الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
التربية الإسلامية تربية سلوكية عملية:
فهي لا تكتفي بالقول وإنما تتعداه إلى العمل والممارسة، ونحن إذا نظرنا إلى المبادئ الرئيسية الخمسة التي بني عليها الإسلام نجدد أنها تتطلب سلوكا عمليا. فالشهادة بواحدانية الله ونبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان كلها تتطلب سلوكا عمليا. ومن تمام كمال الإنسان المسلم أن تتطابق أقواله مع أفعاله. كما اهتمت التربية الإسلامية بتكوين العادات السلوكية الحسنة عند الفرد منذ طفولته الأولى لما في هذه العادات من أثر طيب في اكتساب الفضائل والبعد عن الشرور والرذائل.
وقد أكد علماء المسلمين على أن يقوم المجتمع الإسلامي على العمل فالكسب الحلال حلال وجمع المال الحلال حلال والأنبياء كانوا متكسبين فآدم أبو البشر عليه السلام كان زارعا وإدريس كان خياطا ونوح كان نجارا وإبراهيم كان بزازا وموسى كان أجيرا وعيسى كان يعمل ومحمد كان راعيا وأجير وكان يتاجر لزوجته خديجة وإن نبي الله دواد كان يأكل من عمل يده. إن الإسلام لا يؤمن كما يرى البعض بأن ترك الدنيا أفضل من الكسب فيها. فمحمد بن الحسن الشيباني عالم القرن الثاني الهجري والمحاسبي علام القرن الثالث الهجري يحرمان الكسب بحجة أنه يصرف الفرد عن الله، وهذا من الأوهام التي استقرت في بعض النفوس ولا تستقيم من منطق الإسلام وروحه.
وقد حدد علماء المسلمين وجوه الكسب الاجتماعية وحصروها في أربعة:
الإمارة والتجارة والزراعة والصناعة. والتعليم والاشتغال به بالطبع هو من جملة الصنائع كما يقول ابن خلدون. ويقول أبو حنيفة النعمان بن ثابت عالم القرن الثاني الهجري في رسالة إلى المتعلم "أبي مقاتل":
"اعلم أن العمل تبع للعلم، كما أن الأعضاء تبع للبصر. فالعلم مع العمل اليسير أنفع من الجهل مع العمل الكثير. ومثال ذلك الزاد القليل الذي لا بد منه في المفازة مع الهداية أنفع من الجهل مع الزاد الكثير، ولذلك قال الله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} .
والعمل لغة من نفس الحروف "ع، م، ل" ولذا قالوا بوثوق الارتباط
بينهما، فلا علم بلا عمل ولا عمل بلا علم. وقال بعض الحكماء:"مثل العلم بلا عمل كمثل الشجرة بلا ثمر والرعد والبرق بلا مطر والقوس بلا وتر". وسئل ابن شهاب: "أيهما أفضل: العلم أو العمل؟ فقال: العلم لمن جهل والعمل لمن علم".
قد أشار القرآن الكريم إلى نبي الله داود عليه السلام {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} . ومن المعروف أن داود عليه السلام كان يصنع الدروع بإلانة الحديد فكان أول من صنع الدروع. وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك.
والعلم في الإسلام لا بد أن يرتبط بالعمل لدرجة أن الإسلام ينظر إلى الإيمان على أنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما وقر في القلب وصدقه العمل". فالعمل إذن ثمرة المعرفة والعلم ولا قيمة لمعرفة أو علم لا يستفاد منه بالعمل. ويقول الإمام الغزالي في رسالته "أيها الولد المحب": "فلو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل". وتشبه هذه العبارة عبارة أخرى تقول: "لو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب لا تكون مستعدا لرحمة الله إلا بالعمل" و"العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون" ويقول الغزالي في مكان آخر: "إن العلم والعمل مفتاح السعادة الأبدية".
ويعتبر الغزالي أن عدم العمل والعلم انحراف؛ لذا يحذر منه لأنه تسيير للأمور في غير مجراها، ولأن صاحبه يندرج تحت علماء السوء. ويورد الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين" قول سفيان الثوري بأنه مكتوب في التوراة "يابن آدم حرك يدك يسبب لك رزقك" أي أن كسب الرزق وتحصيله إنما يكون بالعمل لا بالتواكل
…
وهو ما سبق أن أشرنا إليه وأكده الإسلام.