المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌حكم استحالة النجس إلى طاهر

- ‌ استحالة النجس إلى حقيقة أخرى بالإحراق أو غيره هل تكسب الطهارة:

- ‌ هل تطهر الخمر بالاستحالة:

- ‌ثانيا: أنواع استحالة المياه المتنجسة بسبب اختلاف أسبابها:

- ‌ استحالة المياه المتنجسة بصب ماء طهور عليها، أو نزح بعضه، أو زوال التغير بنفسه

- ‌ طريقة الحنفية:

- ‌ طريقة المالكية:

- ‌ طريقة الشافعية:

- ‌ طريقة الحنابلة:

- ‌ الاستحالة برمي تراب ونحوه فيها:

- ‌ الاستحالة بسقي النباتات بها وشرب الحيوانات إياها:

- ‌ حكم استعمال مياه المجاري بعد استحالتها وزوال أعراض النجاسة منها:

- ‌مشروع التكافل الاجتماعي

- ‌ثانيا: مدى تمشي هذا المشروع مع أحكام الشريعة الإسلامية:

- ‌ أخذت بيوت ومحلات تجارية من ملاكها وبني مكانها مسجد للصلاة

- ‌ إقامة صلاة الجمعة في بلد نقص عدد المصلين فيها عن أربعين مصليا

- ‌ الرجل الذي لا يصلي وهو متزوج بامرأة مسلمة

- ‌ هل تجب صلاة الضحى على من لم يصل الوتر بعد صلاة العشاء

- ‌ الرجل الذي لا يفارق فراشه من الكبر في السن، وقد ترك الصلاة والصيام

- ‌ تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني

- ‌ تأخر إمام الجمعة عن وقت الصلاة

- ‌ الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح

- ‌ الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلات

- ‌ تأخير الصلاة لعذر

- ‌ إلقاء الوعظ والإرشاد يوم الجمعة قبل أداء صلاة الجمعة

- ‌ عدد ركعات صلاة الجمعة بالنسبة لمن فاتته الجماعة

- ‌ الأدعية المستحبة في صلاة الوتر في شهر رمضان

- ‌ الصلاة مع الراديو

- ‌حكم إخراج الأرز في زكاة الفطر

- ‌حول الشهادتينمعناهماوما تستلزمه كل منهما

- ‌المبحث الأولفي فضل هاتين الشهادتين

- ‌المبحث الثانيالقتال على الشهادتين ووجوب الإتيان بهما

- ‌المبحث الثالثفي معنى كلمة لا إله إلا الله

- ‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله:

- ‌المبحث الرابعمعنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌ واجب الأمة نحوه:

- ‌ الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامسشروط الشهادتين

- ‌المبحث السادسنواقض الشهادتين

- ‌من أعلام المجددينالإمام أحمد

- ‌ نشأته وتعلمه:

- ‌ غزارة علمه:

- ‌ عمله وأخلاقه:

- ‌ محنته وصلابته في الحق:

- ‌ مميزات مذهبه والأصول التي بناه عليها:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ وفاته:

- ‌مجال عمل المرأةفي الإسلام

- ‌ مكانة المرأة في الإسلام:

- ‌ شبهات حول المرأة في الإسلام:

- ‌ ميدان العمل للمرأة:

- ‌ هل سمح الإسلام للمرأة بالعمل

- ‌ شروط العمل للمرأة:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة صارفا لها عن مهمتها الأصلية:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة في كل الأحوال مزاحما للرجل:

- ‌ ألا يعرضها العمل للفتنة أو يعرض الرجال للفتنة أيضا:

- ‌ ألا يصادم العمل الفطرة الطبيعية:

- ‌ مجالات العمل للمرأة:

- ‌ ميدان عمل المرأة

- ‌أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان

- ‌توطئة

- ‌نفس. . . بلا إيمان

- ‌طريق الأمان

- ‌التعريف اللغوي لكلمة أمن

- ‌الأمن الذي تبحث عنه النفوس

- ‌الإيمان لغة وشرعا

- ‌القرآن الكريم وأثره في توطين النفس

- ‌الإيمان الذي تطمئن به القلوب

- ‌الإيمان وقته الحياة الدنيا

- ‌أهمية النفس في الإسلام

- ‌القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع

- ‌الإيمان مقترن بالأمان

- ‌المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه

- ‌الفرق بين المؤمن وغيره

- ‌الإيمان - والإسلام

- ‌أثر الإيمان في أمن المجتمع

- ‌تحقيق رسالة عمر بن الخطابإلى أبي موسى الأشعري

- ‌أهمية رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌نص الرسالة:

- ‌آراء العلماء والباحثين في رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري

- ‌مناقشة حجج منكري رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌ الطعن في السند:

- ‌ الطعن فيها لاختلاف الروايات وتعددها:

- ‌الطعن فيها من الناحية التأريخية

- ‌ الطعن في المتن:

- ‌القواعد والتوجيهات التي اشتملت عليها رسالة عمر في مجال القضاء:

- ‌ ضرورة القضاء ووجوبه:

- ‌ فهم القضية المدعاة المطلوب الحكم فيها:

- ‌ سرعة البت في الدعوى والإلزام بالحكم:

- ‌ المساواة بين المتخاصمين:

- ‌ فهم مدارك الأحكام:

- ‌ إقرار الاجتهاد والقياس:

- ‌ نقض القضاء:

- ‌ عدالة المسلم:

- ‌ إمهال مدعي البينة والحق الغائب:

- ‌ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر:

- ‌ الأخذ بالأدلة الظاهرة:

- ‌ درء الحدود بالشبهات:

- ‌ سعة الصدر والتحذير من الغضب:

- ‌ مراعاة طلب الأجر والثواب في القضاء:

- ‌ إقرار الصلح بين المتخاصمين:

- ‌ الإخلاص لله في القضاء:

- ‌شهادة الزور وخطرها

- ‌أولا: قول الزور:

- ‌ الشهادة بلا علم لأحد أو عليه عند القاضي أو غيره

- ‌ تزكية الإنسان بما ليس أهلا له:

- ‌ القول في دين الله بغير الحق:

- ‌ثانيا: حضور الأماكن التي يفعل فيها الباطل ويعرض:

- ‌ تجمعات المكاء والتصدية:

- ‌ مجالس تفعل فيها عظائم المنكرات وكبائر الذنوب

- ‌ مجالس الكذب التي يعرض فيها الباطل مسموعا أو مرئيا عبر المسلسلات والأفلام والمسرح

- ‌عبد الرزاق بن همام الصنعاني

- ‌روى عن:

- ‌روى عنه:

- ‌تشيعه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌تغير حاله:

- ‌آراء شاذة:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌الخلاصة:

- ‌رواة المصنف:

- ‌الحديث عن رواة المصنف:

- ‌عدد أحاديث المصنف:

- ‌زوائد المصنف:

- ‌نسبة الجامع إلى المصنف:

- ‌نسبة كتاب المغازي أيضا:

- ‌درجته:

- ‌سبيل الاحتجاج بأحاديث المصنف:

- ‌أمثلة للأحاديث التي رواها الأئمة من طريقه:

- ‌ حاجة الطبيعة البشرية للاحتساب:

- ‌ الاحتساب في الأديان السابقة:

- ‌ تفضيل أمة الإسلام بالاحتساب:

- ‌مناهجنا والتربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌الحضارة الغربية وموقفها من الإنسانية:

- ‌واقع التعليم في العالم الإسلامي والعربي:

- ‌الطرق والوسائل الواجب اتباعها نحو أسلمة المعرفة:

- ‌وضع منهاج للتعليم الإسلامي:

- ‌ بعض المقترحات التي يمكن تبنيها في نظامنا التعليمي:

- ‌القرآن الكريم وجعله مادة أساسية في المنهج

- ‌الحديث والسيرة النبوية:

- ‌ الاهتمام باللغة العربية:

- ‌ الاهتمام بتدريب المعلم:

- ‌ إزالة الازدواج التعليمي:

- ‌ ترشيد ابتعاث أبناء المسلمين إلى الخارج:

- ‌ تدعيم مراكز البحث العلمي:

- ‌ملخص البحث:

- ‌مقدمة عامة

- ‌المبحث الأول: نشأة المكتبة وتطورها

- ‌المبحث الثاني: تنظيم المكتبة:

- ‌ قسم الترجمة

- ‌ قسم التدقيق والمراجعة

- ‌ قسم الوراقين

- ‌ قسم الفهرسة

- ‌ قسم التأليف:

- ‌برمجة التأليف:

- ‌المنهج العلمي في التأليف:

- ‌المبحث الثالث: أثر المكتبة الفكري في شعوب غرب أوربا:

- ‌الخاتمة

- ‌أثر المرأة في حياتكم

- ‌الجواب المفيدفي حكم التصوير

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله:

‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله:

قال ابن عباس رضي الله عنه: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (1)، وقال الوزير أبو المظفر في " الإفصاح " قوله: شهادة أن لا إله إلا الله، يقتضي أن يكون الشاهد عالما بأن: لا إله إلا الله، كما قال الله عز وجل:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (2) وينبغي أن يكون الناطق بها شاهدا فيها، فقد قال الله عز وجل ما أوضح به أن الشاهد بالحق إذا لم لكن عالما بما شهد به، فإنه غير بالغ من الصدق به مع من شهد من ذلك بما يعلمه في قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (3) قال: واسم الله تعالى مرتفع بعد (إلا) من حيث إنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه، قال: واقتضى الإقرار بها أن تعلم أن كل ما فيه أمارة للحدث، فإنه لا يكون إلها، فإذا قلت لا إله إلا الله، فقد اشتمل نطقك هذا على أن ما سوى الله ليس بإله، فيلزمك إفراده سبحانه بذلك وحده. قال: وجملة الفائدة في ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة هي مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه، كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله. وقال أبو عبد الله القرطبي في التفسير: لا إله إلا هو، أي: لا معبود إلا هو. وقال الزمخشري: الإله من أسماء الأجناس- كالرجل والفرس- اسم يقع على كل معبود بحق أو بباطل، ثم غلب على المعبود بحق.

وقال شيخ الإسلام: الإله هو المعبود المطاع: وقال أيضا: في لا إله إلا الله إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن

(1) ذكره ابن كثير في التفسير أول سورة الفاتحة

(2)

سورة محمد الآية 19

(3)

سورة الزخرف الآية 86

ص: 88

يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع. وقال ابن القيم رحمه الله: الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا، وإنابة وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا، وخوفا ورجاء وتوكلا.

وقال ابن رجب رحمه الله: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه، وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك.

وقال البقاعي: لا إله إلا الله، أي انتفى انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.

وقال الطبي: الإله فعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلاهة، أي عبد عبادة وهذا كثير جدا في كلام العلماء، وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود، خلافا لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق، أو القادر على الاختراع، أو نحو هذه العبارات، ويظنون أنهم إذا قالوها بهذا المعنى فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله، كدعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الكربات، وسؤالهم قضاء الحاجات، والنذر لهم في الملمات، وسؤالهم الشفاعة عند رب الأرض والسماوات، إلى غير ذلك من أنواع العبادات، وما شعروا أن إخوانهم من كفار العرب يشاركونهم في هذا الإقرار، ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع، ويعبدونه بأنواع من العبادات فليهن أبا جهل وأبا لهب ومن تبعهما الإسلام بحكم عباد القبور، وليهن أيضا إخوانهم عباد ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، إذ جعل هؤلاء دينهم هو الإسلام المبرور، ولو كان معناها ما زعمه هؤلاء الجهال، لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم نزاع، بل كانوا يبادرون إلى إجابته، ويلبون دعوته،

ص: 89

إذ يقول لهم: قولوا: لا إله إلا الله؛ بمعنى أنه لا قادر على الاختراع إلا الله. فكانوا يقولون: سمعنا وأطعنا قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (1){وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (2){قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} (3) إلى غير ذلك من الآيات، لكن القوم أهل اللسان العربي، فعلموا أنها تهدم عليهم دعاء الأموات والأصنام من الأساس، وتكب بناء سؤال الشفاعة من غير الله، وصرف الإلهية لغير، لأم الرأس، فقالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4){هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (5){أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (6) فتبا لمن كان أبو جهل ورأس الكفر من قريش وغيرهم أعلم منه بلا إله إلا الله. قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (7){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (8) فعرفوا أنها تقتضي ترك عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بالعبادة، وهكذا يقول عباد القبور إذا طلبت منهم إخلاص الدعوة والعبادة لله وحده: أنترك سادتنا وشفعاءنا في قضاء حوائجنا. فيقال لهم: نعم وهذا الترك والإخلاص هو الحق، كما قال تعالى:{بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} (9) فلا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى، فكل ما سواه من الملائكة والأنبياء فضلا عن غيرهم فليس بإله، ولا

(1) سورة الزخرف الآية 87

(2)

سورة الزخرف الآية 9

(3)

سورة يونس الآية 31

(4)

سورة الزمر الآية 3

(5)

سورة يونس الآية 18

(6)

سورة ص الآية 5

(7)

سورة الصافات الآية 35

(8)

سورة الصافات الآية 36

(9)

سورة الصافات الآية 37

ص: 90

له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره، أي لا يقصده بشيء من التأله، وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة، كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك، وبالجملة فلا يأله إلا الله أي لا يعبد إلا هو، فمن قال هذه الكلمة عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به، فهذا هو المسلم حقا، فإن عمل به ظاهرا من غير اعتقاد فهو المنافق، وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها، ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرا وهم في الدرك الأسفل من النار، واليهود يقولها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر، فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه، ولو قالها مائة ألف، فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله، كعباد القبور والأصنام فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها، وما أشبهه من الأحاديث، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله (وحده لا شريك له) تنبيها على أن الإنسان قد يقولها وهو مشرك، كاليهود والمنافقين وعباد القبور، لما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قومه إلى قول لا إله إلا الله، ظنوا أنه إنما دعاهم إلى النطق بها فقط، وهذا جهل عظيم، وهو عليه السلام إنما دعاهم إليها ليقولوها ويعملوا بمعناها، ويتركوا عبادة غير الله، ولهذا قالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (1) وقالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} (2) فلهذا أبوا عن النطق بها، وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين، ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد ويتركوا عبادتها، ويعبدوا الله وحده لا شريك له، وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع، وأما عباد القبور فلم يعرفوا معنى هذه الكلمة، ولا عرفوا الإلهية المنفية عن غير الله الثابتة له وحده لا شريك له، بل لم يعرفوا من معناه إلا ما أقر به المؤمن والكافر، واجتمع عليه الخلق كلهم من أن معناها لا قادر على الاختراع، أو أن معناها الإله، هو الغني عما سواه، الفقير إليه كل ما عداه ونحو

(1) سورة الصافات الآية 36

(2)

سورة ص الآية 5

ص: 91

ذلك، فهذا حق وهو من لوازم الإلهية، ولكن ليس هو المراد بمعنى لا إله إلا الله، فإن هذا القدر قد عرفه الكفار، وأقروا به ولم يدعوا في آلهتهم شيئا من ذلك، بل يقرون بفقرهم، وحاجتهم إلى الله، وإنما كانوا يعبدونهم على معنى أنهم وسائط وشفعاء عند الله في تحصيل المطالب، ونجاح المآرب، وإلا فقد سلموا الخلق والملك والرزق والإحياء والإماتة، والأمر كله لله وحده لا شريك له، وقد عرفوا معنى لا إله إلا الله، وأبوا عن النطق والعمل بها، فلم ينفعهم توحيد الربوبية مع الشرك في الإلهية، كما قال تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (1) وعباد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها وأبوا عن الإتيان به، فصاروا كاليهود الذين يقولونها ولا يعرفون معناها ولا يعملون به، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بالحب والإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب، ويقصده بأنواع العبادة الصادرة عن تأله قلبه لغير الله مما هو أعظم مما يفعله المشركون الأولون، ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله تعالى أعطاك ما شئت من الأيمان صادقا أو كاذبا، ولو قيل له: احلف بحياة الشيخ فلان أو بتربته ونحو ذلك، لم يحلف إن كان كاذبا، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أعظم في قلبه من رب الأرباب، وما كان الأولون هكذا بل كانوا إذا أرادوا التشديد في اليمين حلفوا بالله تعالى، كما قي قصة القسامة التي وقعت في الجاهلية، وهي في صحيح البخاري وكثير منهم أو أكثرهم يرى أن الاستغاثة بإلهه الذي يعبده عند قبره أو غيره أنفع وأنجح من الاستغاثة بالله في المسجد، ويصرحون بذلك والحكايات عنهم بذلك فيها طول، وهذا أمر ما بلغ إليه شرك الأولين، وكلهم إذا أصابتهم الشدائد أخلصوا للمدفونين في التراب، وهتفوا بأسمائهم ودعوهم ليكشفوا ضر المصاب، في البر والبحر والسفر والإياب، وهذا أمر ما فعله الأولون، بل هم في هذه الحال يخلصون للكبير المتعال، فاقرأ قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) الآية

(1) سورة يوسف الآية 106

(2)

سورة العنكبوت الآية 65

ص: 92

وقوله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (1){ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (2) وكثير منهم قد عطلوا المساجد، وعمروا القبور والمشاهد، فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه أخذ في دعاء صاحبه باكيا خاشعا ذليلا خاضعا، بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات، وقيام الليل وأدبار الصلوات، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، والنجاة من النار، وأن يحطوا عنهم الأوزار، فكيف يظن عاقل فضلا عن عالم أن التلفظ بلا إله إلا الله مع هذه الأمور تنفعهم، وهم إنما قالوها بألسنتهم، وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم، ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضا بشهادة أن محمدا رسول الله ولم يعرف معنى الإله، ولا معنى الرسول، وصلى وصام وحج ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم، ولم يفعل شيئا من الشرك، فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه، وقد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب (الدر الثمين، في شرح المرشد المعين) من المالكية، ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء، لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى، ولا ريب أن عبادة القبور أشد من هذا، لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين فإن قيل: قد تبين معنى الإله والإلهية، فما الجواب عن قول من قال: بأن معنى الإله القادر على الاختراع ونحو هذه العبارة؟ قيل: الجواب من وجهين: أحدهما أن هذا قول مبتدع، لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة، وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم، فيكون هذا القول باطلا. الثاني: على تقدير تسليمه فهو تفسير باللازم للإله الحق، فإن اللازم له أن يكون خالقا قادرا على الاختراع، ومتى لم يكن كذلك، فليس بإله حق وإن سمى إلها، وليس مراده أن من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام، وأتى بتحقيق المرام، من مفتاح دار السلام، فإن هذا لا يقوله

(1) سورة النحل الآية 53

(2)

سورة النحل الآية 54

ص: 93