الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو ثقة - أن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى أراه الكتاب وقرأه لديه، وهذه وجادة جيدة في قوة الإسناد الصحيح إن لم تكن أقوى منه، فالقراءة من الكتاب أوثق من التلقي عن الحفظ، وقد نقلها أيضا ابن الجوزي في سيرة عمر بن الخطاب ص 135 (1) " عن أبي عبد الله بن إدريس - وهو إدريس بن يزيد - قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة قال: فأخرج إلي كتبا فرأيت في كتاب منها] (2) إلخ.
بل إن ابن حجر العسقلاني رحمه الله اعتبر اختلاف الروايات حتى ولو كانت منقطعة مما يقوي أصل الرسالة ويشد بعضها أزر بعض، فقال: [وساقه - يعنى رسالة عمر - ابن حزم من طريقين، وأعلهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوي أصل الرسالة، لا سيما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة (3).
(1) في طبع دار إحياء علوم الدين بدمشق ـ تأريخ عمر بن الخطاب ـ ص 155 ـ 156.
(2)
التعليق على المحلى لابن حزم جـ 1 ص 79 الناشر مكتبة الجمهورية العربية سنة 1378 هـ.
(3)
تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير جـ 4 ص 196 المدينة المنورة سنة 1384هـ.
ب -
الطعن فيها لاختلاف الروايات وتعددها:
تذرع بعض الباحثين لإبطال رسالة عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري باختلاف الروايات وتعددها، مما يدل على أنها مختلفة؛ إذ لو كانت مكتوبة لما حصل فيها هذا الاختلاف وتعدد الروايات، إذ ما يكتب لا يحصل فيه الاختلاف بخلاف ما يقال، إذ ربما يحصل القول بألفاظ مختلفة من القائل في كل مناسبة، يقول قولا مختلف اللفظ عن الأول، فينقل الراوي ما سمع. أما الرسائل فعادة تكون واحدة، لا عدة رسائل تحمل معنى واحدا إلى شخص واحد. وقد نقل الأستاذ عبد العزيز مصطفي المراغي ما قاله بعض هؤلاء فقال: [كتب الأستاذ مرجو ليوث، أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد - سابقا - فصلا عن هذا الكتاب في مجلة الجمعية الآسيوية، عمد فيه للمقارنة بين
ثلاث روايات اختارها، وهي رواية الجاحظ، وابن قتيبة، وابن خلدون، وحاول أن يجعل من اختلاف الروايات سببا للتشكيك في صحة نسبة الكتاب إلى عمر، وعجب أن يكون هذا الكتاب قد نقل شفاها من عمر لأبي موسى] (1).
فنقول: صحيح أنها رسالة مكتوبة، ولكن الرواة يتناقلونها عن طريق الحفظ، لذلك يقع تعدد الروايات واختلافها، علما بأنه لم يقع اختلاف بينها يذكر، اللهم إلا في اختلاف المفردات اللغوية. فيروي هذا كلمة وغيره يرويها بكلمة أخرى لا تغير المعنى والمقصود، أو يقدم جملة على أخرى. وقد أجاز علماء الحديث رواية الحديث بالمعنى إذا كان لا يحيله، فليس الاختلاف قادحا فيها وموجبا لردها، وخصوصا أنها عن عمر بن الخطاب.
يقول الأستاذ عبد العزيز المراغي: [اختلاف الروايات في الحديث لا يكون سببا قادحا فيه، وموجبا لرده، خصوصا وأن هذا الكتاب عن عمر لا عن الرسول، وهو مكتوب في معنى خاص، لا يغير من شأنه اختلاف الروايات فيه، مادامت كلها تحمل هذا المعنى، والعلماء الخبيرون بالأخبار، وطرق نقلها لم يشكوا في صحة الكتاب، ولم ينقل عن واحد منهم معنى من معاني رده، وقد تولى تفسيره كثير منهم، وإعلام الموقعين لابن القيم يكاد يكون كتابا موضوعا لشرح كتاب عمر، اتخذ التعليق عليه وسيلة للإفاضة في كثير من أسرار التشريع التي نصب ابن القيم نفسه لبيانها والدفاع عنها، ولم يشكك هو، ولا شيخه ابن تيمية في الكتاب من قريب أو بعيد، ولو كان في الكتاب مغمز ما ترددوا في بيانه](2).
أما ما ذكره من عجبه أن يكون هذا الكتاب قد نقل شفاها من عمر لأبي موسى الأشعري، فالرد عليه: أن الكتاب لم ينقل كذلك، وإنما هو رسالة مكتوبة بعث بها عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، وحفظها عنده وقبيل وفاته أوصى لابنه بما عنده من أوراق ومستندات فحفظها عنده ابنه أبو بردة مع غيرها من رسائل عمر بن الخطاب لأبيه، ورواياتها تدور أغلبها على سعيد بن
(1) الهامش على كتاب: أخبار القضاة لوكيع جـ1 ص 74.
(2)
التعليق على أخبار القضاة لوكيع جـ 1 ص 74.