الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجديد. لقد كان المضمون التربوي للحملة الفرنسية مضمونا حضاريا وثقافيا. كان لما قام به نابليون من إحلال اللغة العربية محل التركية والمصريين محل الأتراك والمماليك في الحكومة أكثر من مغزى.
وقد تميزت الفترة خلال الحكم التركي العثماني باتجاهات سلبية وإيجابية كان لها تأثير بعيد المدى على التطور الحضاري للبلاد العربية. فعلى الجانب الإيجابي كانت هناك الدعوة إلى تجديد الإسلام وتصحيح العقيدة وهي ما تمثل في الحركة السلفية التي بدأها محمد بن عبد الوهاب وتبعه فيها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا. وعلى الجانب السلبي كانت هناك دعوات التغريب والتشكيك الفكري والدعوات الشعوبية وهو ما سنفصل الكلام عنه في السطور الآتية:
1-
الحركة الإصلاحية السلفية والتعليم:
شهدت البلاد العربية ابتداء من النصف الثاني من القرن الثامن عشر انتفاضة ضد الوجود العثماني والضعف والتخلف الذي سيطر على العالم الإسلامي وقد امتدت هذه الحركة خارج البلاد العربية.
وكانت حركة إصلاحية تجديدية محافظة. فهي محافظة لأنها دعت إلى العودة إلى المصادر الأساسية للإسلام وهي القرآن الكريم والسنة الإسلامية. وتجديدية في دعوتها لتجديد الإسلام وتصحيح العقيدة وتخليصها مما علق بها من أوهام وأباطيل تحول دون الفهم الصحيح للدين.
كما دعت إلى فتح باب الاجتهاد وإحياء الشخصية الإسلامية على أساس الإخاء الإسلامي وتوحيد الاتجاهات الإسلامية بين المسلمين وجعل اللغة العربية صالحة لأن تكون لسان العالم الإسلامي. وقد عرفت هذه الحركة بالسلفية أيضا لأنها تصدر عن السلف الصالح من أمثال ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية.
جاءت أول خطوة في هذه الحركة المباركة في العصور الحديثة من قلب الجزيرة العربية قادها محمد بن عبد الوهاب من الحجاز سنة 1758 فكانت تعبيرا صادقا عن أصالة الإسلام. فمن هذه الأرض الطيبة بدأ ومن هذه الأرض الطيبة
أيضا قامت حركة تجديده. وكانت حركة رائدة تمثلت بها الحركة الإصلاحية والإسلامية التي تلتها في العالم الإسلامي، كالحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهدية في السودان، والدعوة إلى الجامعة الإسلامية التي قادها جمال الدين الأفغاني ومن بعده تلميذه محمد عبده وتلميذ الشيخ محمد رشيد رضا.
وكانت هذه الحركة الإصلاحية بمثابة المناخ الفكري الذي قاد حركة النضال ضد الاستعمار في الوطن العربي فيما بعد ففي مصر قاد عمر مكرم الحركة الإسلامية الوطنية في مصر ضد الفرنسيين وضد الوالي التركي خورشيد حتى عزله وأعلن أن من حق الشعب عزل الحاكم إذا ظلم. وكانت دعوة جريئة تذكرنا بقوة وعظمة المسلمين الأوائل. وفي ليبيا إلى جانب الحركة السنوسية كان هناك عمر المختار الذي قاد مقاومة الاستعمار الإيطالي في ليبيا وعبد القادر الجزائري وعبد الرحمن بن باديس في الجزائر أيضا. ومنهم محمد عبد الله الشوكاني الداعية الإسلامي في اليمن ومحمود شكري الألوسي في العراق وخير الدين التونسي في تونس.
وقد امتد صدى هذه الحركة خارج البلاد العربية إلى أصقاع أخرى في البلاد الإسلامية فقاد المجاهد "شامل" حركته ضد السيطرة الروسية في القوقاز.
وكان من أهم أساليب الحركة السلفية الإصلاحية في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها التربية والتعليم فكان محمد بن عبد الوهاب يحارب الأمية في سبيل نشر الدعوة ويلزم أتباعه بتعلم القراءة والكتابة مهما كانت سنه، ومهما كانت منزلته حتى الأمراء كانوا يقرءون مثل بقية الناس. فصار منهم العلماء المعلمون أمثل الإمام سعود الكبير الذي كان يلقي دروسا في التوحيد إلى جانب أعمال الإمارة. وكانت طريقته في التعليم تقوم على ما ذكره في إحدى رسائله.
"اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع رسائل: الأولى العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. الثانية العمل به. الثالثة الدعوة إليه الرابعة الصبر على الأذى فيه".
وقد ساند هذه الدعوة الوهابية الإصلاحية الأمراء السعوديون. ثم جاء
الملك عبد العزيز آل سعود فوحد البلاد وأنشأ المملكة العربية السعودية وأقام أسسها على تعاليم الإسلام والدعوة إلى العدل والسلام.
وفي ليبيا كانت الحركة السنوسية تركز نشاطها التربوي في الزوايا التي كانت تنشئها ولا سيما في برقة. وكانت الزاوية "تعتبر معهد علم ومركز إصلاح ومحكمة للتقاضي وفض الخصومات ومدرسة لتحفيظ القرآن لكريم وتربية الرجال وإعداد الدعاة للطريقة وحارسا لحفظ البلاد من غارات الأعداء حيث كانت كل زاوية تضم مسجد للصلاة ومدرسة قرآنية كما يلحق بها مضيفة خاصة لاستقبال الضيوف للقيام بواجب الضيافة طيلة ثلاثة أيام كما جرى به العرف عند العرب من أهل البلاد".
وقد انشرت الزوايا في كل أنحاء ليبيا حتى أصبح لكل قبيلة زاوية أو أكثر يرسلون إليها أولادهم لحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلوم الدينية واللغوية، وكان المتفوقون منهم يواصلون الدراسة العالية بالزاوية البيضاء وهي الزاوية التي كانت تعتبر بمثابة المركز الرئيسي للزوايا. إلا أن هذه الزواية أسلمت زعامتها فيما بعد إلى زاوية الجغبوب التي أنشئت سنة 1856م. وسميت بذلك الاسم نسبة إلى مدينة الجغبوب على الحدود الشرقية لليبيا مع مصر.
وكان جمال الدين الأفغاني رائد الجامعة الإسلامية وروحها الدافق وكان مدرسة تربوية تخرج فيها قادة الإصلاح كما كانت خطبة ذات أثر كبير على الجماهير. وقد كان داعية إلى التحرر من الظلم والاستبداد. وكانت كلماته مؤثرة في أعماق القلوب مدوية في النفوس. لقد خاطب المصريين بقوله: إنكم معشر المصريين قد أنشأتم في الاستعباد وربيتم في حجر الاستبداد وتناولتكم أيدي الفرس واليونان والرومان تسومكم حكوماتهم الحيف والجور والذل وأنتم صابرون صامتون.. انظروا إلى أهرام مصر ومشاهدة سيوة وحصون دمياط فهي شاهد بمنعة آبائكم وعزة أجدادكم. هبوا من غفلتكم واصحوا من سكرتكم وعيشوا كباقي الأمم أحرارا سعداء.
وكان لخطبه وكتاباته أثر كبير في اليقظة الفكرية الإسلامية وحمل الدعوة من بعده تلميذ الشيخ الإمام محمد عبده. وجاهد في سبيلها في مصر وسوريا