الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجبات وأدوار المعلم:
تتعدد الواجبات والأدوار التي يقوم بها المعلم، فهو يقوم بدور الوسيط بين الأجيال ودور ناقل الثقافة وشارحها ومفسرها وهو رسول المعرفة وباني البشر وهو في كل هذه الأدوار يعتمد على ما لديه من إمكانيات تؤهله للقيام بهذه الأدوار. وإن فاقد الشيء لا يعطيه ولا يمكن للمعلم أن يعطي ما لم يكن لديه ما يستطيع أن يقدمه لتلاميذه من زاد فكري وثقافي وتربوي. ولهذا اشترط المربون المسلمون في المعلم أن تكون لديه القدرة التي تؤهله للتدريس. وأوجبوا على المعلم ألا يتصدى للعمل بالتدريس إلا إذا كان أهلا لذلك وآنس في نفسه المقدرة والكفاءة للقيام به.
وقد كتب عن واجبات المعلم كثير من علماء المسلمين منهم عبد الله بن المقفع في أوائل القرن الثاني للهجرة في كتابه "الأدب الصغير" و"الأدب الكبير" وابن سحنون عالم القرن الثالث الهجري في رسالته "آداب المعلمين والمتعلمين" والقابسي عالم القرن الرابع الهجري في رسالته المفصلة عن آداب المعلمين والمتعلمين" والإمام أبو الحسن الماوردي عالم القرن الخامس الهجري في "أدب الدنيا والدين" والإمام أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي عالم القرن الثامن الهجري في كتابه "قناطر الخيرات" والشيخ عبد الباسط العلموي عالم القرن العاشر الهجري في كتابه "المعيد في أدب المفيد والمستفيد" والنمر القرطبي في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" وبرهان الإسلام الزرنوجي في كتابه "تعليم المتعلم طريق التعلم" وغيرهم. وهناك اتفاق كثير بين هؤلاء جميعا على واجبات المعلم. وسنحاول في السطور التالية أن نلخص أهم واجبات المعلم، كما وردت عند هؤلاء العلماء وهي:
1-
أن يكون تقيا ورعا قائما بفروض دينه.
2-
أن يكون على معرفة بأصول دينه.
3-
أن يحرص على تعليم غيره لأن أي عالم إذا لم يكن له من يفيده من العلم صار كعاقر لا نسل له، فيموت ذكره بموته. ومتى استفيد بعلمه كان في الدنيا موجودا وإن فقد شخصيته كما قال أمير المؤمنين: "العلماء باقون
ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة".
4-
أن يكون مجيدا للعلم الذي يدرسه وأن يجيد توصيله لعقول الآخرين.
5-
أن يكون عاملا بعلمه لئلا يكون كما قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} .
6-
أن يجري المتعلمين منه مجرى بنيه في التعهد بأحوالهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم مثل الوالد لولده" وأن يوقرهم ويحترمهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "وقروا من تتعلمون منه ووقروا من تعلمونه العلم".
7-
أن يستعلم أسماء طلبته وحاضري مجلسه وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم وأن يوقر تلاميذ وأن يعظمهم ويحسن خلقه معهم ويرحب بهم إذا لقيهم ويعاملهم بالبشاشة وطلاقة الوجه وأن يخاطب كلا منهم بأحب الأسماء إليه.
8-
أن يكون وقورا مع تلاميذه فلا يرفع التكليف بينه وبينهم ولا يتبسط معهم ولا يضاحك أحدا بشرط ألا يكون عبوسا فذلك من الفظاظة الممقوتة.
9-
أن يكون رفيقا بتلاميذه وألا يعنف متعلما ولا يحقر ناشئا ولا يستصغر مبتدئا لقوله صلى الله عليه وسلم: $"علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون".
10-
أن يوجه المتعلم إلى الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة بلطف المقال، وأن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف. قال صلى الله عليه وسلم:"لو منع الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء". والتعريض أبلغ من التصريح لأن النفس الفاضلة تميل إليه وبه لا تنتهك أستار الهيبة والحشمة. كما أن للتصريح وجها واحدا وعبارة واحدة، وللتعريض وجوه وعبارات مختلفة. فمن هنا كان أبلغ. وقد يكون صريح النهي داعيا إلى الإغراء على حد
قول الشاعر "دع عنك لومي فإن اللوم إغراء".
11-
أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله لقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم".
12-
أن يكون عادلا بين تلاميذه وأن يعاملهم معاملة سواء دون اعتبار للمكانة الاجتماعية أو الجاه أو السلطان قال صلى الله عليه وسلم: "إيما مؤدب ولي ثلاثة صبية من هذه الأمة فلم يعلمهم بالسوية فقيرهم مع غنيهم وغنيهم مع فقيرهم حشر يوم القيامة مع الخائنين".
13-
ألا يطيل الحديث ويكثر القول في الأمر لدرجة تبعث الملل والسأم في نفس تلاميذه وتفقدهم الاهتمام بما يقول: فالإنسان يشبع من الكلام كما يشبع من الطعام، وما زاد على ذلك تزهد فيه النفس. وقد قال بعض الحكماء:"خير العلماء من لا يقل ولا يمل" وورد عن المبرد قوله: "من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض أصحابه للملال وسوء الاستماع ولئن يدع من حديثه فضلة يعاد إليه أصلح من أن يفضل عنه ما يلزم الطالب استماعه من غير رغبة فيه ولا نشاط له".
14-
أن يخلص في تعليم تلاميذه وألا يبخل عليهم بتعليم ما يحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا العلم أهله فإن في ذلك فساد دينكم والتباس بصائركم". ولا يمنع من إفادة ما يعلم، وأن يجيب ما سأله متعلما، وأن يفيد من عاوده مستفهما ولا يضجر منه وأن يسهل لتلاميذه سبيل طلب العلم ويبذل على جهده من أجل معاونتهم ومساعدتهم. قال صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا على أخيكم بعلم يرشده ورأي يسدده". وقوله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا وعلموا فإن أجر المعلم والمتعلم سواء". قيل: وما أجرهما؟ قال: "مائة مغفرة ومائة درجة في الجنة".
15-
أن يكون أوسع الناس صدرا وأكثرهم صبرا وأجملهم لقاء وأحسنهم أخلاقا، لأن المتعلمين منه يحذون خلائقه ويتخذون طريقه. فلا يمنع طالبا ولا يثبط راغبا ولا ينفر متعلما لما في ذلك من قطع الرغبة منه والزهد فيما لديه.
16-
ألا يعجل بالجواب إذا سئل وإن كان له حافظا حتى يفكر فيه ويعرفه معرفة صحيحة فيجيب بعلم ويقين فإن ذلك من آداب العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن وقاف والمنافق وثاب".
17-
ألا يشتغل عن تعليم تلاميذه بأي شيء آخر.
18-
ألا يستخدم تلاميذه لقضاء مصالحه وأغراضه الشخصية.
19-
ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم الأخرى التي يدرسها غيره فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين.
20-
أن يكون المعلم قدوة حسنة لتلاميذه في كل شيء.
21-
أن يكون على فراسة في التعرف على قدرات المتعلم، يقول الماوردي: إنه ينبغي أن يكون للعالم فراسة يتوسم بها المتعلم، ليعرف مبلغ طاقته وقدر استحقاقه، ليعطيه ما يتحمله بذكائه. أو يضعف عنه ببلادته، فإنه أروح للعالم وأنجح للمتعلم. وقد روى ثابت عن أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم". قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا أنا لم أعلم ما لم أره، فلا علمت ما رأيت. وقال عبد الله بن الزبير: لا عاش بخير من لم ير برأيه، ما لم ير بعينه.
22-
من المبادئ الهامة في التعليم التي نأخذها عن الإمام الشافعي رضي الله عنه حرصه وهو يلقي درسه على حرية الطلبة العقلية وشعوره باستحالة القهر العقلي ما دام العقل يؤدي عمله. فهو يقول لطلابه: إذا ذكرت لكم ما لم تقبله عقولكم فلا تقبلوه. فإن العقل مضطر إلى قبول الحق. وفي قوله: "إن العقل مضطر" الدلالة على شعوره بضرورة هذه الحرية العقلية "أمين الخولي: ص84 نقلا عن السيوطي في التنبئة"