الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن تيمية وآراؤه التربوية
مقدمة
…
6-
ابن تيمية وآراؤه التربوية:
661-
728هـ، 1263-1328م
مقدمة:
اسمه الكامل هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن الشيخ شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني. وترجع نسبته الحراني إلى حران التي ولد بها يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول سنة 661هـ 1263م وقليل من المؤرخين يذكر أنه ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول. ولعلهم -كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة- يريدون أن يقولوا إنه ولد في اليوم الذي ولد في الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه سيحيي شريعته. "محمد أبو زهرة: ابن تيمية ص17" وكانت مدينة حران التي ولد بها مهدا للفلسفة والفلاسفة والصابئة والصابئين من أقدم عصور الإسلام. كما كانت مركزا من مراكز الثقافة اليونانية في بعض العصور وكانت مركزا مهما للتبادل والاتصال الفكري والثقافي.
ولكن ابن تيمية لم يعش بهذه المدينة طويلا إذ تركها عام 667هـ إلى دمشق وعمره سبع سنوات مع أسرته فرارا من غزو التتار أو المغول، أما تسميته بابن تيمية فقد اختلف العلماء فيها. فقيل إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء فرأى هناك طفله اسمها تيمية وعندما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتا فسماها تيمية. وقيل إن جده محمدا كانت أمه واعظة وكان اسمها تيمية فنسبت الأسرة إليها وعرفت بها.
وقد عاش ابن تيمية حوالي سبعة وستين عاما منها السبع سنوات الأولى في مسقط رأسه حران وأكثر من سبع سنوات أخرى من 705-712هـ في القاهرة ومعظم سنوات عمره قضاها في دمشق. وكانت وقتها مجمع العلماء ومركزا هاما من مراكز الثقافة العربية الإسلامية إلى جانب القاهرة.
سار ابن تيمية إلى مصر عام 705هـ قادما من دمشق. وكان قد عرف
فضل مصر على الإسلام لا سيما في صد حملات التتار وإجلائهم عن دمشق. ومع أن ابن تيمية ولد بعد حوادث الصليبيين والتتار ولم يشهد إلا أنه وحد آثارها وسمع عنها ممن عاشوها وشاهدوها. وعندما وصل إلى القاهرة استطاع أعداؤه وخصومه أن يكيدوا له كيدا حتى انتهى الأمر بسجنه في مصر في رمضان من نفس السنة. وامتد الأذى إلى الحنابلة الذين ينتمي إليهم وحصل لهم بالديار المصرية كما يقول ابن كثير في تاريخه إهانة عظيمة كثيرة.
وقد مكث في السجن نحو سنة ونصف وخرج منه في 23 من ربيع الأول عام 707هـ. وهكذا كانت إقامته بمصر بين نعمة ونقمة. ثم غادر مصر إلى دمشق في مستهل ذي القعدة سنة 712هـ حيث واصل اشتغاله بالعلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس بالكلام والكتابة والاجتهاد في الأحكام الشرعية. وتعرض هناك أيضا للسجن والتعذيب حتى وفاته بسجن القلعة بدمشق عام 728هـ.
وابن تيمية فقيه سلفي حنبلي المذهب مجتهد وليس مقلدا. وكان محمد بن عبد الوهاب من المعتنقين لآرائه ومبادئه وعمل على نشرها في الجزيرة العربية في القرن 19 في ظل دعوة المشهورة "بالوهابية".
والدعوة الوهابية هي دعوة تجديدية سلفية تترسم خطي ابن تيمية والسلف الصالح. وقد عبر عن ذلك الملك عبد العزيز في خطبة له بقوله: "يسموننا بالوهابيين ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص. وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعاية الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة. ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما عليه السلف الصالح. نحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنفية. كلهم محترمون في نظرنا "انظر كتاب خير الدين الزركلي: الوجيزة في سيرة الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين. بيروت".
ويتلخص هدف الدعوة السلفية في تطهير العقيدة الإسلامية من شوائب البدع والخرافات والشعوذة والعودة بها إلى منابعها الإسلامية الأصيلة وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما درج عليه الصحابة والسلف الصالح.
كما تهدف أيضا إلى التربية الصحيحة للشخصية الإسلامية، وفتح الذهن البشري لقبول كل جديد في ميادين العلوم بما يتفق مع أصول ديننا الإسلامي الحنيف.
كان لابن تيمية شخصية متميزة وفكر متميز من صغره. ويقول الذهبي إنه في سن السابعة عشرة كان أهلا للإفتاء. وقد شغل منصب أبيه في التدريس وهو في سن الحادية والعشرين. وكان نادرة زمانة ذكاء وألمعية وعلما وحفظا ورواية وتفقها في علوم الدين.
لقد امتدت اطلاعات ابن تيمية إلى جميع العصور التاريخية السابقة له تقريبا. بيد أنه كان يفضل عصورا على غيرها منها عصور الخلفاء الراشدين والسلاجقة وصلاح الدين ونور الدين ولم يخف إعجابه بهم وكم تمنى خلود تقاليدهم السياسية "هنري لاوست: 260". وامتلأ ابن تيمية في شبابه حماسة بانتصارات الإسلام على الفرنجة والصليبيين. كانت ثقافة ابن تيمية عربية إسلامية خالصة. واستطاع أن يستوعب جميع جوانب الثقافة الإسلامية المعروفة في عصره. وتعمق في دراسة المعارف القرآنية وعلوم الحديث والتوحيد. وكان للقرآن الكريم تأثير كبير على فكره وشغل طوال حياته كلها بتفسيره تفسيرا شاملا. وللقرآن هو في الواقع الأساس لكل آرائه الدينية والتربوية. يقول الدكتور مصطفى حلمي: "إن أبرز معالم شخصية ابن تيمية هو المدافع عن الإسلام في دائرة العقيدة والفقه، الحاذق للحديث، الخائض في صراع دائم مع المتكلمين والفلاسفة والصوفية والفقهاء لبيان مواضع الخطأ والصواب في أفكارهم ونظرياتهم "المرجع السابق: 124".
وقال العمري في ابن تيمية: هو نادرة العصر، وهو البحر من أي من النواحي أتيته. وهو البدر من أي الضواحي أتيته. قطع الليل والنهار دائبين. واتخذ العلم والعمل صاحبين، إلى أن أسر السلف بهداه، ونأى الخلف عن بلوغ مداه. جاء في عصر مأهول بالعلماء، مشحون بنجوم السماء، إلا أن شمسه طمست تلك النجوم، وبحره غرق تلك العلوم. ترد إليه الفتاوى فلا يردها، وتغدو عليه من كل وجه فيجيب عنها بأجوبة كأنه كان قاعدا لها يعدها. تقدم راكبا منهم إماما ولولاه ما ركبوا وراءه" "ابن تيمية: 1988: ص5".