الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«من حق المسلم على أخيه أن ينصح له إذا استنصحه» وقال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا (1)» ، وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} (2).
فيجب على الإنسان أن يزكي بما علم وأن يشهد بما ظهر له وعرفه بسماع أو مشاهدة أو معاشرة ونحوها من طرق المعرفة، وأن يكون قصده وجه الله فيما يشهد به لأحد من الناس له أو عليه. وليعلم أن الشهادة بمثل هذه الأمور خطيرة، فإن كانت كاذبة فضررها أعم وأعظم من شهادة الزور عند القضاة على عظمها؛ لأن هذه الأمور تتعلق بمصالح عموم المسلمين فيعمهم الضرر بتولية شئونهم من ليس أهلا لها، أو الاطلاع على أسرارهم من ليس منهم ونحو ذلك، فالشهادة الكاذبة في هذه الأمور من أعظم قول الزور ومن التعاون على الإثم والعدوان ومن تضييع الأمانة ووسد الأمر إلى غير أهله والغش لرعاة المسلمين ورعيتهم. ففيها من الضرر والفساد ما لا يحصيه إلا الله.
(1) رواه مسلم، الإيمان جـ 1/ 144.
(2)
سورة النساء الآية 135
(ج)
القول في دين الله بغير الحق:
فإن ذلك من أعظم الفتنة ومن أخطر أسباب الصد عن سبيل الله ومن أقوى عوامل إضلال الناس وهو من الجرأة على الله وهو من أوضح الأدلة على جهل قائله - خاصة إذا تبين له الحق فلم يرجع إليه - أو على نفاقه وإلحاده، وقد قال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (1).
(1) سورة النحل الآية 116
فما أكثر هذا الصنف من الناس - اليوم - الذين يفتون الناس بما لا يعلمون صحته ويتصدرون لما ليسوا أهلا له لجهلهم العظيم بحقيقة أنفسهم وما يتكلمون فيه وما ينبني على فتاواهم من فساد وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2){بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} (3) ومثلهم أولئك الذين يحرمون ما أحل الله لهم من طعام ونساء وسكن ومركوب ونحوه لأدنى سبب فيحلفون بتحريم ذلك عند أتفه الأمور تكريما لأحد أو توفيرا عليه أو منعا له من شيء أو تأديبا أو حمية جاهلية فيتجرءون على الله وشرعه وينتهكون حرماته تعظيما لأشياء عادية بسيطة ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ذلك من زور القول الذي أمروا باجتنابه وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (4).
وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5).
وأخطر من هؤلاء وأولئك قوم يكتمون الحق مع علمهم به ويظهرون الباطل ويدعون إليه الناس ويزينونه لهم بما يسمونه به من زخرف القول أسماء يخترعونها من قبل أنفسهم تزويرا للحقائق وكذبا على الله ورسوله وفتنة للعامة كأولئك
(1) سبل السلام ج1 ص 99.
(2)
سورة النحل الآية 43
(3)
سورة النحل الآية 44
(4)
سورة المجادلة الآية 2
(5)
سورة المائدة الآية 87
الذين يجعلون من خلق الله أنداد يدعونهم ويتضرعون إليهم، ويقبلون أعتابهم ويحجون إليهم، ويقسمون بهم، وينادونهم عند الشدائد وحال الرخاء، ويدعون الناس إلى اتباعهم على ذلك الشرك برب العالمين، ويظهرون للناس أن ذلك من محبتهم ومن حقهم على الناس. ويخترعون لذلك المناسبات العديدة والذكريات الموسمية، ويؤلفون لهم مناسك تتلى بكل مناسبة، ويسوقون استدلالا على ذلك حشدا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والقصص الخرافية والرؤى المنامية، بل وأحلام اليقظة، حيث يصرحون أنهم يرون من يزعمون محبته وتلقوا عنه العديد من النصائح والأوراد والبشارات وقصدهم في ذلك التشبيه على العامة والتغرير بهم لنهب أموالهم وطلب المنزلة عندهم واستعبادهم لهم إلى غير ذلك من الأغراض الدنيئة والمطامع السافلة.
وعلى شاكلة هؤلاء في قول الزور وصناعة الإفك لقصد الإفساد ونشر الفساد قوم منحرفون فكرا وسلوكا وعقيدة وخلقا، وهم الداعون إلى تبرج النساء واختلاطهن بالأجانب والخروج على شريعة الله وهدي رسوله في شتى الميادين، شعارهم الدعوة إلى التجديد والتطور والتحرير وتحصيل حقوق النساء المسلوبة - زعموا - وحقيقتهم رفع شعار العلمانية والمناداة بالمبادئ الماسونية والولع بما كان عليه الكفار شرقا وغربا من انحراف وهمجية اتباعا للهوى وذلة للأعداء وإشباعا للشهوات وحبا للباطل، ومن عظم البلية وشدة الفتنة أنهم يستدلون على باطلهم وأهوائهم المنحرفة بنصوص شرعية - مع عدم إيمانهم بها على الحقيقة - يسوقونها في غير سياقها الشرعي ويحرفون فيها الكلم عن مواضعه ويضربون بعضها ببعض وغالب ما يستدلون به منها منقول من كتابات أسيادهم المستشرقين وغيرهم من شياطين الإنس الذين خاضوا المعركة ضد الإسلام منذ سنين طويلة وفي أمصار عديدة؛ فصار شأن هؤلاء اليوم بين المسلمين شأن سلفهم من المنافقين في عصور الإسلام الأولى الذين يأخذون شبهاتهم وأفكارهم من اليهود