الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على مبارك وآراؤه التربوية
مدخل
…
2-
علي مبارك وآراؤه التربوية:
1823-
1893م
يعتبر علي مبارك "أبا التعليم المصري" الحديث، وباسمه ترتبط أعظم المحاولات لإعادة التعليم المصري إلى أصوله الإسلامية، وبعد أن جاء في تنظيمه الحديث، غريبا على الشعب وعن النظم التعليمية التي عرفها عبر تاريخه الطويل. وهو مع زملائه -الشيخ رفاعة الطهطاوي وعبد الله باشا فكري والشيخ محمد عبده- يمثلون أركان النهضة العلمية في مصر في تلك الفترة.
وقد ولد علي مبارك سنة 1823 في برنبال إحدى قرى الدقهلية في دلتا مصر ودرس في الكتاب وكافح ليواصل دراسته حتى التحق بالمهندسخانة وأكمل تعليمه فيها. وبعدها سافر إلى فرنسا في بعثة لمواصلة الدراسة التي استمرت هناك طيلة خمس سنوات.
وكان سفره إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا وعاد في عهد عباس الأول وكان عهد عباس هذا عهد انكماش في التعليم إذ لم يكن يرضى عن الحركة العلمية في البلاد بل كان همه بناء القصور لا فتح المدارس بل ولا الاحتفاظ بالموجود فألغى الكثير منها وخفض ميزانية التعليم بدرجة كبيرة وكان أميل إلى تعليم أولاد الأتراك دون المصريين. فعهد إلى علي مبارك في إدارة البقية الباقية القليلة من المدارس "أحمد أمين ص206".
وكان علي مبارك بعد عودته إلى مصر قد تقلد عدة وظائف منها وظيفة ضابط الجيش وناظر لمدرسة المهندسخانة ووصل إلى أرقى منصب يحلم به عندما عين ناظرا لديوان المدارس أي وزيرا للمعارف آنذاك.
لقد توالت على "علي مبارك" أيام البؤس وأيام النعيم، وكانت الحالة في مصر غير مستقرة. وكل الموظفين وخاصة كبارهم رهن بإشارة الحاكم ورهن بما يحاك من دسائس فيوما يرضى فيرفعه إلى السماء ويوما يغضب فينزله إلى الحضيض. والبيت الحاكم منشق على نفسه. إذا تقرب أحد إلى بعضه غضب عليه بعض الآخر. ويرضى محمد علي باشا وإبراهيم باشا عن الشيخ رفاعة
الطهطاوي. فإذا جاء عباس غضب عليه وأخرجه من إدارة مدرسة الألسن وعينه ناظرا لمدرسة ابتدائية تنشأ في الخرطوم. ويرضى عباس الأول عن "علي مبارك" ويقربه إليه في تنفيذ أمور كثيرة فإذا جاء سعيد باشا غضب على "علي مبارك" وأعاد الشيخ رفاعة الطهطاوي وقربه إليه.
وأراد سعيد باشا أن يتخلص من "علي مبارك" فأرسله مع الفرقة الحربية لمساعدة الدولة العثمانية في حربها مع روسيا. وهناك في تركيا في الأستانة والأناضول أقام فيها نحو سنتين لقي فيها عناء كثيرا احتمله في صبر وثبات واستطاع من خلال هذه المدة أن يتعلم اللغة التركية ويجيدها.
وبعد عودته إلى مصر من تركيا كانت حياته مزيجا من السعادة والشقاء يوظف أحيانا ويطرد أحيانا ويعمل أحيانا بالأعمال الحرة تاجرا مرة ومهندسا مدنيا تارة أخرى. ويصل به الملل والسخط أحيانا إلى التفكير في العودة إلى أهله في برنبال ليعمل عمل الفلاحين ويعيش معيشتهم وعلى الله العوض فيما تعلم.
ولكن الحظ لم يلبث أن ابتسم له، ويأتي إسماعيل باشا إلى الحكم ويسعى إلى إعادة الحياة العلمية ويتوسع فيها، واستقر الحال بعلي مبارك وكان هذا العهد أبرك عهوده، وأخصبها. وعمل "علي مبارك" أعمالا كثيرة تتصل بتخصصه في الهندسة المدنية والحربية. وعهد إليه بمشروعات هندسية عظيمة في تصميم الشوارع والترع والجسور والمساجد وبنائها. ولكن ذلك لم يكن سر عظمته وصحيفة خلوده وإنما كان ذلك في شيء لم يتعلمه ولم يتلقنه عن أستاذه هو إصلاحه للتعليم في مصر بالوسائل المختلفة وبناؤه في ذلك بناء ضخما يعد دعامة النهضة التعليمية في مصر. لقد أريد له أن يهندس المباني والمنشآت، فهندس هو طرق التربية والتعليم ووضع تصميماتها ووقف على تنفيذها في دقة وإحكام حتى عد من كبار المصلحين. "أحمد أمين: ص207".