الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
التربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان وإعلاء لدوافعه:
تقوم التربية الإسلامية على التسليم بفطرة الطبيعة الإنسانية وأن الإنسان يولد بطبيعة إنسانية فطرية محايدة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"ما من مولود إلا ويولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" ويقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} .
والتربية الإسلامية هي تربية لهذه الفطرة الإنسانية، وهي تعمل على تنمية الميل الفطري لدى الإنسان في معرفة ما يجهل وتستثمر حب المعرفة والبحث عن المجهول لديه. وقد استخدم الإسلام كل وسيلة ممكنة للوصول بهذا الميل الفطري إلى مرتبة الشغف بالعلم والتلهف الشديد المستمر لمعرفة ما في الوجود من معارف وأسرار.
والتربية الإسلامية تربية لفطرة الإنسان لأن الإسلام دين الفطرة وكل أوامره ونواهيه وتعاليمه تعترف بهذه الفطرة وتتمشى معها ولا تخالفها، واعترفت التربية الإسلامية من ناحية أخرى بجوانب الضعف في الطبيعة الإنسانية ولم تحملها فوق طاقتها. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
…
وأساس التكليف في الإسلام الاستطاعة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
والتربية الإسلامية في تربيتها لفطرة الإنسان تتمشى مع روح الإسلام التي تقوم في أساسها على التوسط والاعتدال فخير الأمور الوسط، وقد أمرنا ديننا بالابتعاد عن الإسراف فالله لا يحب المسرفين، قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} ، {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} ، {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} ، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
…
وغيرها من الآيات الكريمة التي تبين روح التوسط في الإسلام. وتسمو التربية بالإنسان وتعلي من شأنه باعتباره خليفة الله في
الأرض؛ ولهذا كرم الله بني آدم وفضلهم على كثير من خلقه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}
…
ويقتضي هذا السمو إعلاء لغرائز الإنسان حتى لا يكون عبدا لهذه الغرائز وينحط إلى مستوى الحيوان. ونحن نستخدم كلمة الغرائز هنا لتعني الدوافع الفطرية في الإنسان. وقد عنيت التربية في الإسلام بأن تنشئ الفرد على التحكم في رغباته وعدم الانسياق وراء شهوته ونزواته، فموقف الإسلام الاعتدال والتوسط كما أشرنا، ويمكننا أن ننظر إلى الصوم على أنه إعلاء لشهوة الطعام عند الإنسان، كما أن الصوم أيضا إعلاء لشهوة الجنس لديه
…
وقد ورد في الحديث "من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"
…
أي حماية وعصمة من الخطأ والانسياق وراء النزوات.
وطريقة الإسلام في الإعلاء لنوازع الإنسان ودوافعه تقوم على أساس وضع معايير وأهداف عليا للحياة الإنسانية وتكوين الإدارة القوية للإنسان. وهي عملية تدريب على الضبط الإداري للإنسان وتحكمه في شهواته وبواعث الهوى لديه والتحكم في عواطفه ومشاعره بقوة الإرادة. فلا يسلم نفسه للغضب يسيطر عليه ولا الغلط يتحكم فيه ولا الرغبة في الانتقام تتسلط عليه. كما تعود الإنسان على القيام بالأعمال الصالحة وشغل وقت فراغه بطريقة مفيدة بناءة فيما يفيده ويعود عليه النفع إما بالعمل والعبادة أو التسلية التي لا ضرر فيها وبالأمور المتاحة مثل الرياضة الجسمية والعقلية. وبفكر الإنسان يستطيع أن يغلب العقل على الهوى
…
فإذا استخدم الإنسان عقله تغلب به على الهوى والعكس صحيح. وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: "الفكرة مترددة بين الشهوة والعقل
…
والعقل فوقها والشهوة تحتها، فمتى مالت الفكرة نحو العقل ارتفعت وشرفت وولدت المحاسن، وإذا مالت إلى الشهوة تسفلت إلى أسفل السافلين وولدت القبائح" "الغزالي: ميزان العمل ص56" قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} .