الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان مقترن بالأمان
وفي المجتمع الغربي والأمريكي بصفة خاصة الذي أزعجته الجريمة، وأقلقت مواطنيه وسائل الاستخفاف بالحياة، من فئة معنية من البشر، ضج الناس هناك، وتأثرت كثير من مصالحهم، فرأى بعض رجال الأمن عندهم أن الحل الوحيد في تخليص المجتمع الأمريكي مما يؤرقه، وتخفيف ما يسببه المجرمون للمجتمع من أمور كثيرة، يكمن في تعاليم الإسلام، الذي يجعل على النفس رقابة قوية، أقوى من رقابة البوليس وأنظمته.
وقد جاءوا بأمثلة: أن مجرمين متأصلين في الإجرام، ومن أصحاب السوابق، قد أسلموا في داخل السجن، فصلحوا، ولم يعودوا للسجن بعد ما خرجوا منه، أما من خرج منه وهو على ديانته السابقة، فإنه لا يلبث حتى يعود للسجن مرة ومرات.
ومن هذه الدعوة بدأت كثير من الولايات تدعو المشرفين الاجتماعيين والدعاة من المسلمين لتأدية محاضرات وزيارات منتظمة للسجون التي أصبحت أوسع ميدان للدعوة الإسلامية. وقد قال بعض المسئولين في الأمن عندهم: إن الخلاص من الجريمة لا يكون إلا على الإسلام والعمل وفق منهجه.
وهذا أكبر برهان محسوس على أن الإيمان يقترن بالأمان والاطمئنان وراحة النفس.
المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه
ولما كان المال من أعز ما يملك الإنسان وهو الذي يسير الحياة في المجتمعات، فإن سبل الخوف عليه ساقت عباده اليهود، ومن يشايعهم إلى ابتكار أساليب للمحافظة عليه وكنزه، وكان مما فرضوه على المجتمعات التي يعيشون فيها: الربا. وهو زيادة المال بدون جهد، فلا يحصل النفع من المال
بالتداول، ولا يزداد الفقير، إلا فقرا وحقدا على الغني، الذي تتضاعف أرباحه بجهد هذا الفقير.
ومن هنا جاء تشديد الإسلام في الربا، واعتباره محاربة لله، ومن ذا الذي يستطيع محاربة الله، ومحاربة رسوله.
وقد قرن الإيمان، وطمأنينة القلب على النفس، وعلى المال، بترك هذا الربا، وطرقه المتعددة، التي أخبر- صلى الله عليه وسلم بأنها ثمانون بابا، أدناها أن ينكح الرجل أمه علانية (1) وهي كلها أمور مخيفة، تبعث القلق والقشعريرة في الإنسان وحواسه، ومن ذا الذي يجابه ربه، ويعاند رسوله في حرب معلنة، استمع إلى قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (2){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (3).
وحتى يرتاح المدين وتطمئن نفسه إلى وجود قلوب رحيمة ترق له، وتهتم به، ولا تقسو عليه، وتراعي حالته التي حلت به، من عسر أو فقر أو كارثة، فقد أمر الله صاحب المال بمراعاة الموقف، وطمأنة إخوانه المسلمين، وعدم التضييق عليهم في المطالبة فقال تعالى موجها لهذا الأمر:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4).
ويقول صلى الله عليه وسلم في حكاية الرجل الذي كان له ديون على الناس، فكان يرسل غلمانه فيقول لهم:«إذا رأيتم المعسر فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله وقد تجاوز عنه (5)» [لفظه في تفسير ابن كثير جـ 1 ص 332].
وبعكس ذلك، فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم:«مطل الغني ظلم (6)» ؛ لأنه قادر على الوفاء ويمنع الناس حقوقهم الواجبة.
(1) نص الحديث في الترغيب والترهيب.
(2)
سورة البقرة الآية 278
(3)
سورة البقرة الآية 279
(4)
سورة البقرة الآية 280
(5)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3480)، صحيح مسلم المساقاة (1562)، سنن النسائي البيوع (4695)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 263).
(6)
صحيح البخاري الحوالات (2287)، صحيح مسلم المساقاة (1564)، سنن الترمذي البيوع (1308)، سنن النسائي البيوع (4691)، سنن أبو داود البيوع (3345)، سنن ابن ماجه الأحكام (2403)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 380)، موطأ مالك البيوع (1379)، سنن الدارمي البيوع (2586).
وآيات الربا التي نزلت في تحريمه في سورة البقرة، وتأكيدات رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، وفي توضيحاته لأنواع الربا، كل هذا من أجل تكوين مجتمع صالح، ومتماسك، لا يتسلط فيه قوي على ضعيف، أو يستغله من أجل ضعفه، ولا يكنز صاحب مال ماله لمنفعته الخاصة، أو لتحكم في قوت خلق الله.
بل لا بد أن يعمل فيه ما يسعد المجتمع، ويحقق الرخاء والنماء فيه، وليفتح مجالات العمل لفئات عديدة من البشر، هم في حاجة إليه ليقتاتوا بعمل شريف، وجهد حلال.
وحتى لا يترك أمر البيع أو الشراء بدون قيود، أو التدابر بدون محافظة، نظم القرآن الكريم كما في آية الدين في آخر سورة البقرة، ما يجعل صاحب المال متوثقا على ماله، مطمئنا على حقه بأنه سوف يأتي إليه عند حلول أجله، فيحصل بذلك النفع للآخذ والمعطي. واطمئنان كل منهما على الذي له والذي عليه.
وهذا ما يحقق أمنا اقتصاديا؛ لأنهم يقولون: رأس المال جبان، لا يتحرك إلا في الأمن والطمأنينة.
ولأن المال هو موطن الأثرة لدى البشر، وانتظام الحياة في المجتمعات، وموطن الشح للنفوس، فقد روعي فيه أمور تطمئن وتريح، وتنظم الحياة مثل:
كتابته والاستشهاد عليه: برجلين ثقتين، أو رجل وامرأتين ممن ترضى شهادتهم.
- تحديد الأجل.
- عدالة الكاتب والشهود.
- مراقبة الله بالنسبة للدائن والمدين، وأن تقواه سبحانه هي المحرك لكل منهما؛ لأنها تردع عن الظلم والجور.
- الوصاية على من كان عليه الحق، إن كان سفيها أو ضعيفا. . . أو لا يستطيع الإملاء في هذا الدين بأن يتولى ذلك عنه وليه العدل.
عدم الإضرار بالكاتب أو الشهود، أو إخافتهم حتى لا يوجد حجاب دون التعاون بالخير وعليه.
- التأكيد على الاهتمام بالمعروف والتفضل من القادر على أخيه، وأن يكون التعامل حسنا، وعدم الإضرار بمن عليه الحق.
ثم تزيد تعاليم القران الأمر تمكينا بالترغيب في البذل والصدقة والإحسان في أوجه الخير التي تريح أبناء المجتمع الإسلامي، وتزيل عنهم أسباب البغضاء والقلق والحقد والكراهية، وذلك في مثل قوله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (1) وقوله: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (2)، وقوله سبحانه. {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (3)، أي ينفقون بسخاء ويخافون ألا يقبل منهم، فهم لا يريدون السمعة والجاه، بل يمتثلون أمر الله، وقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} (4){لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (5).
وفي سبيل الإنفاق والحث على عدم البخل بالمال، وتوضيح أوجه الخير التي يبذل المال فيها، ومقارنة ذلك بالجزاء الذي يريح النفوس، وتطمئن به الأفئدة، جاء حث كثير في كتاب الله الكريم على ذلك، مما يستوجب دراسة مستفيضة، وتأليفا واسعا.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ شرع الله، واجتمعت القلوب نحوه قد زاد الأمر توضيحا بثروة كبيرة تعين الباحث، وتريح المتلقي في مثل قوله: «ما من يوم
(1) سورة النور الآية 33
(2)
سورة الحديد الآية 7
(3)
سورة المؤمنون الآية 60
(4)
سورة المعارج الآية 24
(5)
سورة المعارج الآية 25
يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعطي ممسكا تلفا (1)» وقوله صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (2)» ، وقوله:«من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. . . ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة (3)» .
فالشحناء والبغضاء يقضي عليها الإسلام بالقضاء على مسبباتها، بحيث وضع حلولا تطمئن إليها الفئات المؤمنة، وترضى عنها؛ لأن هذا هو حكم الله، ومن لم يرض بحكم الله ويأتمر بأمره فقد وصف بأنه كافر وظالم وفاسق.
لذا تولى رب العزة والجلال تنظيم ما يتعلق بحياة الناس في الأموال؛ لأنها مبعث القلق النفسي في كل مجتمع: -
- فالتركات وزعت وأعطي كل فرد نصيبه ذكرا كان أو أنثى كما في سورة النساء.
- والمتوفى حدد له رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ما يتصرف فيه بماله وهو الثلث والثلث كثير.
- ومنع الإنسان أن يوصي بشيء من ماله لأحد أبنائه حتى لا يفضل إخوته، واعتبره الرسول ظلما كما في قصة بشير بن سعد مع ابنه النعمان.
- والغنائم حددت أنصبة كل من يستحقها، وحرم الغلول، وهو الأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم كما في سورة الأنفال.
- والمستحقون للزكاة وهم أهلها الثمانية الذين تدفع إليهم ولا يجوز دفعها إلى غيرهم حددتهم سورة التوبة.
- والربا ومداخله حرم كما في سورة البقرة.
- والبيع والمداينة أحلت ونظمت كما في سورة البقرة، لأن فيها قوام المجتمع بالتعامل والتسهيلات.
(1) متفق عليه (باب الزكاة).
(2)
رواه مسلم.
(3)
متفق عليه.
- والصدقة على المحتاج واليتيم والقريب والإحسان إليهم. والإنفاق على الأولاد والزوجة نظمت ذلك آيات كثيرة في سور من كتاب الله الكريم.
كل هذا حرص عليه الإسلام لتسيير الحياة في المجتمع وإشعار أفراده بالراحة والاطمئنان على معاشهم، وانتظام أحوالهم، والتعاطف فيما بينهم. فالنفس لا تنتج عملا في جو مضطرب، أو إذا كانت غير مرتاحة، ولذا جاءت تعاليم الإسلام لتريح النفوس بما شرع أمامها، فيتهيأ الجو للعمل والإنتاج، وجوهر ذلك العلاقة مع الله، فيوصل ذلك العمل لرضاه وجنته في الأخرى، مع الثمرة المفيدة التي تعود على الفرد نفسه وعلى مجتمعه بالفائدة الظاهرة. وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم:«رحم الله امرأ صنع صنعة فأتقنها (1)» فمن تعاليم الإسلام التي جاءت في كتاب الله الكريم، أو في سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وهي تخاطب أهل الإيمان، وتطمئنهم بنتيجة ما يعملون، وتريح نفوسهم بما تقوم به من عمل، يلمس المستقرئ نظاما متكاملا للناحية المالية، التي هي محك الأمور، وسبب المشكلات في المجتمعات في كل عصر.
وإذا كان أصحاب الأموال في المجتمعات غير الإسلامية - وخاصة اليهود منهم - قد حرصوا على زيادة أموالهم بأساليب الربا، فإنهم في هذا العصر قد ابتكروا أساليب جديدة من باب أخذ أموال الناس بالباطل، وأكلها بالإثم، لأن مبدأهم الحلال ما حل في يدك، وذلك بابتكار شركات التأمين المتعددة حيث نسمع ونقرأ عن: -
- شركات التأمين على الحياة بأنواعها لمن حياتهم وأعمالهم في الأرض أو البحر أو الجو.
- وشركات التأمين على الممتلكات من سيارات ومتاجر وبيوت ومزارع ومصانع وغيرها.
(1) رواه مسلم.
- وشركات التأمين ضد الأعاصير - كما هو الحال في أمريكا ضد الترنادو وغيره.
- وشركات التأمين على الحنجرة للمغنيين.
- والتأمين على الساقين للفتيات اللواتي يباهين بسيقانهن ويدخلن مسابقات تقام لهذا الغرض.
- والتأمين على العينين والعنق والذراعين والوجه ضد التشويه.
- والتأمين ضد السرطان، والتأمين على الكلاب والقطط.
- والتأمين ضد الحريق والكوارث الأخرى والأضرار المختلفة.
وغير هذا من أساليب التأمين التي حركتها دعاياتهم وإعلامهم لإخافة الناس، وجعل القلق يسيطر عليهم، فحياتهم في جحيم مستمر، وأعمالهم في بلبلة دائمة، لأن قلوبهم خالية من الإيمان، وقلب خلا من الإيمان أصبح نهبا للنوازع المختلفة، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأنه كالبيت الخرب.
وإذا كان المسيطرون في مجتمعاتهم يعملون لهم تلك الأمور للسيطرة على عقولهم، والتحكم في مقدرات أمورهم، لسلب أموالهم واستعبادهم.
فإن الإسلام قضى على ذلك بحسن التوكل على الله، وملء القلب إيمانا بخشيته ومراقبته، فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها (1)» ويقول صلى الله عليه وسلم في حسن التوكل، وتسليم الأمر لله: «لو تتوكلون على الله حق
(1) رواه البخاري ومسلم.