الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل على الوضع، وأما التأريخ فهو أن أبا موسى الأشعري لم يتول قضاء الكوفة.
وأما من ناحية المتن فقد استبعدوا أن تكون من كلام عمر بن الخطاب؛ لأنها اشتملت على اصطلاحات فقهية جدت بعد عصر الصحابة، كما أن فيها بعض الآراء التي ثبت مخالفة عمر لها.
وسأعرض فيما يلي لهذه الاعتراضات وأناقشها بإذن الله تعالى.
مناقشة حجج منكري رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري:
أ -
الطعن في السند:
لقد شن ابن حزم - رحمه الله تعالى - حمله على رسالة عمر إلى أبي موسى وطعن في سندها فقال: [قال أبو محمد: وهذا لا يصح؛ لأن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان، وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف، وأبوه مجهول، وأما السند الثاني فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهولون، وهو أيضا منقطع فبطل القول به جملة](1).
وقال أيضا: [وأما الرسالة عن عمر ففيها: " قس الأمور واعرف الأشباه والأمثال، ثم اعمد إلى أولاها بالحق وأحبها إلى الله فاقض به " وهذه رسالة لا تصح، تفرد بها عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه وكلاهما متروك، ومن طريق عبد الله بن أبي سعيد وهو مجهول، ومثلها بعيد عن عمر، وأحب الأشياء إلى الله لا يعرف إلا بإخبار الله ورسوله، وقد حرم تعالى أن تقولوا على الله ما لا تعلمون](2).
وقال أيضا: [فإن ادعوا أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على القول بالقياس قيل لهم: كذبتم بل الحق أنهم كلهم أجمعوا على إبطاله، برهان
(1) الإحكام في أصول الأحكام جـ 7 ص 1003.
(2)
ملخص إبطال القياس ص 6 - 7 مطبعة جامعة دمشق سنة 1379 هـ.
كذبهم: أنه لا سبيل لهم إلى وجود حديث عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه أطلق الأمر بالقول بالقياس أبدا، إلا في الرسالة المكذوبة الموضوعة على عمر رضي الله عنه فإن فيها:" واعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور "، وهذه رسالة لم يروها إلا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه وهو ساقط بلا خلاف، وأبوه أسقط منه أو من هو مثله في السقوط] (1).
ومما لا شك فيه أن ابن حزم له باع طويل في معرفة طرق الرواية والأسانيد والرجال، فهو عالم من الطراز الأول، كما أنه غير متهم في دينه وخلقه. لذلك كان لطعنه في السند وراوي الرسالة وزن واعتبار لا يمكن إغفاله أو تجاهله، وخصوصا أنه عبر عنه بلغة الجزم والقطع، بل بلغة قاسية حين قال في راويها:" عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه وهو ساقط بلا خلاف، وأبوه أسقط منه أو من هو مثله في السقوط "(2).
كما أن ابن القيم وافقه على انقطاع السند حيث قال: " قال أبو عبيد: فقلت لكثير: هل أسنده جعفر؟ قال: لا "(3)، ثم قال:" وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شئ إليه وإلى تأمله والتفقه فيه"(4)، ليدفع ما قد يتوهم بأن عدم إسناده يعرضه للطعن في صحته، إذ قبول العلماء له يكسبه نوعا من الإقرار بصحته والموافقة على ما فيه، ويجوز أن جعفرا يعلم الإسناد ولكنه حذفه اختصارا وإلا من أين جاء بالرسالة وهو ثقة.
لكن علماء الحديث لم يوافقوه في سقوط الراوي عبد الملك بن الوليد بن معدان، ولا أبيه الوليد بل عده علماء الرجال من الثقات.
ولم يوافقوه على ورودها من الطرفين اللذين ذكرهما بل ذكروا طرقا أخرى
(1) المحلى جـ 1 ص 77 الناشر مكتبة الجمهورية العربية سنة 1387 هـ.
(2)
المحلى جـ 1 ص 77.
(3)
إعلام الموقعين جـ1 ص92.
(4)
إعلام الموقعين جـ1 ص 92.
موصولة. فقد قال الحافظ ابن أبي حاتم الرازي في الراوي: [عبد الملك بن الوليد بن معدان شيخ بصري روى عن أبيه، وعاصم بن بهدلة روى عنه بدل بن المحبر، وحرمي بن حفص، وأحمد بن عبد الله بن يونس. سمعت أبي يقول ذلك. قال أبو محمد روى عنه أبو داود الطيالسي، نا عبد الرحمن، قال ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: عبد الملك بن الوليد ابن معدان صالح، نا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن عبد الملك بن الوليد بن معدان فقال: ضعيف الحديث](1).
وقال الذهبي: [عبد الملك بن الوليد بن معدان عن عاصم بن أبي النجود قال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد لا يحل الاحتجاج به، وقال البخاري: فيه نظر](2).
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله: [أما عبد الملك فهو متوسط، ولم يضعفه أحد جدا إلا المؤلف - يعني به ابن حزم - وأما أبوه فهو ثقة معروف ذكره ابن حبان في الثقات](3).
أما عدم مرافقتهم له في ورودها من الطريقين اللذين ذكرهما، فقد سبق وأن ذكرت طرق ورودها - ومنها طريق وكيع عن علي بن محمد بن عبد الملك (4) إلخ. . . وطريق الدارقطني (5)، وطريق البيهقي - بل طرق البيهقي (6) - فلم ينفرد بروايتها عبد الملك بن الوليد بن معدان كما يدعي ابن حزم.
وقال أحمد رحمه الله عن طرقه: [وخير هذه الأسانيد - فيما نرى - إسناد سفيان بن عيينة عن إدريس - وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي
(1) كتاب الجرح والتعديل جـ 5 ص 373 ـ 374 طبع في حيدر آباد سنة 1371هـ.
(2)
ميزان الاعتدال جـ 2 ص 666 طبع الحلبي.
(3)
التعليق على الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ 7 ص 1003.
(4)
أخبار القضاة جـ 1 ص 70.
(5)
سنن الدارقطني جـ 4 ص 206.
(6)
السنن الكبرى جـ 10 ص 115، 150، 155، 182، 197.