الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوكل لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا (1)». وحسن التوكل على الله لا يكون إلا مع كمال الإيمان، ذلك العمل الذي يطمئن النفوس، ويزيل عن القلوب القلق والضجر.
وفي سبيل المحافظة على المال، والاهتمام بأداء حق الله فيه يقول صلى الله عليه وسلم:«ما نقص مال من صدقة، أو ما نقصت صدقة من مال - وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله (2)» وتحصين المال وحراسته والاطمئنان عليه، ليست بدفع أقساط لشركات التأمين، ولكن بالزكاة التي تذهب للفقراء والمحتاجين، فتحسن عن حالهم وتريح ضمائرهم كما جاء في الأثر:«حصنوا أموالكم بالزكاة» .
(1) رواه الترمذي
(2)
رواه مسلم والترمذي.
الفرق بين المؤمن وغيره
والاعتماد على الله، وحسن التوكل عليه، مدخل إيماني قوي للنفوس ومبعث على الاطمئنان والراحة، كما في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما قال:«كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما. فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (1)» . والأمن من الكوارث لا يكون إلا بقوة الإيمان وسلامة العقيدة ومراقبة الله دائما، فالمؤمن يدرك من نصوص كتاب الله، وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: أن الكوارث تساق للعبرة. والعظة، وتنبيه الغافلين، ومعاقبة العاصين المعاندين، وأن الخير الذي ينزل على النفوس ما هو إلا من عند الله، أما الشر فمما كسبت
(1) رواه الترمذي.
أيدي الناس، قال الله تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1) وأن المؤمن هو الذي يتعظ ويرتبط بالله، أما غيره فتمر عليه الأحداث كما تمر على الجمادات، بل إن من الجمادات ما يحس ويخاف قال تعالى:{وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (2) وفرق بين المؤمن وغيره، بأن المؤمن يتحمل ما ينزل به في نفسه أو ماله أو ولده، أو ما يحيط به بصبر وطمأنينة ورضا، فيؤجر على ذلك، أما غيره فيتسخط ويجزع فلا يدفع عنه ذلك شيئا، وإنما يزداد مع وقوع النازلة ألما نفسيا، فيسخط ربه، ويبطل عمله، وتبقى نازلته عليه - كما قال بذلك بعض العارفين. يقول صلى الله عليه وسلم:«أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل (3)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه ذنب (4)» ولذا قيل: المؤمن مبتلى، ليكون في ذلك محك لإيمانه، وميزان لدرجة صبره واطمئنان قلبه.
ومكر الله وعقابه، وغيرته سبحانه على نعمه، تكون دائما نصب عيني المؤمن، فهو يخشى ويخاف على نفسه أولا، وهل هو من المقبولين أم لا؟ كما جاء في الأثر «المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى، لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه». فهو يخشى من عقابه، ويخاف من مكره سبحانه ونقمته، قال تعالى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (5)
(1) سورة النساء الآية 79
(2)
سورة يونس الآية 101
(3)
رواه البخاري وأحمد في مسنده.
(4)
رواه مسلم.
(5)
سورة الأعراف الآية 99
وخوف من نقمة عامة تصيب الجميع بعمل البعض قال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} (1){أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (2) أو قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (3){أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (4) وما سياق ما حصل للأمم السابقة التي عاندت شرع الله، وكذبت كتبه، ولم تؤمن برسله إلا عبر وعظات للقلوب المؤمنة، لتدرك أن الراحة والاطمئنان في أمور الحياة وبعد الممات في طاعة الله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من شرع من عند الله.
لكن من هو هذا المؤمن الذي تساق له التوجيهات، ويبلغ بالأوامر؟؟.
إن مبعث الأمن في المجتمع هو الاعتقاد الجازم بسلامة الأوامر، والتصديق بها، وتطبيقها، وجعلها منهج حياة يقول صلى الله عليه وسلم:«والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل من هو يا رسول الله؟. قال: من لا يأمن جاره بوائقه (5)» فهنا قرن الإيمان بتأمين الجار والمحافظة عليه، وهذا هو أدب من آداب الإسلام العالية، وكل آدابه عالية، لأنها مبعث للأمن، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (6)» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (7)»
(1) سورة الأعراف الآية 97
(2)
سورة الأعراف الآية 98
(3)
سورة الملك الآية 16
(4)
سورة الملك الآية 17
(5)
رواه مسلم
(6)
متفق عليه
(7)
متفق عليه.