الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنصارى والمشركين يعارضون بها شرع الله ويفتنون بها عباده {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (1).
فهؤلاء {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} (2){أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (3).
وحقيقتهم أنهم {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} (4){أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (5).
وهم أيضا {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (7){فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (8).
(1) سورة النساء الآية 62
(2)
سورة البقرة الآية 11
(3)
سورة البقرة الآية 12
(4)
سورة النساء الآية 51
(5)
سورة النساء الآية 52
(6)
سورة النساء الآية 142
(7)
سورة البقرة الآية 9
(8)
سورة البقرة الآية 10
(9)
سورة المنافقون الآية 4
ثانيا: حضور الأماكن التي يفعل فيها الباطل ويعرض:
فإن ذلك هو المعنى الآخر لشهادة الزور فإن حضور مجالس الباطل ومشاهدته ومخالطة أهله حال تلبسهم به وظهورهم بمظهره دون نكير عليهم أمر عظيم
الحرمة شديد الخطر حيث يدل على ضعف الإيمان أو على انتفائه بالكلية إذ لا يقر المنكر إلا عاجز أو فاسد، والعاجز أقل أحواله هجر المكان أو الشخص لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، وفي رواية وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل (1)» .
وقد قال تعالى في شأن قوم حضرتهم الوفاة حال إقامتهم مع أهل المنكر حال استطاعتهم على مفارقتهم والبعد عنهم ومع ذلك لم يفعلوا: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (2){إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (3){فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} (4) وقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل - يعني على المعصية - فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض (5)» ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (6){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (7).
(1) صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 54).
(2)
سورة النساء الآية 97
(3)
سورة النساء الآية 98
(4)
سورة النساء الآية 99
(5)
تفسير ابن كثير ج 2 ص 82.
(6)
سورة المائدة الآية 78
(7)
سورة المائدة الآية 79
فكان من أسباب اللعن والسخط الذي تعرض له أولئك القوم هو حضور مجالس المعاصي ومخالطة العصاة حال معصيتهم ومؤاكلتهم ومشاربتهم ومجالستهم، ولذلك نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن حضور المجالس التي تشتمل على الخوض في آيات الله والاستهزاء بها والكفر فيها فيفعل في تلك المجالس ما يضاد ما جاءت به آيات الله من الأمر بالطاعة والتعاون على البر والتقوى والأمر بترك المعصية والتعاون على الإثم والعدوان، فقال تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (1).
وذكر الرحمن من جليل أعمال عباده المخلصين في عبادته والمتبعين لنبيه صلى الله عليه وسلم أنهم {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (2).
قال الإمام ابن كثير (3) والأظهر من السياق أن المراد بـ {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (4) أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء ولهذا قال تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (5).
ثم ساق ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن مسعود: أنه مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما» واللهو من اللغو وكلاهما داخلان في الزور المنهي عن قوله وفعله وحضوره؛ لأنه باطل لميله عن الحق كما سبق، ولذلك تنوعت عبارات المفسرين - رحمهم الله تعالى - في المراد بالزور وفي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (6)
فمنهم من قال: هو الشرك، ومنهم من قال: هو الغناء. ومنهم من قال: هو الكذب، ومنهم من قال: هو أعياد المشركين، ومنهم من قال: شرب الخمر (7) واختلاف
(1) سورة النساء الآية 140
(2)
سورة الفرقان الآية 72
(3)
تفسير ابن كثير ج 3، ص 328.
(4)
سورة الفرقان الآية 72
(5)
سورة الفرقان الآية 72
(6)
سورة الفرقان الآية 72
(7)
تفسير ابن جرير ج19 ص 48، وتفسير القرطبي ج 12 ص 55.
عبارتهم في تفسيره هو من اختلاف التنوع فليس اختلاف تضاد؛ لأن كل ما ذكروه رحمهم الله هو من أنواع الباطل الذي يزوره أهله بتحسينه إلى الناس وتزيينه في أعينهم ليتبعوهم عليه. فمعنى الآية إخبار الله تعالى أن عباده لا يحضرون شيئا من الباطل لا شركا ولا كذبا ولا غناء ولا عيدا من أعياد الجاهلية، ولا يحضرون موائد الخمر والقمار فتميزوا بأنهم لا يحضرون شيئا مما يوصف شرعا بأنه باطل وزور. وإذا كانوا لا يحضرونه فمن باب أولى أن لا يقولوا به ولا يفعلوه، فلا يشهدون بما لم يستيقنوا صحته أو عرفوا بطلانه، ولا يفعلون شيئا من الباطل، ولا يكثرون سواد أهله ويعمرون مجالسهم لكمال، لبغضهم للزور وأهله ومحبتهم للحق وأهله فهم كما قال ربهم سبحانه في وصفهم:{يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (1).
فدلت آية سورة الفرقان السابقة وهي قوله تعالى في وصف عباده: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (2) أنه يتعين على المسلم الحق أن يتجنب مواطن الزور واجتماعات أهلها لما تشتمل عليه من الفسوق والعصيان وينبعث منها من الفتنة والضلالة خوفا من ربه وشحا بدينه وحذرا من مكر أعدائه ومن هذه المواطن:
(1) سورة الإسراء الآية 57
(2)
سورة الفرقان الآية 72
(أ) الأماكن والتجمعات التي يحتفل بها بأعياد ميلاد الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - والصالحين أو من تعتقد فيه الولاية والزعماء والأحزاب والمنشئات ونحوها؛ لأنها مناسبات محدثة لا أصل لها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي مناسبات جاهلية؛ لأنها من أحكامها {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (1).
(1) سورة المائدة الآية 50