الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتجاه الكيف أو تعليم الصفوة: "إسماعيل القباني
"
ويمثل هذا الاتجاه إسماعيل القباني حتى قبل أن يصبح وزيرا للمعارف في الفترة من 1952-1954. وقد أكد القباني أهمية الكيف: وقال إنها تأتي
قبل الكم. ونادى بضرورة تحسين الكم والتوسيع التدريجي في التعليم أما تعميمه فيأتي مؤخرا أو فيما بعد. بيد أن القباني كان مهتما بصفة رئيسية بالتعليم الثانوي والعالي وفي ذلك يقول: في كل الشعوب المتحضرة يتفق المربون على أن الكيف يأتي قبل الكم في هذين النوعين من التعليم وأن أي أمة تضحي بالكيف في سبيل الكم هي أمية تنتحر. وفي تبرير ذلك يقول القباني: إن التعليمين الثانوي والعالي يعدان الأفراد الذين يتولون قيادة الأمة في الجيل التالي وأي انخفاض في مستواهما يعني إضعافا لحياتنا المستقبلة.
ومعنى هذا أن القباني لا يقبل أي تنازل في مستوى نوعية التعليم الثانوي والعالي أما في التعليم الابتدائي ففي رأيه أن انخفاض مستواه يمكن أن يحتمل في سبيل الإسراع بتعميمه. والمسألة إذن في نظر القباني تتعلق بمفهومه عن التعليم الثانوي ودوره في إعداد القادة والجمع بينه وبين التعليم العالي في هذا الدور. وإذا كان مفهوم التعليم الثانوي بهذا المعنى فهو إذن في نظره ليس تعليما للجميع وإنما هو تعليم "الصفوة".
7-
تطوير الأزهر:
شهدت العصور الحديثة عدة محاولات لتطوير التعليم في الأزهر. ومن المعروف أن الفاطميين أسسوا الأزهر عام 368هـ - 970م للدعاية للمذهب الشيعي وأن يعقوب بن كلس حوله عام 378هـ إلى معهد علمي تدرس فيه العلوم والآداب بعد أن كان مقصورا على إقامة الدعوة الفاطمية "حسن إبراهيم ج3 ص337".
وقد جاء الإحساس بضرورة هذا التطوير استجابة لما دعا إليه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي صاحب أول دعوة لإصلاح الأزهر في القرن التاسع عشر ورائد ترجمة العلوم العربية، وقد تخرج هو نفسه من الأزهر وعاب على محمد علي والي مصر أنه أهمل إدخال العلوم الحديثة إلى الأزهر، وقال: لو تشبث خيار أهل العلم الأزهريين بالعلوم العصرية لفازوا بالكمال.
كما دعا إلى الإصلاح أيضا الشيخ محمد عبده والشيخ العروسي والشيخ المراغي وطه حسين وغيرهم.
وقد تمثلت المطالبة بإصلاح الأزهر في ضرورة الأخر بالعلوم الحديثة مثل الطبيعيات والرياضيات والتاريخ والفلسفة والاجتماع. كما تمثل أيضا في العمل على ربط الأزهر بالمجتمع والحياة وتخليصه من البدع والخرافات والأوهام، ولم يكن من السهل إدخال هذه العلوم الحديثة مثل الطبيعيات والرياضيات والتاريخ والفلسفة والاجتماع. ومن أبرز الشخصيات التي كانت تقاوم إدخال العلوم الحديثة إلى الأزهر في القرن التاسع عشر الشيخ محمد عليش وكان يعاونه في ذلك محمد العباسي المهدي شيخ الجامع الأزهر آنذاك.
ويجب أن نشير إلى الاستفتاء الذي تقدم به أشهر علماء جامع الزيتونة في تونس وهو الشيخ محمد بيرم إلى شيخ الأزهر محمد الأنبابي وكان ذلك سنة 1305هـ - 1877م يسأله رأيه عما إذا كان يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية والطبيعيات والهيئة والكيمياء. وقد أجابه الشيخ الأنبابي بأنه يجوز تعلم العلوم الرياضية وعلم الطب والطبيعيات ولكنه أفتى بتحريم علم التنجيم كما أشار الغزالي. وعلى الرغم من هذا حدثت محاولات لتطوير الأزهر في أواخر القرن التاسع عشر.
في سنة 1911 صدر قانون يتعلق بتنظيم الجامع الأزهر فبعد أن كان التعليم فيه مطلقا غير مقيد أو محدد قسم القانون المذكور الدراسة إلى مراحل لكل منها نظام ومواد خاصة وأنشئت بموجبه هيئة كبار العلماء وأنشئت معاهد دينية جديدة في بعض عواصم المديريات. وأضاف هذا القانون إلى مواد الدراسة مواد جديدة هي التاريخ والجغرافيا الرياضة ومبادئ الطبيعة والكيمياء. وصدر قانون آخر سنة 1936 وهو متمم للقانون السابق. وقد أصبحت دراسة الطب ممكنة بعد أن أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر فتوى تجيز فيها تشريح جسم الإنسان الميت من أجل دراسة الطب أو من أجل التحقيق في الجريمة.
ولعل أهم قانون لتنظيم الأزهر في العصر الحديث، هو القانون الذي صدر عام 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها هو الذي يسري به العمل حاليا. وقد جاء في صدر القانون تمجيد الدور المناط بالأزهر كهيئة تعليمية إسلامية كبرى وأهمية الدور الذي يلعبه بالنسبة للعالم الإسلامي.
وبمقتضى هذا القانون أنشئت كليات حديثة في جامعة الأزهر هي كلية الطب وطب الأسنان والزراعة والتجارة والمعاملات ومعهد اللغات والترجمة كما أنشئت كليات خاصة بالبنات هي كلية البنات الإسلامية وتدرس فيها العلوم الطبيعية إلى جانب العلوم الدينية. وبهذا القانون انتقل الأزهر من الجامع إلى الجامعة. ومن نظام الحلقات في ساحة المسجد إلى نظام المنشأ على الطراز الحديث. ومن شيخ العامود إلى الأستاذ ومن صاحب الفضيلة إلى فضيلة الدكتور.
والواقع أن التطوير الأخير للأزهر عام 1961 وهو المعمول به حاليا قد سبقته إرهاصات كثيرة. وتعالت على مدى سنوات طويلة صيحات المخلصين من علماء الأزهر وشيوخه التي طالبت بالإصلاح والتجديد. منهم الشيخ حسن العطار "توفي 1834"، والشيخ رفاعة الطهطاوي "توفي 1876" والشيخ مصطفى العروسي "توفي 1876"، والشيخ محمد المهدي العباسي "توفي 1898" وجمال الدين الأفغاني "جاء لمصر عام 1870" والإمام محمد عبده "توفي 1905" وقد سبق أن أشرنا إلى آرائه في تطوير الأزهر، والشيخ مصطفى المراغي "شيخ الأزهر عام 1928" والشيخ الأحمدي الظواهري "توفي بعد المراغي مشيخة الأزهر 1929" والشيخ عبد المجيد سليم "توفي 1954". وكان من بينهم أيضا في السنوات الأخيرة الشيخ محمد الشرباصي والمفكر المعروف عباس العقاد. وكان طه حسين أعلى صوتا في المطالبة بتطوير الأزهر منذ صدور كتابه المعروف "مستقبل الثقافة في مصر""1938". وخصص فيها كلاما وافيا شافيا عن ضرورة إصلاح التعليم في الأزهر والتقريب بين مناهجه ومناهج التعليم العام في صورتها المطورة. وأيضا تطوير التعليم الخاص. وكانت حجته في ذلك أن أنواع التعليم المختلفة تخرج عقليات مختلفة ينكر بعضها بعضا مما يفت في عضد الأمة ووحدتها الثقافية والقومية. ولذلك طالب بتوحيد مناهج مختلف أنواع التعليم لتحقيق ثقافة عامة قومية مشتركة بين جميع أبناء البلاد. وفيما بعد على صفحات الجرائد في مصر كان يكتب المقالات التي يؤكد فيها نظرته إلى تطوير الأزهر. وكانت العبارة المشهورة التي
تتكرر في كل مقالاته هي: "شبابنا الأزهريون لا يتعلمون كما يتعلم الناس ولا كما ينبغي أن يتعلم الناس". وعلى كل حال فقد صدر قانون تطوير الأزهر عام 1961. ولكن للأسف أنه منذ صدوره بدأ يتعثر في تطبيقه ويحتدم حوله الخلاف بين مؤيد ومعارض. فمع أن القانون نص على تحديد أربعة أشهر لصدور لائحته التنفيذية، فإن هذه اللائحة لم تصدر إلا عام 1975 أي بعد مرور أربعة عشر عاما على صدور القانون. وهذا يعني أن الكليات المختلفة لم يكن لها دليل عمل يوجهها. وسارت الأمور بها بدون ضوابظ. وترتب على ذلك أخطاء كثيرة. كما أن الجدل احتم حول القانون منذ صدوره. ولعل أهم نقد وجه إليه أنه صدر بدون الرجوع لرجال الأزهر ولم يؤخذ رأيهم فيه وأنه قد فرض عليهم فرضا وكان من الطبيعي أن يرفضه علماء الأزهر. وقد عبر عن هذا الرأي فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي العالم الإسلامي الكبير المعروف. كما عبر عنه أيضا عبد المنعم نمر وهو من علماء الأزهر البارزين. وهناك معارضون آخرون كثيرون. ولعل من أكثر صيحات المعارضة التي تفيض بالأسى واللوعة ما يعبر عنه الدكتور عبد العظيم المطعني في كتابه "الفراغ وأزمة التدين عند الشباب" "مايو 1978" يقول:
"ويعلم الله أن تطوير الأزهر قد أصابه بطعنه لم يسلم منها موضع في جسمه حتى أصبح التطوير توريطا. وما أكثر ما يعانيه الأزهر الآن لاسترداد أنفاسه والوقوف مرة اخرى على قدمين راسخين".
وعلى الجانب الآخر وهو جانب المؤيدين للقانون نجد الشيخ شلتوت شيخ الأزهر سابقا يرى أن القانون بثوبه الجديد يمكن الأزهر من أداء رسالته. ونجد الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر سابقا ينهج نفس المنهج المؤيد ويقول إن القانون الجديد للأزهر حقق أماني المسلمين في إصلاح الأزهر وتمكينه من أداء رسالته كاملة. ومن المؤيدين للقانون الجديد أيضا محمد البهي وبدوي عبد اللطيف ومحمد الطيب النجار وكلهم رؤساء سابقين لجامعة الأزهر.
وهكذا تختلف الآراء حول قانون تطوير الأزهر الأخير بين معارض ومؤيد. ووسط هذا الخضم من الخلاف نرجو أن تجد جامعة الأزهر في النهاية ما تصبو إليه من تطلع في أداء رسالتها من أجل خدمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.