الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الحق الثابت إلى الباطل الذي لا حقيقة له قولا وفعلا، فهو يطلق على الكلام الباطل (1) ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (2).
وعلى العمل الباطل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (3)» . وعلى العين الباطلة نفسها ومنه تسمية النبي صلى الله عليه وسلم للشعر الذي يوصل به زورا.
فشهادة الزور إذا هي القول المائل عن الحق خبرا أو إنشاء، أو حضور المجلس الذي يعمل فيه بغير الحق قولا أو فعلا أو حالا. فهي قول الباطل وحضوره على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
(1) فتح الباري ج 5، ص 261، وإغاثة اللهفان ج1 ص 242.
(2)
سورة المجادلة الآية 2
(3)
صحيح البخاري النكاح (5219)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2130)، سنن أبو داود الأدب (4997)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 345).
أولا: قول الزور:
وهو أعم من شهادة الزور؛ لأنه يعم كل باطل من القول من شهادة أو غيبة أو بهت أو كذب (1) على الله تعالى أو على خلقه فهو من أكبر الذنوب وأعظم المحرمات كما بين الله ذلك بقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2).
فرتب سبحانه المحرمات ترتيبا تصاعديا جعل القول عليه بلا علم في أعلاها، فجعله بعد الشرك في الترتيب مما يدل على أنه أعظم منه وذلك - والله أعلم - لأنه أعم من الشرك، فالشرك من أنواعه حيث إن ادعاء شريك لله قولا أو فعلا هو من القول على الله بلا علم، ولذلك أضافه الله تعالى إلى الكفار الذين:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (3).
(1) نيل الأوطار ج8/ 337.
(2)
سورة الأعراف الآية 33
(3)
سورة الفرقان الآية 3
فقال تعالى حاكيا عنهم ما قالوه من الزور: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} (1).
هذا قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، ولهذا كذبهم سبحانه وبين حقيقة قولهم وأنه من زور القول أي كذبه وباطله فقال:{فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} (2).
فقول الكذب وعمل الباطل هو من شأن الكفار والمشركين الذي يجب على الموحد لله المخلص له أن يجتنبه كما يجتنب الشرك، ولهذا قال سبحانه:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (3).
فأمر سبحانه باجتناب قول الزور كما أمر باجتناب الشرك، فكلاهما أظلم الظلم وأكبر الكبائر. وقول الزور أنواع كثيرة ذكر منها المفسرون - رحمهم الله تعالى - على سبيل المثال: دعاء غير الله. وتعظيم الأنداد، وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك، فإن ذلك كله من القول على الله بلا علم ومن الافتراء عليه (4).
وكذلك من قول الزور الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ما يتفوه به الكفار الحاقدون قديما وحديثا في حقه صلى الله عليه وسلم، كنسبة السحر والكهانة إليه أو أن النبوة أمر كسبي ليست اصطفاء واجتباء من الله تعالى.
وقولهم - لعنهم الله - ببشرية القرآن وأنه من عند النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه أو تلقاه عن غيره من اليهود والنصارى وغيرهم. وكذلك قولهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم في تعدد الزوجات وغيرها من المسائل التي يتفوه بها الكافرون والمنافقون والمستشرقون كذبا وزورا: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (5).
(1) سورة الفرقان الآية 4
(2)
سورة الفرقان الآية 4
(3)
سورة الحج الآية 30
(4)
تفسير ابن جرير جـ 19/ 48، وابن كثير جـ 3/ 328.
(5)
سورة الكهف الآية 5
وكذلك مما يدخل في قول الزور: الغناء المحرم - بكلماته وآلاته - والاستهزاء والغيبة، والنميمة، والقصص الغرامية الفاجرة، والمسلسلات الداعرة، والأفلام الأفاكة ونحوها. وشهادة الزور من أولى ما يدخل في قول الزور وهي: أن يشهد إنسان لشخص آخر أو عليه بغير ما علم أو سمع، فيقول: رأيت أو سمعت وهو لم ير ولم يسمع، فإن قائل ذلك قائل بالزور وله نصيب مما توعد الله به قائل الزور، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم أن شهادة الزور تعدل بالشرك بالله تعالى الذي توعد الله عليه بالخلود في النار وحرم الله على صاحبه الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود - وغيره - بسنده عن خريم بن فاتك رضي الله عنه قال:«صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما انصرف قام قائما فقال: عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله - ثلاث مرات - ثم قرأ: (4)» .
وكيف لا تعدل شهادة الزور بالشرك وهي معدودة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه وهو في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - ثلاثا - قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: الإشراك بالله - وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (5)» فقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأن شهادة الزور بثلاثة وجوه من البيان:
1 -
أنه ذكرها في سياق بيان كبائر الذنوب، بل إنه صلى الله عليه وسلم عدها أكبر الكبائر، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: قول الزور. أو قال: شهادة الزور (6)».
(1) سنن الترمذي الشهادات (2300)، سنن أبو داود الأقضية (3599)، سنن ابن ماجه الأحكام (2372)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 321).
(2)
القسطلاني ج 13 ص (38). (1)
(3)
سورة الحج الآية 30 (2){فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}
(4)
سورة الحج الآية 31 (3){حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}
(5)
فتح الباري ج5 ص 262.
(6)
فتح الباري ج 5 ص 262.
2 -
الاهتمام عند ذكرها بالفعل والهيئة وذلك ما عبر عنه أبو بكرة بقوله: وجلس وكان متكئا. فإن ذلك يشعر بمزيد الاهتمام عند ذكرها، ويفيد تأكيد تحريم قول الزور عموما، والشهادة به على وجه الخصوص. ويعلل ابن حجر سبب الاهتمام بأنه: كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر - من الشرك وعقوق الوالدين - فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل - أي الدوافع - عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرها. فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه.
3 -
تعظيمه بالقول حيث كرر صلى الله عليه وسلم: «ألا وقول الزور (1)» كعادته صلى الله عليه وسلم في التأكيد على الأمور المهمة لتفهم عنه وتعرف منزلتها فكرر صلى الله عليه وسلم ذكر قول الزور حتى تمنى الصحابة - رضوان الله عليهم - سكوته إشفاقا منهم عليه رحمة به.
وقد ورد التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بسوء عاقبة شاهد الزور في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهد على مسلم شهادة ليس لها بأهل فليتبوأ مقعده من النار (2)» .
وروى ابن ماجه والحاكم - وقال صحيح الإسناد - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار (3)» .
فإذا تبين خطر قول الزور - ومنه الشهادة بغير الحق - ومنزلته من الكبائر وأنه من أكبر الكبائر وأنه يعدل بالشرك الأكبر الذي لا يغفر إلا بالتوبة ويوجب الخلود في النار والحرمان من دخول الجنة وأهله هم الظالمون وما للظالمين من أنصار فإليك
(1) صحيح البخاري الشهادات (2654)، صحيح مسلم الإيمان (87)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3019)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 37).
(2)
الترغيب والترهيب ج 3/ 286.
(3)
الكبائر للذهبي ص 34.