وتعده لحياة سعيدة أبدية في الدار الآخرة.

وتهدف التربية الإسلامية إلى تنشئة الإنسان الذي يعبد الله ويخشاه، فالله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وطريقة عبادة الله وخشيته إنما تكون بالعلم، فإنما يخشى الله من عباده العلماء. والعلم هو سبيل التقوى الصحيحة إلى معرفة الله عز وجل، ولذلك حث الإسلام على العلم والسعي في طلبه وفضل أهله على غيرهم ورفعهم درجات. ومن ثم يرى

ص: 51

المربون المسلمون أن من المعايير الهامة التي تقوم عليها أهداف التربية الإسلامية والتي تحدد بالتالي المضمون التربوي التعليمي في الإسلام قيمة هذا المضمون وأثره في تربية الإنسان لبلوغ الفضيلة وكمال النفس عن طريق العلم بالله عز وجل وحسن التوجيه إلى الحياة الخيرة الفاضلة، وتنمية العقل وكسب الرزق، وكذلك قيمة هذا المضمون في نفع الإنسان في دنياه وآخرته على السواء. فالعلم فضيلة وتعرف فضيلة العلم بثمرته وهي التقرب من الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} أما في الدنيا فثمرته العز والوقار والاحترام وبلوغ المكانة والبعد عن السؤال.

إن الإنسان متدين بالطبع وبالفطرة: قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . ومهمة التربية الإسلامية تربية فطرة المسلم على الإيمان الصحيح وخشية الله وعبادته. والتعليم والقدوة أساس الفضيلة والأخلاق، ولذلك كانت سيرة الرسول لها قيمة تربوية خلقية. وقد أمرنا الله بأن نتبع الرسول وأن نأخذ ما آتانا وبه وننتهي عما نهانا عنه.. قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} . كما أن الدين ضرورة اجتماعية لأنه ينظم حياة الناس والعلاقات بينهم ويربط بينهم بسياج متين والدين أيضا ضرورة نفسية للفرد يدفعه إلى بلوغ الكمال في الحياة، والسعي والحركة والنشاط. كما يساعد على التغلب على كثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الفرد في حياته. خذ مثالا بسيطا عندما تضيق الدنيا في وجه إنسان وتنسد أمامه السبل والمسالك عندها يجد في الدين تفريجا عن كربه وتهدئة لنفسه.

ويتصل بالعبادة أيضا دور الإنسان في تعمير الأرض وتسخير ما أودعه الله فيها من ثروات لخدمة حياة الإنسان وتحقيق الخير، وما يتطلبه ذلك من استخدام للعلوم المختلفة. وهكذا تصبح العلوم المختلفة من طبيعية ورياضية وإنسانية ونظرية كانت أو تجريبية أو تطبيقية كلها علوما إسلامية ما دامت

ص: 52